الهدنة المخادعة في إدلب والهدف حلب - It's Over 9000!

الهدنة المخادعة في إدلب والهدف حلب

بلدي نيوز – (تركي مصطفى) 

لم يعد بمقدور الروس إخفاء نواياهم تجاه منطقة خفض التصعيد الرابعة في سوريا، فقد كشف عدوان كانون الأول/ ديسمبر2019م، المتواصل، الذي سيطرت من خلاله القوات الخاصة الروسية ومعها ميليشيات الأسد وإيران، المدعوم بغطاء جوي روسي، على أجزاء واسعة من ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وفشلت فصائل المعارضة رغم محاولاتها المتكررة لاستعادة هذه المناطق. مع أن هذا العدوان يعتبر أحد إفرازات أحداث السنوات التي أعقبت التدخل الروسي العسكري في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015م، والاتفاقات التي أبرمتها مع الجانب التركي، والتي تهدف روسيا من خلالها السيطرة على كل المناطق الخارجة عن نفوذ نظام الأسد.

مقدمة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس الخميس عن هدنة في ادلب بعد دعوة الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان إلى هدنة فيها، غير أن الثقة باتت مفقودةً تماماً بين جميع أطراف الصراع، وليس من سببٍ رئيس سوى أن روسيا وتركيا لا تقفان على أرضيةٍ مشتركة، تقرّبهما من الحل؛ ذلك أن غاية روسيا السيطرة الكاملة على منطقة خفض التصعيد وهي المنطقة الخارجة عن نفوذ نظام الأسد، فيما غاية تركيا تحقيق الاستئثار بالشمال السوري. وفي هذا الصدد، قالت مصادر دبلوماسية لـ"بلدي نيوز"، إن هناك تباينات في الموقفين التركي والروسي لا تزال قائمة بالنسبة للوضع في إدلب، وإن موسكو ترى أن تركيا لم تقم بما يتعين عليها القيام به لإخراج المجموعات الراديكالية من المنطقة العازلة بموجب اتفاق التفاهم في سوتشي والموقع في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، الخاص بإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح للفصل بين قوات نظام الأسد وفصائل المعارضة؛ دون تحديد المنطقة العازلة، ولذلك فإنها تدعم نظام الأسد في عدوانه المتواصل رغم إعلان الهدنة أمس الخميس. وهو ما سيزيد من عمق الفجوة بين روسيا وتركيا إثر انكشاف حجم الدعم العسكري الروسي للميليشيات المتعددة الجنسيات على الرغم من التوقيع على اتفاق الهدنة، لتسوية الخلاف الناشب حول تطبيق بنود سوتشي، والمضي في تنفيذ ما اتُفق عليه خلال فترة معينة.

بعد مرور ما يقارب السنتين على الاتفاق، ليس ثمّة ما يستدعي التفاؤل بالتوصل إلى نتائج ملموسة، فما تفعله روسيا يصب في اتجاهاتٍ نقيضةٍ لمضمونه، ومثال ذلك العدوان المتواصل على ريف حماة الشمالي والغربي في صيف العام الماضي، إذ اتبّعت سياسة الأرض المحروقة باستهدافها المدن والبلدات والقرى بقصد إخلائها، حيث باشر منذ شهرين بقصف المنطقة من حرش عابدين باتجاه الشمال إلى سجنة وحيش ومعرتحرمة وكفر نبل وصولاً إلى كفرومة. وما تلا ذلك من المعارك، واستمرار ذات العدوان لقضم مناطق جديدة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، ومحاولة تحقيق موطئ قدم للسيطرة الروسية المنفردة على كامل الطريق الدولي m5""، تمهيدا لوضع أجندتها على كافة المنطقة المحررة، ولوضع مشهد الأحداث على عتبةٍ أخرى، وواقع جديد، له ما بعده، وذلك ما تواجهه، بشدة، فصائل المعارضة، على الرغم من تباينها، ومن خذلان حليفها التركي، وتلكؤه في توضيح المطامع الروسية من خلال اتفاق سوتشي، رغم تجاوز الروس لنقطتي أنقرة في كل من مورك بريف حماة الشمالي والصرمان بريف إدلب الشرقي.

الهدنة المخادعة

مع إعلان موسكو عن "هدنة" لوقف إطلاق النار، فإن طائرات نظام الأسد الحربية من نوع "لام 39" قصفت بصواريخ فراغية بلدة معرشورين شرق معرة النعمان جنوبي إدلب، ما أسفر عن أضرار مادية في الممتلكات دون وقوع إصابات في صفوف المدنيين؛ في خرق واضح وصريح لوقف إطلاق النار الذي أعلنته روسيا في إدلب. وأكد "معاذ العباس" مراسل بلدي نيوز بريف إدلب؛ "أن القصف المدفعي والصاروخي لم يتوقف على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، منذ إعلان التهدئة، بالتزامن مع اشتباكات تدور على محاور ريف إدلب الجنوبي الشرقي بين النظام وفصائل المعارضة".

يذكر أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت عن وقف إطلاق نار مشابه نهاية العام الفائت 31 كانون الأول 2019، لتعود بعد أيام إلى خرقه ومتابعة عملياتها العسكرية واتباع سياسة الأرض المحروقة وسيطرت على مدينة خان شيخون. من هنا فقد اعتاد الروسي التلاعب بالألفاظ مرة أخرى، فالهدنة التي أعلنتها موسكو، ذكرت أن المنطقة المشمولة بالاتفاق "مقاطعة إدلب"، مما يعني أن المناطق الواقعة خارج "المقاطعة" وتشمل ما تبقى من أرياف حماة وحلب واللاذقية لا تسري عليها شروط " الهدنة"، وذلك  تمهيداً لإسقاط المناطق بشكل متتال؛ إذ ليس بعد إعادة تجميع قوات الفرقة الرابعة وانتشارها في ريفي حلب الجنوبي والغربي، سوى التمدّد وإسقاط كامل ريف حلب الجنوبي، ومراكز البلدات في ريف حلب الغربي، وقطع الاتصال الجغرافي مع مختلف الفصائل في المناطق المحررة؛ لعزل إدلب، وهي المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، سيطرة شبه كاملة.

ومما يؤكد هذا المذهب أن نظام الأسد بعدما حقق اختراقا على محور" عجاز – أم الخلاخيل" بعمق 20-25 كيلو مترا, عاد لتجميع ميليشياته لفتح محور هجومي آخر انطلاقاً من ريف حلب الجنوبي باتجاه أوتوستراد حلب- دمشق الدولي، فيما توقف هجومه البري باتجاه معرة النعمان و سراقب كي يتجنب الدخول بمعارك المدن الكبيرة، ليلجأ إلى تطويق هذه المدن وتقطيع الأوصال بينها، بهدف السيطرة على أكبر مسافة من الطريق الدولي بأقل كلفة من الخسائر.

الهدف الروسي

يثير التصعيد الخطير في ريفي حلب الجنوبي والغربي توجّساتٍ عسكرية شديدة، وإذا ما صدقت، فإن أقوى وآخر معاقل المعارضة، في هذه المناطق، قد تعزل فجأة، بمجرد السيطرة على الزربة، أو أي بلدة كبيرة من ريف حلب الغربي، وتوقف الفصائل عند الحدود الشطرية، لمحافظة إدلب. ومثل ذلك في أقصى بلدات ريف الجنوبي "جزرايا وزمار" التي سيكون موقف الفصائل فيها صعباً للغاية في حال عدم تدارك وسائل الدفاع والهجوم.

إذ أن ملامح التهديد الذي يواجهه ريفا حلب الجنوبي والغربي، يكمن في توجس الطرف الروسي مع إقرار الإدارة الأميركية "قانون سيزر" الذي يقضي بفرض عقوبات كبيرة على نظام الأسد وداعميه، وتفاقم الأمر إثر مقتل قاسم سليماني، مما يعني عودة أمريكا لتولِّي ملفّ الشرق الأوسط وعدم إعطاء الدور أو الساحة لروسيا. ما شكّل تهديدا مباشرا لروسيا، لذلك استعجلت العدوان، كي تتمكن من السيطرة على أكبر مساحة من منطقة خفض التصعيد الرابعة، متجاوزة كل المواقف الدولية المنددة بالعدوان. 

والأكثر من ذلك أن الروس يرون في علاقتهم المستجدة مع تركيا بأنها شريك لا يمكن الوثوق به، وأن العلاقات السائدة حاليا هي عبارة عن مصالح ظرفية لا أكثر. فيما التحالف بين أنقرة وواشنطن تحالف استراتيجي، وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس الأمريكي، في تغريدة له على تويتر، الخميس الماضي، أن تركيا تعمل جاهدة على وقف "المذبحة" في إدلب. وذكر حرفياً: "روسيا وسوريا وإيران تقتل، أو في طريقها إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء في محافظة إدلب. لا تفعلوا ذلك! تركيا تعمل جاهدة لوقف هذه المذبحة". 

خلاصة

إذا ما سارت الأحداث باتجاه التوتر المتعاظم في منطقة خفض التصعيد الرابعة، في إطار توسيع روسيا لرقعة الحرب في سوريا على النحو الراهن، واستمر الحلف الروسي الإيراني في انتهاج سياسة "القضم" التدريجي للمناطق المحررة؛ فإن صورة سوريا خلال عام 2020 ستكون مختلفة تماماً، فهي بكلّ تأكيد لن تحقق استقرارا لروسيا، أو استتباب الأمر لنظام الأسد ولا توقف الحرب؛ رغم محاولة بوتين إسقاط التجربة الشيشانية على الوضع السوري، كلّا، بل إن دوامةً الحرب ستتسع بؤرها، وتتعاظم، على شاكلة ما جرى في الحرب الأفغانية - السوفييتية، في ثمانينيات القرن الماضي، مع عودة وشيكة لنشاط التنظيمات الراديكالية إلى عموم الساحة السورية؛ وعندئذ لن يكون لروسيا وحليفتها إيران المفجوعة بجنرالها، من قبول على الأرض؛ لأنها عصابات بثوب دول، ولأنها تجسد "الإرهاب" بمختلف أشكاله.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

//