بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
مقدمة:
حملت الوقائع الميدانية والتصعيد الأخير على إدلب، من طرف النظام وروسيا، بعدا اقتصاديا واضحا؛ ولدى جميع الأطراف، بما فيهم الروس واﻷتراك، وجعل من ورقة الشمال السوري، أداة تفاوضٍ عابر للقارات؛ بدليل الحديث عن المقايضة بين الجانبين على ملف غاز طرابلس الليبيبة!
ويتضح أنّ الجميع لديهم رغبة في الحسم، يسبقها، تحقيق مكاسب كبيرة، كأولوية، أجبرت محللين على القول؛ بضبابية الحل، مع بروز ملفات "سياسية أو اقتصادية" مستعصية أو مرحلة من فترة سابقة، والعمل على حلحلتها، ومعها تحولت "إدلب، وعموم الثورة السورية إلى ورقة مساومة"، ولم ينجُ "اﻷسد" من أن يحشر نفسه في تلك الزاوية، بعد أن بات "عنقه" في كف حلفائه.
ويبدو أنّ متوالية هندسيةً من الانتكاسات عكست اتجاهها السلبي على حياة "الناس" على الضفتين "الموالية والمعارضة" لنظام اﻷسد.
ورغم عدم التسليم بنظرية "المؤامرة" بالمطلق؛ إﻻ أنّ هناك ضغوطات كبيرة من اللاعبين الكبار، والمستهدف عمليا، الوصول إلى نقطة "التسليم المستقبلي" بأي تسوية قادمة، أيا كان شكلها.
السياسة والليرة
والمتابع عن كثب يجد تحولا في الصراع غطى برمته الناحية اﻻقتصادية التي ارتفعت على صوت "الرصاص" على غير المتوقع، نظرا لكونها تمس "لقمة العيش".
بل يمكن التأكيد أنّ العام الجاري 2019 اقتصادي بامتياز، أجبرت فيه الليرة المنهارة إلى تشاركية مع "الرصاص" لفرض حلول جذرية، ويبدو أنها قادمة في الطريق، مع غياب آليات الإنتاج والماكينة الاقتصادية لدى النظام، ومعارضيه.
ومع نشوء كيانات سياسية في البلاد "نظام اﻷسد والمعارضة السورية" بغض النظر عن تسمية وتوجه اﻷخيرة، شكلت المأساة اﻹنسانية حالةً أكثر ظهورا على العلن، فيما تشير بعض التحليلات أنّ الهدف اﻷساس الضغط على الشارع؛ لبلوغ مرحلة القبول بأي خريطة طريق مستقبلية، سيطرحها "الكبار".
ومع اقتراب نهاية العام الجاري 2019، ازداد الوضع تدهورا، أمام محاوﻻتٍ فاشلة للخروج من عنق "الزجاجة" ﻻ سيما في مناطق سيطرة اﻷسد.
وبالمجمل؛ شهدت مناطق المعارضة أول دخولٍ للأزمة بشكلٍ كبير منذ بدء عملية "نبع السلام" التي أطلقتها أنقرة ضد وحدات الحماية الكردية، ومن ثم تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدوﻻر واقترابها من عتبة الـ1000 ل.س للدوﻻر اﻷمريكي الواحد، منذ تشرين الثاني /نوفمبر من العام نفسه.
وتشهد أيضا مناطق المعارضة موجة اضطراب غير مسبوقة، واستياء شعبي ﻻسيما من "حكومة اﻹنقاذ" الجناح المدني لـ"هيئة تحرير الشام"، بعد أن بلغت اﻷمور ذروتها من ارتفاع سعر "اﻷمبيرات، اﻹنترنت، الخبز، مياه الشرب".
عبث متعمد
في حين يصف اﻷستاذ الصحفي السوري المعارض، الأستاذ "سعد فنصة" على صفحته "فيس بوك" في قراءة تفصيلية للمشهد السوري بأنّ؛ "كل ما يحصل متعمد.. كل هذا الجنون العبثي لم يكن يوما بريئا.. بقاء حكم الجواسيس لنصف قرن، 2020/1970 من فساد القضاء والتعليم، ونهب الآثار والثروات الباطنية، وتخريب الاقتصاد، ومفاصل الحياة التي تمس عمق حياة الانسان العامل في سورية، وفوق كل ذلك حكم مخابراتي من خارج العصر، يعد أنفاس الناس إذا عبر أحدكم عن رأي مغاير، في أشكال صارخة للرعب عند حال بائس للحريات وكرامة الإنسان، وترسيخ الطائفية، وإشاعة التهريج، وتعميم الجهل وتهجير الناس والعبث بالديموغرافيا، ونشر سلوك التوحش.. والجريمة بأشكالها الاجتماعية والسياسية والدينية... المغرقة في الظلامية.. وغيره وخلافه وشبيهه، من حياتكم المريرة المسروقة وراء حبة دواء أو رغيف خبز، أو مقعد في مواصلات آمنة".
وﻻ تختلف آراء السوريين في أنّ "سقوط اﻷسد" وشيك، والمطالع لكتاباتهم خلال العام 2019 وما سبقه يلمح تلك الحالة التي يصفها اﻷستاذ، غياث كنعان، الصحفي المعارض، بأنها "أحلام تتوافق مع الفطرة، ينقصها اﻻنتقال من اﻷفكار إلى المرحلة العملية في إسقاط النظام، وليس مجرد الكتابات".
وأضاف؛ "المشهد العبثي الذي أمامنا، مقدمة لزوال فصائل المعارضة، وبروز ميليشيا اﻷسد التي ستتناحر على التركة، إﻻ أنها ستكون بوابة العمل الثوري، كما هو الحاصل في درعا اﻵن، وبعض مناطق ريف دمشق".
ويشير كنعان إلى عمليات اﻻغتيال لعناصر المصالحات ورؤوسها، في تلك المناطق، إضافةً ﻻستهداف حواجز انظام المخابراتية، وعودة الكتابات المناهضة للأسد، على الجدران، في الكثير من المدن والبلدات التي استعادها اﻷسد.وفي هذا السياق؛ كتب اﻷستاذ "سعد فنصة" على صفحته الرسمية، فيسبوك يقول؛ "النظام ساقط منذ زمن بعيد.. ومنهار.. أخلاقيا.. ولم يعد ينقذه التصفيق والهرج ولا حلقات الدبكة.. وكل المنظومة الراعية أفلست قبله.. كما لن ينقذه أحد.. المؤسف أن لا أحدا سينقذكم.. بعد الانهيار الشامل لاقتصاد لصوصية السرقة والنهب".
وختم بالقول؛ "ومن كان منكم لا يستشرف القادم.. فليمزق شهادته الابتدائية ويشتري شهادة في طب العيون ويُنصب نفسه رئيسا".
والملاحظ أنّ تلك الفرضيات التي تؤكد سقوط وانهيار نظام اﻷسد، ﻻ تعتمد بالمحصلة إﻻ على قراءات شخصية، ورغم أنها ممكنة وقريبة للواقع، إﻻ أنها تفتقر أيضا لشرح العوامل الدقيقة التي ستؤدي لسقوط النظام، وتعتمد لغة العاطفة.
دبيب النمل وحرب البرغوث
والراجح وفق مصادر عسكرية مقربة من طرفي التيار الراديكالي والوطني، أن تحالفات ستخرج للعلن مع الوقت، في حال غزت قوات النظام، المناطق المحررة.
ويعتقد مصدر خبير في سياسة التيار الجهادي، فضل عدم ذكر اسمه؛ أنّ استراتيجية تلك التيارات ﻻ تقوم على التمسك باﻷرض، وإنما إعادة التموضع واستنزاف العدو، ودفعه إلى التسليم، لكنها وحسب وصفه، تحتاج وقتا طويلا.
وأضاف؛ "أدبيات تلك الجماعات مبنية على فكرة "حرب البرغوث"، في حين ﻻ تملك القوى المحتلة إﻻ "حرب الجيوش النظامية"، واﻻعتماد الروسي في خطته العسكرية قامت على فكرة "دبيب النمل"، وقضم المناطق ببطء وتدرج، وهي وإن كانت أسرع من "البرغوث" إﻻ أنّ هذا اﻷخير يعتمد في تكتيكاته على النفس الطويل".
وتستند سياسات التيارات الجهادية العسكرية على معادلة "توازن الرعب"، ورغم اختلاف اﻹيديولوجيات بين التيار الوطني والجهادي إﻻ أنّ ثمة استقطاب بين الطرفين، في السر، وهو ما يبرر فتح ملف اﻷجانب في بدايات العام القادم 2020، على اعتبار أنهم يمثلون الركيزة والعمود الفقري بالمنظور الدولي في القتال.
وقال المصدر؛ "التجارب التاريخية أثبتت إمكانية عمل الطرفين "الوطني والراديكالي"، في لحظة الوقوف عند الحافة، وهي في ذات الوقت مشكلة مؤجلة ستبرز، إبان سقوط أو لنقل تحقيق الهدف من قيام التحالف".
ويعتمد كل من الطرفين الوطني والراديكالي الجهادي على تورط "الجيش الروسي" أكثر في اﻷرض، ويبدو حتى اللحظة أنّ الهدف المرحلي بعيد عن ذلك، على اﻷقل حتى تتم حماية اﻷسد، وإنعاش اقتصاده عبر فتح الطرقات الدولية، التي جرى اﻻتفاق عليها بين موسكو وأنقرة في سوتشي 2017، وبمباركة أوروبية دولية.
وبالمجمل؛ دخلت البلاد دوامة علنية تشبه الغرق السياسي واﻻقتصادي، وحتى اللحظة ﻻ يوجد ما يشير إلى مخرج أو حل يلوح في اﻷفق، وإنما انتصار وهمي أعلنه اﻷسد على معارضيه، وفوضى داخل البيت "المعارض".
بالمقابل؛ معظم اللاعبين الدوليين، مازالوا يحصدون المكاسب من نظام اﻷسد، الذي سهل لهم وأباح البلاد، من أجل البقاء.
ثنائية الفساد واﻻقتصاد:
وفي السياق؛ فإنّ ثمة معادلة ثنائية عاشتها البلاد في مناطق المعارضة والنظام، خلال هذا العام، عنوانها اﻷبرز، "الاقتصاد والفساد"، والغريب أنها ظهرت علنا في ثلاثية العواصم العربية "العرق، لبنان، سوريا"؛ وهي كما يصفها الصحفي والمحلل المعارض، يمان دابقي في منشورٍ على صفحته الشخصية، "ليست بحدث طارئ"، وأضاف؛ "الكيانات المتآكلة والمركبة على أساس طائفي كانت تستمد بقائها من قسمة الثروات واحتكارها وخلق توافقات مع الخارج منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن الجديد هو خروج الأمور نسبيًا عن السيطرة بسبب حدوث خلل في التوازنات الداخلية الحزبية والدينية، وهو ما أدى لانكشاف علني لصراع الأجنحة داخل السلطة، التي بدورها أفرزت ميولا لدى بعض التيارات تسعى حاليا لإعادة تدوير نفسها في قوالب جديدة وبوسائل ناعمة تتجلى من خلال ركوبها موجة الاحتجاجات الراهنة".
وما يهمنا في المسرح السوري، أنّ بروز تلك الثنائية على السطح، سيؤدي تدريجيا إلى انهيار اﻷطراف "المعارضة والموالية" وما لم تمسك قيادات ثورية زمام المبادرة مبكرا، فلا سبب يوحي بـ"التفاؤل" لمستقبل البلاد.