بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
عادةً ما تستخدم تركيا ورقة "اللاجئين السوريين" للضغط على الدول اﻷوربية، إﻻ أنّ الواقع الميداني، فوق المسرح العسكري السوري، وفرض توازنات جديدة، وخارطة، تفوق فيها النظام على معارضيه، أيقظت اﻷوربيين، الذين تحسسوا رأسهم.
وخرجت خمس دولٍ أوروبية عن صمتها، أمس الجمعة، وطالبت النظام بالوقف الفوري لاعتداءاته على منطقة إدلب شمال غربي سوريا.
أتى ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده مندوبي بلجيكا وفرنسا وبولندا وإستونيا وألمانيا في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
لماذا اﻵن؟
ويبدو أنّ حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها إدلب وريفها، وعموم المحرر في الشمال السوري، وعجز تركيا عن إيقاف هجوم النظام وروسيا، دفع للخشية اﻷوربية أو من خلال تهديد تركي تحت الطاولة، من فتح "أنقرة" الحدود للهاربين من أجل البقاء على قيد الحياة، وهذا ما تشير إليه معظم التصريحات اﻷوربية الرسمية.
فقد قال مندوب إستونيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير سيفن جيرجنسن، إن دول الاتحاد الأوروبي تشعر بقلق بالغ إزاء التصعيد العسكري المستمر شمال غربي سوريا، الذي أدى إلى نزوح أكثر من 800 ألف شخص منذ الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وطالب السفراء الخمس للاتحاد الأوروبي النظام وداعميه بالكف عن هجومهم العسكري، ووقف حقيقي ودائم لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين.
ضعف تركي أم تحريك الراكد؟
وبدا واضحا بحسب محللين أن أنقرة، تمارس نوعا من الضغط على اﻷوربيين، الفترة الماضية، عبر التهديد بفتح أبواب حدودها مع جيرانها اﻷوربيين، وتركه مفتوحا أمام اللاجئين السوريين.
إﻻ أنّ التصعيد الروسي ونظام اﻷسد، هذه المرة دفع بالدول اﻷوربية للتحرك، على عكس السنوات الفائتة، بعد اﻹحساس الجازم بأنّ المشكلة اقتربت أكثر من حدود بلادهم، وﻻ يمكن بالتالي؛ منع اﻷتراك من تسهيل خروج اللاجئين.
واستشعار اﻷوربيين أن تركيا بحاجة لغطاء قانوني، وعسكري، لضبط إيقاع وجودها العسكري، في الشمال السوري المحرر، وتبريره.
وﻻ يبدو أن اﻷتراك في موقف ضعف بالنسبة لملف اللاجئين، على عكس السنوات السابقة، بل سيكون جادا في حال استمر النظام والروس بقتل المدنيين.
والراجح أن تركيا تحرك الراكد الأوروبي، لتشكيل تحالف جديد معهم، وفق شروطها، تستطيع فيه مواجهة الروس واﻹيرانيين.
وبرزت التهديدت التركية من خلال بعض التقارير الصحفية، التي تصدرت لها "تركيا برس"، والتي حذرت بالقول؛ "ﻻ تزال أوروبا غير مدركة وغير مبالية بتدفق جديد لنحو 3 ملايين لاجئ في طريقه حاليا من سوريا. لا ينبغي للاتحاد الأوروبي الذي أخفق حتى الآن في الوفاء بوعوده لتركيا فيما يتعلق باللاجئين، الاعتماد على تركيا هذه المرة.
ويشار إلى أنّ تركيا تستضيف وحدها أكثر من 4 ملايين لاجئ من سوريا.
أوروبا مدركة للخطر
عمليا أوربا من خلال تلك التصريحات تدرك أن تركيا لم تعد وجهة لموجة جديدة من الهجرة. إذ لا يمكن منطقيا استيعاب 7 ملايين لاجئ في تركيا.
ومن الطبيعي أيضا أنّ قدرة اليونان ودول أوروبا الشرقية الأخرى ضعيفة لمنع موجة الهجرة الجديدة إليها. وغالبا ما سيتجه الفارون إلى دولٍ أوروبية أكثر غنى "أوروبا الغربية"، وسيعني ذلك حسب محللين أن تكون الفرصة مواتية لـ 4 ملايين لاجئ في تركيا لمحاولة عدم تفويت فرصة الانطلاق، إذا أتيحت.
كما تدرك الدول اﻷوربية أنّ أنقرة لن تكون قادرة على استخدام العنف ضد هؤلاء المهاجرين.
والراجح أنّ أنقرة تحاول إخراج اﻷوربيين عن صمتهم وتصريحاتهم الكلامية إلى فعل حقيقي، من خلال إقناعهم بأنّ الوضع في إدلب خطير للغاية، وسبق أنْ أعلنت أنقرة بأنه؛ "لا يمكن لأحد استيعاب ملايين اللاجئين إذا سقطت إدلب... ليس تهديدا بل حقيقة".
البُعد الأخطر
ومن جهةٍ أخرى، تخشى الدول الأوروبية، الكبرى، من موجة نزوح، إلى أنقرة، من جانب "الراديكاليين/ الجهاديين"، واتخاذ تركيا منطلق ﻷعمال جديدة مستقبلية.
ما سيعني أنّ "محاربة هؤلاء" لن تكون بهذه السهولة، بعد تسللهم وانتشارهم، ومن ثم إعادة تجمعهم، لتوجيه ضربات انتقامية، وزعزعة اﻻستقرار الدولي.
أرقام رسمية:
وأعلنت الأمم المتحدة، أمس الجمعة، أن أكثر من 143 ألفا من المدنيين اضطروا للنزوح من إدلب شمال غربي سوريا في الأيام الثلاثة الأخيرة فقط بسبب مواصلة النظام وداعميه اعتداءاتهم على المنطقة.
وقال للمتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغريك بمؤتمر صحفي في نيويورك " إن العمليات العدائية الليلة الماضية استمرت على معظم أرجاء إدلب وحلب، وخاصة في مدن إدلب وسرمين والأتارب".
وأضاف أن عدد النازحين حتى الآن بلغ أكثر من 830 ألف شخص منذ بداية كانون الأول، ويشمل ذلك 143 نازح خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.
بدورها قالت منظمة أطباء بلا حدود، إن قوات النظام وحلفاؤها تستمر في عمليتها العسكرية جنوب إدلب، ما يزيد من تفاقم الوضع المتأزّم بالأساس الذي يعاني منه السكان في شمال غرب سوريا.
وأكدت أنه خلال شهرين (ديسمبر/كانون الأوّل 2019 ويناير/كانون الثاني 2020) ، فرّار حوالي 390,000 شخص من القذائف والقصف الجوي والعمليات البرية، تاركين منازلهم أو المخيّمات التي نزحوا إليها في مرحلة سابقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ 150,000 من هؤلاء الأشخاص نزحوا فقط في ظرف الأسبوعين الأخيرين من شهر كانون الثاني.
كما أشارت إلى أن النازحين يجدون أنفسهم محصورين بين الحدود التركية المغلقة وبين خط المواجهة الذي لا يكف عن التقدّم، يعيش معظم سكان شمال غرب سوريا البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين شخص في ظروف هشة تزداد سوءا في خضم القتال الحاصل وتعرّض حياتهم للخطر.
الجدير بالذكر أنه رغم تفاهمات لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب بين روسيا وتركيا، وآخرها في 12 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة؛ ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، كما بلغ عدد النازحين بالقرب من الحدود السورية التركية مليون و677 ألف نازح.
وفي حال شكّلت أنقرة واﻷوروبيين لوبي جديد، فمن المتوقع الوتوصل إلى "اتفاق جديد" لتمرير عملية انتقال سياسي، تكون فيه "انقرة" ضامنا لعدم تحرك اللاجئين، واستيعاب رافضي حكم اﻷسد في رقعة قريبة من حدودها، إضافةً لقيامها في المرحلة المقبلة بحسم ملف "تحرير الشام" والتيارات الراديكالية، وبالطبع ملف "المهاجرين اﻷجانب" من المقاتلين وأسرهم.