Middle East Briefing – (ترجمة بلدي نيوز)
إنّ واشنطن وموسكو يتحرّكان بهدوءٍ في تنفيذ وجهات نظرهم "المشتركة" حول سوريا، وإن ألقينا بنظرةٍ على الاتصالات المتواصلة ما بين مبعوث الأمم المتحدة الخاص-ستيفان دي ميستورا ووزير الخارجية جون كيري من جهة، والمعارضة السورية وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى، نستطيع أخذ نظرة سريعة على محتويات هذا الحلّ "المشترك"، وبالتّالي نتمكن من القيام بقراءة نقديّةٍ لفُرَصِ في حلّ الأزمة السورية.
في تقرير مبعوث الأمم المتحدة لسورية في 27 نيسان، كان دي ميستورا قد وضع إطار برنامجه الحالي، حيث كانت العبارةُ الرئيسية في هذا الإطار هي "الحكم والانتقال السياسيّ"، في حين أن المشاكل الرئيسية التي تواجه "الحكم والانتقال السياسيّ" الآن، معروفةٌ لدى الجميع: الأسد يريد البقاء مستحوذاً على السلطة، "مافيته" الخاصّة من أصحاب الأعمال والتي نمت وترعرعت بسلطته السياسية، لا تريد له أن يترك السلطة، كما أن إيران والتي لا تثق بأيّ بديل مستقبليّ، ولا تريد منه أن يترك السلطة، حزب الله الذي يعتبر وجود الأسد بوليصة تأمين لمستقبله الخاص، لا يريده أن يقوم بالتخلّي عن السلطة.
وعلى الجانب الآخر، فإن أولئك الذين ينظرون إلى الآثار المترتّبة على بقاء الأسد في السلطة يدركون أن مثل هذا الاقتراح يمنع أيّ حل معقول، في الواقع، فإنه من الصعب تخيّل سوريّا مستقرّة في ظل حكم الرئيس الذي تسبب في قَتلِ ما يقرب من نصف مليون من شعبها.
وفيما يبدو الأسد للكثيرين عبارة عن شخصٍ واحد، يتساءلُ الكثيرون كيف لشخص واحد فقط أن يتمكن من منع حل هذه الأزمة، ويتسبب بكل تلك الأهوال التي شهدناها،
إنّ هيكل الحكومة في سوريا يعطي الرئيس دور "العقل المدبر" في كل ما يحدث، فهو مركز النظام العصبي لـ (شبكات الولاء والمحسوبيّة) في حين أن سلطته السياسية تحافظ على مكوّنات ذلك النظام معاً.
ومع ذلك، فإن الافتراض بأن الدولة تساوي الأسد، هو افتراض خاطئٌ كلّياً، ومثل أي بلد آخر، فإن الّدولة السّوريّة مكوّنةٌ من هيكل وظيفي بيروقراطي، أو موظفين مدنيين، وقيادة سياسية، لذلك، فإن أولئك الذين يتحدّثون عن الأسد بوصفه تجسيداً للدولة السورية بصورة عامة، مخطئون تماماً.
بيدَ أنّ مسألة ما إذا كان يمكن للدولة البقاء على قيد الحياة، في ظلّ قيادة مختلفة كما في حالة سوريا، هو تساؤلٌ شرعيّ، إذ أنّ القيادة السياسية، في هذه الحالة، هي مكون أساسي واحد من وظائف الدولة، وعلاوة على ذلك، فإن الأسدين، الأب والابن، قاما ببناء الدولة العميقة في سوريا على صورتهم، إذ أنّ قيادة قوات الأمن في سوريا ليست أكثر من ميليشيا تقوم بخدمة فئة سياسية معينة وليس أمة.
وهذا ما يفسر الالتباس والخلط الشائع جداً في الوقت الحاضر، ما بين الدولة ورئيس الجمهورية، لذلك فعندما يتحدث دي ميستورا عن "الحكومة والانتقال السياسيّ" فإن برنامجه يركّز بشكل طبيعي على حل مشكلة الأسد، والحلّ المطروح، وفقاً لـ"لتقريره" في نيسان الماضي، على النحو التالي: "إقامة حكم شامل ذو مصداقيّة، وغير طائفي، ووضع جدول زمني لعملية صياغة الدستور، بالإضافة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة". وقد استند هذا المقترح على صياغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ونلاحظ على الفور في هذه الصيغة، استبعاد مسألة مصير الأسد، فقد كانت هذه الطريقة الوحيدة للتوصل إلى قرار مجلس الأمن أو لتأطير مهمة مبعوث الأمم المتحدة، إن مفهوم إسناد الحل على كل من التوافق الدولي، إلى جانب التحول والتغير في ميزان القوى على الأرض في سوريا، كانت قد أعطت الغموض الخلّاق، الذي ترك مصير الأسد خارج أي جهد تأسيسي لفتح المحادثات.
لقد كان من الطبيعي بعد ذلك أن يصبح مصير الأسد تلك المنطقة التي يقوم فيها كل الأطراف بالدفع والسحب للتوصل إلى ما يتناسب مع مصالحهم، إن السبب الحقيقي في ترك هذه المنطقة، دون أن يَتقرَّر شأنها، يعود في الواقع للدور الروسي بِشقيهِ العسكري والدبلوماسي، فمنذ بيان جنيف لعام 2012، كانت التغيرات في صياغة الخطط المطروحة من قبل مجموعة دعم سوريا أو أي بيانات أخرى، تختلف بطريقة تعكس الدور الروسيّ المتزايد، واستمرار الخلافات حول مصير الأسد.
الآن وبعد أن مَكَّنَ الكرملين الأسد من استعادة بعض الزّخم على أرض الواقع، وبعد تراجع الولايات المتحدة المستمر بسبب عقيدة أوباما بـ"عدم فعل أي شيء"، نكتشف الآن أن معالم مصير الأسد قد تركت مفتوحة في الفضاء الغامض.
هذا وانتهى البيت الأبيض ووزارة الخارجية من مراجعة مسودّة مقترح الدستور السوري الجديد، في حين اكتشفنا من الرسائل المرسلة من قبل دي ميستورا ومن قبل الولايات المتحدة لقوات المعارضة وداعميها الإقليميين، أن الجهود الدبلوماسية تتجه نحو حل سطحي لـ"عُقدَةِ الأسد".
ووفقاً لتقرير دي ميستورا ، وجدنا أنّه اعتباراً من نهاية نيسان الماضي، فإن المبعوث الخاص كان قد حدّد وبشكل دقيق الاختلافات في المواقف ما بين الأسد ومعارضيه في ما يتعلق بالحكومة الانتقالية، حيث جاء في الملخّص: "إن الجولة الحالية من المحادثات أكّدت وجود اختلافات جوهريّة، ما بين الطرفين المتفاوضين، حول رؤيتهم للمرحلة الانتقالية، وكذلك في تأويل القرار 2254 (2015)". إذ يُعتَقَدُ بأنّ الاختلافات ما بين 2254 وبيان جنيف، تنبع من التدخل العسكري الروسي وجهود موسكو في خلق ديناميكية مختلفة على الأرض في سوريا.
ولا عجب أن هنالك اختلافات في الرؤى، ليس فقط بشأن كيفية تشكيل الحكومة الانتقالية، ولكن أيضاً حول مجالها الخاص في السلطة، فالمنطقة الغامضة حول دور الأسد مازالت موجودة ، والاختلافات تزداد بسبب هذا الغموض ، حيث أن الصّيغة الحالية والمروج لها من قبل دي ميستورا، تُعطي الحكومة الانتقالية دور حكومة وحدة وطنية، حيثُ تُحافظ على الأسد في قمة هرم السلطة لفترة محدودة من الزمن، وكذلك تسمح له بممارسة نشاطه السياسي في سوريا، في ظلّ حصانة قانونية وسياسية، لسنوات قادمة.
إن الاختلاف ما بين حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة الانتقالية، لا تكمن في الأسماء فقط، بل هو في كيفيّة تَشَكُّلِ كل منهما، وكيفية عملها، فبالنسبة للأسد حكومة الوحدة الوطنية، تتمّ من خلال إضافة بعض الشخصيات المعارضة لأعضاء حكومته، فيما تأخذ المعارضة مصطلح الحكومة الانتقالية بمعناها الحرفي: إذ أنّها الحكومة المسؤولة عن بناء نظام سياسي آخر، مختلف جذريّاً عن دولة الأسد البوليسية.
وبالنّسبة للمعارضة فإنّ الفترة الانتقالية هي جسرٌ ما بين نظامين مختلفين، أما بالنسبة للأسد فهي ليست سوى تغيير شكليّ ومحدود على السطح السياسي للنظام القديم نفسه، وبينما تهدف المعارضة إلى تفكيك مافيا الأسد داخل وخارج الدولة، يهدف النظام إلى الحفاظ على هذه المافيا، آمِلاً أن "يهضم" المعارضة، ضِمن إمبراطورتيه المالية والسياسية.
ومن ناحية أخرى، فإن حقيقة أنّ الأسد سيبقى ناشطاً سياسياً، ستسمح له وبكل تأكيد في الحفاظ على وضعه كـ "عراب المافيا" في أوساط أتباعه، والذين سيبقون حينها في كل مكان ضمن جهاز الدولة وحولها.
دعونا نتغاضى عن كل ما قاله الرئيس أوباما مراراً وتكراراً عن الأسد، وبأن عليه أن يتنحّى، ففي النهاية، هو الرئيس أوباما، ونحن نعلم بأن جعبته مملوءة بعباراتٍ "حازمة للغاية"! والتي ستستمر إلى الأبد، ولكن الديناميكيّة كلّها تتجه إلى استنتاج مرعب:
سيبقى الأسد، لكنه لن يبقى، سيتمّ حلّ عقدته، في حين سيتمّ الحفاظ عليها، الفترة الانتقالية ليست بانتقالية سوى بالاسم، النخبة السياسية نفسها ستختفي، لكنها ستبقى في السلطة، تُقدَّمُ كل هذه الأحاجي كحل للأزمة السورية، كما لو كانت في الواقع ليست بأزمة.
إن لم يفهم أحد معنى هذا السّحر في مهارة هذا الحل الغامض، يجب عليه أن يبحث عن إجابات من السيد دي ميستورا، فإن هذه "السّلطة" هي جوهر اقتراحه، وهذه هي الطريقة التي يتمّ فيها حالياً حلُّ عقدة الأسد، وذلك في غرف مغلقة وعلى بعد آلاف الأميال من مخيمات اللاجئين والمدن المنكوبة والمقصوفة.
إن الأزمة السورية هي أزمة حقيقية، تستدعي حلول حقيقية، في حين أن الحفاظ على الهيكل المسيطر نفسه، والمسؤول عن هذه المأساة، والقيام بزخرفة هيكل الحكم نفسه بإضافة بعض "المعارضة" إليه، ليس حلاً أبداً.
إن إعطاء أي سلطة كانت للأسد، ليس بحلٍّ مُطلقاً، لأن الحكومة الانتقالية، تقوم بالانتقال ما بين شيئين مختلفين كلّياً، إنّها حكومة وحدة وطنية، ولكن بالمعنى الحقيقي للمصطلح.
إن نظام وحكومة الأسد ليسا بتعبير عن أي وحدة وطنية حقيقية، وإلّا.. لما كُنا شهدنا كلّ هذه الدّماء والآلام، في حين أنّ القيام بعمليّة "تجميل" لهذا النظام، من خلال إضافة بعض عناصر المعارضة إلى سطحه، لن يُغَيِّرَ مُطلقاً من جوهره، فذلك ليس ذلك بحَلِّ على الإطلاق، إنّه استنساخ لنفس الظروف التي أنتجت هذه الأزمة.
هل من الممكن التصوّرُ أنّه وبعد كل تلك الأعوام وكل هذه الدماء البريئة المهدورة، أن تقوم الحكومة الانتقالية بتشكيل جسرٍ على شكل حرف U، يقوم بنقل الأسد عائداً إلى الأسد؟
أيّاً كان ما سيحدث، فإن قتال المعارضة سيستمرّ، وذلك حتّى يَلقَى عصابةُ القَتَلَةِ المجرمونَ في مافيا الأسد، بِدءاً من "العَرّاب" قِصاصَهُم العادل.
لا ينبغي السّماحُ لمُجرمي الحرب بأن يحكموا بواسطة الإرهاب والبطش بضحاياهم، لقد استيقظ الضحايا الآن وليس هنالك من أحد يستطيعُ إِجبارهم على الخضوعِ مرّةً أخرى،
لن يكن بمقدور دي ميستورا ولا حتى السيد أوباما، إجبار الشعب السوري على ما يتم إعداده في الغرف المغلقة.
لقد تخلى السوريين عن كل شيءٍ ليكونوا أحراراً، وسيستمرون في سعيهم لنيلِ حريتهم، لذلك، فإن أولئك الذين يترنمون الآنَ بأنّ عُقدة الأسد قد تمّ حَلُّها، يُغَنُّون بعيداً، في حُجرةِ الصَّدى، ولأنفُسِهم فقط.... لأن الشعبَ السوريَّ لديه نشيدٌ مُختلف... هو نشيد الحرية من نظام الأسد بأكمله.