التصعيد في إدلب.. عملية "ابتزاز" تكشف جوهر الخلاف الروسي التركي - It's Over 9000!

التصعيد في إدلب.. عملية "ابتزاز" تكشف جوهر الخلاف الروسي التركي

بلدي نيوز – (تركي مصطفى) 

يمثل التصعيد العسكري لروسيا وبمساندة قوات الأسد في محافظة إدلب والمناطق المحررة المحيطة بها الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة، منعطفا خطيرا بين أطراف الصراع، وما يتردّد هذه الأيام بالتزامن مع التصعيد غير المسبوق منذ اتفاق الخامس من مارس/آذار الماضي، يخلق أجواء تنذر بعمل عسكري واسع النطاق، بما يمثل من مخاطر قد لا تتحمل موسكو تداعياتها، كما أن تبعات أية مغامرةٍ من هذا النوع ستفتح الحرب على مصراعيها وهذا ما يدركه الروس. 

فالعمليات الروسية تأتي في سياق مصفوفة أحداث دموية تحدث اليوم في إدلب وريفها، امتدادا لأحداث سابقة، في إطار بعث الروس الصراعات الموجَّهة بذريعة محاربة تنظيمات راديكالية خرقت اتفاق إدلب، وإمكانية استخدامها أسلحة كيميائية، فضلا عن ادعاء الروس استهداف الطائرات المسيرة لقاعدة حميميم، مع أن هذا العدوان هو أحد إفرازات أحداث السنوات التي أعقبت التدخل الروسي العسكري في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015م، والاتفاقات التي أبرمتها مع الجانب التركي، والتي تهدف روسيا من خلالها إلى السيطرة على كل المناطق الخارجة عن نفوذ نظام الأسد. 

وبالرغم من أن الاتفاق التركي الروسي في موسكو ينص على أن يكون البلدان ضامنين للحفاظ على منطقة خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار وأي عمليات عسكرية، إلا أن روسيا ضربت بهذه الاتفاقيات عرض الحائط، وعادت مجددا للتوغل في محافظة إدلب وفق تكتيك القضم التدريجي للمناطق المحررة؛ بدأ بريف حماة الشمالي الغربي أواخر العام 2019واحتدم بريف إدلب الجنوبي الشرقي، ويدور اليوم على أطراف الطريق الدولي (إم 4) الواصل بين حلب واللاذقية. في خطوة واضحة لنقض اتفاق إدلب يجسده القصف الجوي الروسي لعدة مناطق بجبل الزاوية، ولمنطقة "كبينة" في ريف اللاذقية الشرقي. وكذلك طال القصف الجوي منطقة درع الفرات، وبالتحديد مدينة الباب التي غاب عنها الطيران منذ العام 2017م، فضلا عن القصف المدفعي والصاروخي لميليشيات الأسد وإيران والذي شمل كافة منطقة جبل الزاوية وبالأخص مدينة أريحا، وتلا ذلك استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من سلاح ومليشيات تتبع لروسيا. وبالمقابل؛ قامت الفصائل المقاتلة التابعة للمعارضة المسلحة باستنفار جميع مقاتليها وحصنت مواقعها في جبهات القتال للدفاع عن آخر معاقلها.

الرسائل الاستراتيجية 

يبدو أن الروس يعتبرون مقررات "اتفاق إدلب" هي الأكثر فاعلية، والأسبق في التنفيذ من أي مسعى سياسي قدمته الأطراف الدولية في جنيف، أو في التفاهمات الثنائية بين واشنطن وموسكو لفرض السيطرة الروسية بالقوة المسلحة على البلاد كلها، ونسف جميع مبادرات السلام التي دعت إليها في "أستانا" و"سوتشي" بعد الالتفاف عليها طويلا، وفق استراتيجية من يجيد تقدير الموقف من الحسم العسكري تقديرا دقيقا، لذلك جاء التصعيد العسكري لوصد الأبواب أمام أيّ مسعىً حقيقي للسلام وفق القرارات الدولية، والخروج عن القرارات التي التزم بها بوتين مع الرئيس التركي في "موسكو" في إشارة واضحة إلى الابتزاز السياسي الذي يجيده الروس، وفق استراتيجية الهيمنة المطلقة على سوريا بصرف النظر عن تشدقهم بمحاربة "الإرهاب". 

وتتجلى عملية القصف العنيف التي تتعرض له إدلب في سياقات متعددة، تتلخص فيما يلي:  

ــ أظهرت عمليات القصف المكثف على المناطق المحررة، على أن ما تقوم به روسيا هو خدعة، حيث أرادت من خلال "اتفاق موسكو" استدراج فصائل المعارضة إلى القبول به والتوقيع عليه، ثم لتقوم بنقض ما لا يتفق مع مصالحها لأنها منذ احتلالها سوريا قبل أربعة أعوام، لا تتعامل مع المعارضة وفق مبادئ قانونية سواء كانت دولية أو كانت هي من استصدرها، وكل ما تبديه من تراجعات ظاهرية قبل بلوغ هدف من أهدافها المرحلية لا يتعدى أن يكون تراجعا في التكتيك ضمن إطار الاستراتيجية العامة التي رسمتها لنفسها في سوريا.

ــ بيّنت التقارير المراقبة لعمليات العدوان الذي تتعرض له المناطق المحررة، أن مصدر النيران هو من الميليشيات التابعة لروسيا المتمركزة في سراقب وكفرنبل ومعرة النعمان، وفي السياق، أشار رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، إلى أنه "لم نسجل أي انتهاكات لوقف إطلاق النار من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا".

ــ كشفت التحركات العسكرية الروسية أن الهدف منها ليس البدء بعملية عسكرية، بقدر ما هو بتر للأذرع الإيرانية وفق اعتماد استراتيجية لافروف في سياسة "الخطوة خطوة"، أو ما يسمى بـ"سياسة الهيمنة المرحلية " في السيطرة على معاقل النفوذ الإيراني في ريف حلب الجنوبي دون وقوع تصادم عسكري مباشر، روجت له أطراف دولية واستندت إليه منابر إعلامية من غير التثبت من صحة تلك الروايات. ومن الواضح أن زحزحة الإيرانيين من معاقلهم في ريفي حماة الشمالي وإدلب الشرقي، فرضت على الروس إعادة انتشارهم في محيط منطقة إدلب، لتصبح المنطقة الممتدة من سراقب في ريف ادلب الشرقي وحتى مشارف سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي تحت السيطرة الروسية. وتزامن ذلك مع اتخاذ روسيا خطواتٍ على الأرض، من خلال توسيع وجودها، عبر انتشار الفيلق الخامس التابع لها في مناطق بمحافظتي السويداء ودرعا، على حساب الميليشيات الإيرانية، إضافة إلى ضغط روسي لحماية مجموعات المصالحة التي رعتها في مناطق درعا. 

ــ تزامن التصعيد الميداني في إدلب مع تصريحات المسؤولين الروس بمسؤولية "التنظيمات الراديكالية" عن تفجير الدورية المشتركة، حيث حملت وزارة الدفاع الروسية "هيئة تحرير الشام" مسؤوليات خرق اتفاق موسكو. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال غير مرة وكررها بمناسبات مختلفة: "لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية على وجود الإرهابيين في إدلب"، وفق تعبيره، لافتا إلى أن "تحديد كيفية تحرير إدلب منهم مسؤولية العسكريين". 

ويعني التصعيد الإعلامي في تصريحات موسكو إخفاق "أنقرة وروسيا" في تحقيق تقدم إضافي في اتفاق موسكو، وهذا ما يفسر لجوء روسيا للتصعيد العنيف في إدلب، في محاولة لتأليب السكان المحليين على تركيا ووضعها في مأزق كونها أحد طرفي اتفاق موسكو.

جوهر الخلاف 

ما يلحظ الآن، أن البعد المباشر للتصعيد الروسي في منطقة خفض التصعيد بإدلب، جاء عقب تمسك تركيا ببنود مذكرتي التفاهم مع حكومة "الوفاق الوطني الليبية" المعترف بها دوليّا برئاسة فائز السراج، حول الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري. وما تلا ذلك من تقليص نفوذ الجنرال خليفة حفتر المدعوم من روسيا، كمحاولة للضغط على تركيا، كونها أحد طرفي اتفاق موسكو في هذه المنطقة، وجاء الضغط الروسي على شكل "ابتزاز"، ضد تركيا وكذلك ضد المجتمع الدولي، لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية في المنطقة. فأنقرة التي دعمت موقفها الرسمي بالتفاهمات مع حكومة السراج الشرعية، قابلتها موسكو بالضغط عليها في إدلب وسوريا بشكل عامّ، وذلك بالتصعيد العسكري غير المسبوق على إدلب، وكذلك منطقة درع الفرات تمهيدا لفرض الأمر الواقع أثناء اللقاء المرتقب بين المسؤولين في كل من موسكو وأنقرة.

خلاصة

يثير التصعيد الروسي الأخير تساؤلات مختلفة حول مستقبل إدلب، إذ تبذل أنقرة جهودا مضاعفة لاحتواء عمليات التصعيد العسكري وفقا لتفاهمات اتفاق "موسكو" الذي بموجبه تتحمل أنقرة مسؤولية ضبط الأمن في إدلب، وما تقدمه موسكو من ذرائع لعدوانها على المنطقة المحررة ليس سببا كافيا لإجراء عملية عسكرية واسعة النطاق، ستسفر عن تدفق ملايين اللاجئين ومقتل آلاف المدنيين، وتخريب البنية التحتية المدنية بحسب المسؤولين الأتراك، لذلك أعلنت رفضها شنّ روسيا حملة عسكرية واسعة على إدلب، مشددة على أن اتفاق "موسكو" مع روسيا لحماية المدنيين، كما أعلنت مرارا منعها قوات نظام الأسد من مهاجمة منطقة تضم نحو أربعة ملايين مدني؛ ما سيتسبّب في خلق أزمات كبرى لهم، كما أن تجنيب المنطقة أي حرب مهم جدا لتقديم الحل الإنساني والسياسي، بالإضافة إلى أن تداعياتها ستؤثر سلبا على روسيا في ظل الظروف الدولية المتوترة، وعلى قائمتها استنفار المجتمع الدولي لمواجهة جائحة كورونا.

مقالات ذات صلة

حملة أمنية واسعة في تركيا تستهدف المهاجرين غير النظاميين

روسيا تنشئ تسع نقاط مراقبة بمحافظتي درعا والقنيطرة

باحث بمعهد واشنطن يدعو "قسد" لمراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية

الخارجية الإيرانية: الزيارات إلى سوريا دليل على علاقاتنا الجيدة معها

روسيا تكشف عن أربع دول عربية عرضت استقبال اللجنة الدستورية بشأن سوريا

رأس النظام يلتقي وزير الدفاع الإيراني