إدلب.. تفاعلات المعركة وخياراتها - It's Over 9000!

إدلب.. تفاعلات المعركة وخياراتها

بلدي نيوز- (تركي المصطفى)
احتلت غارات الطائرات الروسية التي تستهدف المدن والبلدات والقرى السورية في محافظة إدلب، مساحة كبيرة في خريطة الحرب التي تخوضها ميليشيات الأسد وتلك التابعة لإيران في محافظة إدلب، منذ بداية شهر كانون الأول الجاري، والتي احتلت بنتيجتها عشرات البلدات والقرى في ريف مدينة معرة النعمان الشرقي، وأثار هذا التقدم مخاوف السوريين في المناطق المحررة من أن تكون غصتهم المستقبلية، في حال استأثر الأسد بالسلطة وبسط سيطرته على ما تبقى من مناطق محررة بأي شكل من الأشكال.
مقدمة
مع اقتراب المعارك الدائرة في ريف معرة النعمان الشرقي من الطريق الدولي "m4 "، لا تزال الكثير من المدن والبلدات والقرى في تلك المنطقة بما فيها معرة النعمان، تحت تهديد الطيران الجوي الروسي، والتي سيطرت بنتيجتها الميليشيات التابعة للأسد على مساحة واسعة من المنطقة المحررة، في عملية تحول ملحوظة كمًّا ونوعاً وهدفًا، فحتى يوم 22 كانون الأول الجاري بلغ معدل الطلعات الجوية في اليوم الواحد 120طلعة، استهدفت المناطق المحررة بـ 400 غارة جوية، كان أبرزها السوخوي المتطور الذي استهدف بالصواريخ شديدة الانفجار بشكل عشوائي مدينة معرة النعمان، وأظهرت الصور القادمة من المدينة حجم الدمار الهائل الذي أحدثته الغارات الجوية في كل المناطق التي تقدمت إليها الميليشيات الروسية، وفي 20 كانون الأول، أطلقت البوارج البحرية الروسية الراسية في مياه البحر المتوسط قبالة مدينة طرطوس عدة صواريخ باليستية دفعة واحدة، طالت مدينة معرة النعمان والبلدات المجاورة لها، طال بعضها المنطقة الحدودية مع تركيا، أما آخر الاحصائيات حول إجمالي الطلعات الجوية التي استهدفت المناطق المحررة، فقد بلغ 1100طلعة جوية بين 1- 26 كانون الأول الجاري، ومع أن الهجوم العسكري هدأت وتيرته يوم 25 كانون الأول الجاري، فقد سرت شائعات بتوصل الطرفين التركي والروسي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن الشروط الروسية أقرب لذريعة استكمال هجومها وعدوانها ضد المنطقة المحررة.
تفاعلات المعركة
الملاحظ أنه عقب كل عملية قضم جديدة للمناطق المحررة، يجري اتهام فصائل المعارضة بوقوفها وراء تعطيل الاتفاقات الثنائية بين تركيا وروسيا، وهو ما يتفق مع توجهات الاستراتيجية الروسية التي لم تتغير باستهداف المناطق المأهولة بالسكان، تارة بالطائرات وأخرى بقذائف المدفعية، بهدف فتح الطرق الدولية وتسيير دوريات روسية تركية وحل "هيئة تحرير الشام" وبالتالي عودة سيطرة نظام الأسد على المناطق التي خسرها قبل سنوات، مما يشير إلى أن الاستراتيجيات المتضاربة بين تركيا ومن معها من قوى المعارضة السورية من جهة، وروسيا وأحلافها من جهة أخرى، سارت منذ التوافق الروسي التركي نحو تعقيد شديد، فيما يفترض حسب أهدافهما المعلنة في سوتشي دعم تطبيق هذا الاتفاق الذي يتغنى صانعوه بنجاة إدلب من مصير أخواتها غوطة دمشق والجنوب السوري وريف حمص الشمالي، لكن الاستراتيجية الروسية تركز على الجدول الزمني المرفق بالاتفاق المذكور الذي يقضي بإنهاء الوجود المسلح ليس لـ "هيئة تحرير الشام" فحسب، إنما للمعارضة المسلحة بكافة تياراتها هناك، وهذا ما يؤكده استمرار التصعيد العسكري الروسي الذي يشير إلى اتساع هوّة الخلافات بين أنقرة وموسكو حيال مجمل الأوضاع في شمال غربي سورية، وأن روسيا تسير وفق سياسة قضم المزيد من المناطق المحررة في عمق محافظة إدلب، وعلى الرغم من التحرك التركي لإيقاف الحملة العسكرية المسعورة، ارتكب الطيران الحربي الروسي وذاك التابع للنظام مجازر عديدة في مدينة معرة النعمان وجوباس وسراقب وتل مرديخ وتل منس، حصدت أرواح عشرات الأطفال ودفعت أغلب سكانها إلى النزوح في مؤشر واضح على نيّتها المضي في سياسة قضم المزيد من المناطق المحررة الخاضعة لمنطقة خفض التصعيد.
وكشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في بيان لها أول أمس الثلاثاء، عن نزوح أكثر من 60 ألف طفل من مناطق شمال غربي سوريا بسبب القصف العشوائي للطيران الروسي وذاك التابع للأسد خلال الأسبوعين الأخيرين.
وفي الوقت الذي طالب فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بوقف فوري للتصعيد العسكري شمال غربي سوريا، وأشار إلى أن العمليات الأخيرة أدت إلى مقتل عشرات المدنيين وتشريد نحو 80 ألف شخص، أمطر الروس مدينة معرة النعمان بوابل من الصواريخ الباليستية، ليبدو ذلك كرد عملي على استهتار الروس بالمنظمة الدولية وبالقرارات التي صدرت عنها بما يتعلق بالملف السوري خلال سني الثورة، إلا أنه مع زيارة وفد تركي إلى موسكو، وتباين الموقف بين روسيا وتركيا حول مصير محافظة إدلب، يستمر العدوان الروسي وتتسع معه أهدافه ليس على الطرق الدولية فحسب؛ بل وكامل المنطقة المحررة.
تصاعد العدوان الروسي والحرج التركي
إذا كان للروس من رسالة أخرى ترتبط بالملف السوري، فإنها ترمي إلى خلق قناعة لدى أطراف الصراع الدولي والإقليمي باعتماد الحل العسكري للقضية السورية، وأن الإصرار على هذا الخيار يعني أن على المنطقة المحررة انتظار المزيد من الغارات الجوية وذلك ما حدث بالفعل، فقد ارتفع عدد الطلعات الجوية خلال يوم 21 ديسمبر الجاري إلى 50 طلعة، استهدفت مدينة معرة النعمان وريفها الشرقي، قابلتها فصائل المعارضة المسلحة بهجمات عنيفة بالعربات المفخخة التي استهدفت الميليشيات الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد في بلدتي جرجناز وفروان ما أسفر عن مقتل العشرات من المرتزقة.
في السياق ذاته، لا يمكن تجاهل الدور التركي الذي يُعَدُّ أحد أبرز المتغيرات كضامن في منطقة خفض التصعيد الرابعة بعد أن حوصرت نقطة الصرمان شرقي معرة النعمان في سيناريو مشابه لحصار نقطة مورك، ويمكن تفسير التصعيد الروسي لخلق انطباع عن طول أمد تهديده لمنطقة خفض التصعيد وتوسعه في مختلف المدن والبلدات والقرى المحررة بصرف النظر عن موقف الضامن التركي وإظهار ضعف الجانب التركي وإحراجه محليا وإقليميا ودوليا، وتعزيز قناعة المواطن السوري بعدم مصداقية الضامن التركي، وعجزه أمام العدوان الروسي.
لقد دفعت هذه الهجمات أصداء الحرب إلى أعلى مستوياتها، وقد بدا ذلك واضحًا في رد فعل المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الذي قال: "نرى أن هناك تزايدا في الهجمات في إدلب، بعثنا رسالة حازمة في هذا الصدد إلى الجانب الروسي، لقد تم إبلاغ وفدنا خلال المحادثات في موسكو، بأنهم سيبذلون جهدهم لوقف هجمات نظام الأسد خلال 24 ساعة".
وأضاف: "هذا ما نعوّل على الجانب الروسي فيه، قضية إدلب ليست مسؤولية تركيا وحدها، بل يتحملها المجتمع الدولي بأسره، الجانب الروسي يتحمل مسؤولية أكبر".
ويرى مراقبون أن موسكو تحاول الضغط على تركيا للحصول على تنازلات حيث صرح أردوغان في وقت سابق من هذا الشهر، أن أنقرة مستعدة لإرسال جنود إلى ليبيا لدعم الحكومة المعترف بها دوليا التي تقاتل خليفة حفتر المدعوم من موسكو.
عوائق في طريق العدوان الروسي
يجري القتال في ريف معرة النعمان وفق خطط، يفرضها تدافع الأحداث السياسية والعسكرية، وتبدو على النمط التالي: تصعيد عسكري روسي لقضم مزيد من الأرض وفق استراتيجية عليا للحرب بوجه عام، ومَنْ رصد المواجهات الدائرة خلال عمرها الذي تجاوز أكثر من شهر، يعتمد الجانب الروسي استراتيجية إراقة الدم والإرهاق والاستنزاف، وهي استراتيجية معروفة في إدارة الحروب الدولية، وتعمل على تطبيقها في منطقة خفض التصعيد الرابعة، حيث تهدف إلى جرِّ فصائل المعارضة إلى مواجهات مفتوحة، تفضي إلى طرف منهك ومرهق ومستنزف؛ هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين المسائل التي ركز عليها الروس استماتتهم في إحكام القبضة على منطقة معرة النعمان، والسعي لإخضاعها كاملة بوصفها مركز ثقل جغرافي مثلما أنها مركز ثقل سكاني ومركزاً للحراك الثوري، ومصدراً للتحشيد الجماهيري الداعم للثورات المتواصلة على امتداد تاريخ سوريا السياسي الحديث والمعاصر، ولا أدلَّ على ذلك من الثورة على الفرنسيين عام 1921م، وما تلاها من أحداث ثمانينات القرن العشرين وثورة مارس/آذار 2011، ومع كل ذلك وضعت روسيا إمكانيات جوية كبيرة ودفعت بمرتزقتها إلى معركة غير متكافئة ضد فصائل عسكرية معارضة مشتتة، فضلا عن عامل الجغرافية الذي أعطاها ميزة إضافية مساعدة للتوغل في الريف الشرقي لمدينة معرة النعمان، فارتكبت طائراتها الجوية جرائم مروعة بحق المدنيين وتظل سيطرة المعارضة المسلحة على ما تبقى من ريف المعرة الشرقي والجنوبي، وعلى مناطق جبال الساحل السوري عوائق رئيسة أمام وقف إطلاق الطائرات المسيرة على القاعدة الروسية في حميميم، لاسيما في ظل إخفاق روسيا في السيطرة على تلال كبانة، لذلك قد يفسَّر تكثيف الروس عدوانهم بالطيران المتطور على المدن والقرى السورية، بأنه أمر بديهي تستدعيه ظروف الحرب لإعمال أية قوة ممكنة ومؤثرة في الخصم بأي شكل كان، ومن أي مصدر، علاوة على ما تمليه أجندة الروس السياسية ذلك أن الحرب امتداد للسياسة أو تواصل لها، ولكن الخصم هو الشعب الأعزل الذي لا يملك قوة ردع لعدوان الروس وميليشياتهم، ليمثل ذلك جريمة إضافية للروس في سجل جرائمهم ضد الشعب السوري.
خيارات المواجهة
يشترط الروس لإيقاف ضرب المدن والبلدات والقرى السورية في منطقة خفض التصعيد الرابعة بالصواريخ ووقف الغارات الجوية، شروطا تتضح فيها المغالاة، حيث تصر روسيا على دخول المؤسسات الخدمية لنظام الأسد إلى إدلب وسيطرة قوات الأسد على كامل منطقة سهل الغاب، وكامل الطريق الواصل بين جسر الشغور وأريحا بما في ذلك السفح الغربي لجبل الزاوية المطل على سهل الغاب، مع سحب المعارضة لسلاحها من مدينة أريحا واقتصار وجودها على النشاط المدني وتسيير دوريات روسية تركية مشتركة على الطرقات الرئيسية مقابل إيقاف الحملة العسكرية والقصف الجوي على سراقب ومعرة النعمان وريفها"، وقد عبَّر الروس عن هذا العرض سابقا ولاحقا، وقد كرروا ذلك مرارًا مع الإصرار على استمرار العملية العسكرية، وبالتالي فإن المعارضة السورية المسلحة ستكون أمام أحد خيارين: الموافقة على وقف الغارات الجوية والعملية العسكرية البرية، والبحث عن حلول ممكنة لوقف الحرب عمومًا، بما في ذلك الاستجابة لكامل المطالب الروسية تحت رعاية تركيا، والخيار الثاني المضي في طريق المواجهة العسكرية.
حتى الآن يبدو الخيار الثاني أكثر وضوحًا؛ فقد شرعت المعارضة في استعادة زمام المبادرة لإيقاف تقدم ميليشيات روسيا من التوغل باتجاه مدينة معرة النعمان، مستفيدة من الأحوال الجوية السائدة وتعمل على تطوير القتال في جبهة التح - البرسة، بوصفها مناطق تقدم القوات المهاجمة ولعل ازدياد الوضع الإنساني سوءًا مع استمرار ارتكاب روسيا للمجازر، فإن ضغوطًا دولية قد تدفع إلى القبول بالخيار الأول، وبالتالي سيكون أمام المعارضة المسلحة فرصة أكبر لإعادة بناء قدراتها العسكرية وجسر فجواتها، وتطوير قدرات الطائرات الصغيرة دون طيار والصواريخ التي تحملها، استعدادًا لمرحلة أخرى من المواجهة والصمود الطويل مهما بلغت التكلفة.

مقالات ذات صلة

منصتا موسكو والقاهرة تتفقان على رؤية مشتركة للحل السياسي في سوريا

"رايتس ووتش": نظام الأسد يواصل استخدام الأسلحة الحارقة في سوريا

أزمة تأمين مازوت التدفئة في دمشق تعود إلى الواجهة

إدلب.. عودة المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بإسقاط زعيم "الهيئة"

اشتباكات بين مجموعات محلية وقوات النظام بريف درعا

سياسي أمريكي يكشف عن قرار ترامب بشأن الانسحاب من سوريا