بلدي نيوز - راني جابر (محلل عسكري)
بدأ النظام وحلفاؤه الروس منذ عدة أيام حملة قصف عنيفة تستهدف مدينة حلب، في ما يمكن اعتباره طلقة الرحمة الأخيرة على الهدنة، التي كانت طوق النجاة الذي أنقذ النظام وسمح له بالتنفس، بعد أن كان على وشك الموت خنقاً.
فكلمة هدنة ترتبط في ذهنيتنا بالكوارث، فبداية بحرب فلسطين 1948 التي كانت الجيوش العربية "النظامية" والمتطوعون ضمن ما سمي بـ"جيش الإنقاذ" يحرزون الانتصارات، أجبروا على القبول بهدنتين مع قوات العصابات الصهيونية.
كانت نتيجة الهدنتين مأساوية، فبعد حالة التقدم والاندفاع الهائل للجيوش العربية، جاءت الهدنتان لتقلب النصر إلى هزيمة، والتقدم إلى انكسار وتقهقر، فهاتان الهدنتان اللتان فرضتا بضغط الدول الغربية، كانتا السبب في معاناة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ عقود.
عقد الهدن بهدف تكرار الهجوم لاحقاً ليس اختراعاً غربياً بحتاً، فروسيا وقعت اتفاقية "سلام" مع الشيشانيين بهدف وقف القتال "مؤقتاً" ومتابعته عند إعادة تهيئة الظروف.
لتكون الحملة الثانية على الشيشان، وإعادة احتلالها هي النتيجة الطبيعية لمجموعة الإجراءات التي نتجت عن الهدنة، من اختراق استخباراتي وتغيير الاستراتيجية العسكرية للروس، لتصبح غروزني رمزاً للمدن المنكوبة.
يكرر الروس والأسد اليوم الخدعة التي تعلموها من الإسرائيليين، ليعيدوا استخدام مفهوم "وقف اطلاق النار المتحرك" في سوريا، كما فعل الإسرائيليون في لبنان 1982، حيث حدثت عملية وقف لأطلاق النار لكن الإسرائيليين لم يلتزموا بمواقعهم،، وغيروها بما يناسب خططهم التي عدلوها خلال فترة وقف إطلاق النار، وحركوا قواتهم، وغيروا مواقعها تجهيزاً للهجوم المرتقب بمجرد انتهاء الهدنة.
الهدنة في سوريا تحمل خليطاً من الهدن السابقة جميعها، فهي متحركة مفروضة بضغط دولي، والقاصي والداني يعلم أنها ليست سوى فترة استعداد للقتال من طرف النظام، ويخشى أن تكون نتائجها مشابهة، فنفس التصرفات يكررها طرفا الهدنة بحذافيرها، من النظام الذي يعيد ترتيب قواته وتجهيز أسلحته وجلب التعزيزات من إيران و روسيا، إلى الثوار الذين لم يفعلوا أي شيء ليستفيدوا من الهدنة.
تغيير الاستراتيجية
عمليات القصف الواسع التي تشهدها حلب حالياً، يعتبرها البعض عبارة عن مقدمة لعملية كبيرة ضد حلب، خصوصاً مع مجموعة من التصريحات التي صدرت من أعلى المستويات في إيران تتحدث عن "الحسم" في حلب .
ومع هذه التخمينات والتوقعات ترتفع درجة التأهب، فمعركة حلب لها أهمية كبرى لدى الثوار والنظام، ومن خلفهما أمم الأرض جميعها، فهي لو حدثت فستكون معركة كسر عظم بما تحتويه الكلمة من معنى.
الاستفراد والتركيز
يعمل النظام حاليا بأسلوب عزل الجبهات والاستفراد بها بالتتالي، وتركيز قواته في جبهة واحدة مع تبريد باقي الجبهات بعدة طرق، فبعد إعادة احتلال تدمر بنتيجة للهدنة التي كسب خلالها مساحات شاسعة من الاراضي الصحراوية، التي زاد خلالها "حصته" من سوريا، يبدو أن النظام يستفرد اليوم بحلب، مع برود جبهات دمشق ودرعا وحماة والساحل وحمص.
وفي حال نجح النظام في معركة حلب فسيكون الدور القادم على درعا، ومحيط دمشق.
استراتيجية فاشلة
يعتمد الثوار على الاستراتيجية الدفاعية في تعاملهم مع التهديد البارز ضد حلب الآن، وهذا خطأ كبير وليس له مبرر، فلطالما أثبتت الاستراتيجية الدفاعية فشلها، فيجب على الثوار المبادرة بالهجوم وليس انتظار الأسد ليهجم، فعندما يكون هو المهاجم فهو من سيحدد موقع وتوقيت الهجوم والخطة، بعد تهيئة الأرض والظروف لتناسب، خطته ما يعطيه اليد العليا في الميدان.
فهم بانتظارهم يسمحون للنظام بتقرير متى وأين وكيف سيهجم، ويخسرون فرصة إجهاض هجوم النظام، بتنفيذ هجوم استباقي عليه يمنعه من تحقيق أهدافه.
الحصار
بناء على تاريخ الأسد في حروبه ضد المدن، فهو سيسعى بشدة للتطويق والحصار قبل البدء بالتقدم في المدينة، فحلب التي تحتوي على ما لا يقل عن 20 ألفاً من الثوار، عدا عن المدنيين المستعدين للقتال للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم لن تكون مفروشة بالزهور لقوات الأسد، لذلك سيسعى النظام لتطويقها وتجويعها لفترة قبل البدء بالأعمال القتالية الرئيسية، والتي قد لا تكون بشكل هجوم شامل، بل بشكل عمليات سيطرة تدريجية وقضم للمناطق المفتاحية ثم التوسع تدريجياً، ما يعني أن الفرصة ما تزال سانحة لتنفيذ مجموعة من الخطوات لمنع تطويق المدينة، والسماح للنظام بتجويعها وإعادة احتلالها.
فمنع تطويق المدينة هو الخطوة الاستراتيجية الأولى التي يجب أن يسعى لها الثوار، وهي تصبح أكثر صعوبة وقرباً يوماً بعد يوم، مع سيطرة النظام والميليشيات الموالية له على 70% من محيط المدينة.
فيجب تغيير الأهداف الاستراتيجية للنظام، وإجباره على تغيير توزيع قواته وإشغاله عن الهدف الأساسي، المتمثل بتطويق المدينة واقتحام أجزاء منها، بدفعه للتحول لوضع الدفاع، وإجباره على الدخول في معارك ثانوية تعرقل مجهوده العسكري الأساسي، وتفرض عليه نقل قواته بعيداً عن المدينة بحد ذاتها، بهدف تخفيف الضغط عنها و تشتيت قوته.
قد يشكل قطع طريق (خناصر)، أحد أهم الإجراءات التي تشتت النظام وتجبره على دفع قواته لإعادة فتح الطريق والمحافظة عليه مفتوحاً، فهي ستفرض عليه استقدام تعزيزات من حماة وحلب لفتح الطريق، وتجبر الطائرات الروسية على إسناده ما يخفف الضغط عن حلب.
فقطع الطريق لفترة بين 48 إلى 72 ساعة كفيلة لحد ما بإرباك النظام وإجباره على تأجيل خططه تجاه حلب، حتى يعيد فتح طريق تموينه، ويفقده عنصر المبادرة الذي يعتمد عليه جداً في تحديد المناطق التي سيهجم عليها لاحتلالها.
إعادة تطويق نبل والزهراء يعتبر عاملاً مهما كذلك، لإجبار النظام على تغيير خطته، وإعادة توزيع قواته لفك الطوق مرة أخرى عن البلدتين المواليتين.
فالبلدتان لهما أولوية كبرى لدى النظام وإعادة تطويقهما تعتبر إهانة كبيرة للنظام يجب إيقافها مباشرة، فالبلدتان الشيعيتان تهمان إيران بشكل كبير وإعادة تطويقهما ستعتبر ضغطاً كبيراً على إيران والنظام، ما سيجبره على إرسال قوات تعيد مد اللسان باتجاههما، ما سيخفف الضغط عن الثوار في حلب، ويؤخر معركة حلب حتى يعاد الاتصال مع البلدتين.
يضاف إلى ذلك تحريك كافة الجبهات سواء في دمشق أو درعا ضد النظام، ومنع النظام من الاستفادة من الهدوء النسبي لتلك الجبهات لنقل قوات إلى حلب، ويجبره على طلب الدعم الروسي في تلك المناطق أيضاً وعدم السماح له بتركيز جهده ضد مدينة واحدة.