بلدي نيوز- (تركي المصطفى)
كانت العملة السورية محور الأحداث الاقتصادية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث واصلت الليرة انخفاضها المتسارع تاركة سوريا في حالة انهيار اقتصادي، وانعكس هذا التهاوي لليرة على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بمعدلات قياسية، مما ينذر بكارثة اقتصادية ومفاقمة معاناة السوريين. وقدر خبراء اقتصاد أن أسعار السلع ارتفعت بمعدل 12 ضعفا من بداية الحرب التي اندلعت منذ أكثر من 8 سنوات، فيما انقطعت رواتب نحو مليون موظف حكومي خلال سني الحرب لأسباب أمنية، وبلغ سعر الليرة السورية 682 ليرة للدولار الواحد في سبتمبر أيلول الماضي، لتهوي الليرة السورية اليوم إلى أدنى سعر سجلته أمام الدولار حيث بلغ سعر الصرف 717 ليرة للدولار الواحد، وبين بداية سبتمبر أيلول ومنتصف شهر نوفمبر؛ شهدت الليرة السورية أسوأ فترات تراجعها.
أسباب تهاوي العملة السورية
تسبب التهاوي المتسارع للعملة المحلية في شل حركة النشاط الاقتصادي السوري، وسط عجز نظام الأسد عن اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد نتيجة تبديده للقطع النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، فقد كان الاحتياطي النقدي من الدولار أكثر من 18 مليار دولار عام 2011م تزامنا مع انطلاق الثورة، فيما أشار صندوق النقد الدولي قبل عامين إلى أن موجودات المصرف المركزي تراجعت الى (600-700) مليون دولار.
ويعتقد محللون اقتصاديون أن القطع الاجنبي في البنك المركزي قد تبدد بالمطلق بدليل استيراد النفط والقمح، وتلكؤ النظام بزيادة أجور الموظفين رغم التضخم الكبير الذي لحق بالليرة السورية، ومما يدلل على مؤشرات تفاقم انهيار العملة وعجز النظام عن التدخل، انسحاب وزارة الاقتصاد من تمويل عمليات التجارة نتيجة فقدانه للاحتياطي "الدولاري" بسبب حربه على الثورة. وهذا ما دفع بالتجار الذين أبرموا عقود استيراد سابقة مع شركات وجهات خارجية - وهم ملتزمون بالدفع- لشراء الدولار من السوق السوداء، ما يعني زيادة الطلب على القطع الأجنبي في سورية الأمر الذي تسبب بارتفاع الدولار وتهاوي الليرة السورية، فضلا عن الأسباب النفسية المتمثلة بالخلافات بين الكتلة الصلبة المحيطة بالأسد عندما تلقت صفعة كبيرة بفرض نظام الأسد إتاوات على التجار بعد تدخل البنك المركزي لإيجاد صندوق لدعم الليرة والذي اقترحته غرفة تجارة دمشق، مما انعكس نفسيا واقتصاديا على أي مكتنز لليرة السورية، ومن الأسباب السياسية المتعلقة بانهيار الليرة، اشتعال الثورات بدول الجوار (لبنان والعراق)، ومن المعلوم أن الإيداعات "الدولارية" السورية في لبنان تقدر بــ 30 مليار، وشهدت الأشهر الأخيرة دعوات سورية لسحب تلك الإيداعات من لبنان وهو سبب إضافي لتهاوي الليرة السورية، كما أن خيبة أمل النظام من تمدد ميليشياته وتلك التابعة للروس الى مناطق شمال شرق وشمال غرب سورية، شكل عبئا إضافيا بدل من تقديراته على أن هذا التمدد سيؤدي الى انتعاش المعيشة وتحسن الليرة.
ولعل تراجع الصادرات السورية من النفط حيث كان يصدر في العام 2011م 150 ألف برميل يوميا وغير ذلك من الصادرات المتنوعة التي تعود بالعملة الصعبة، فضلا عن تعطيل السياحة وتراجعها الى الصفر هو ما ضاعف من تهاوي قيمة الليرة أمام العملات الصعبة.
ارتفاع الأسعار
انعكس تهاوي العملة المحلية بصورة فورية على زيادة أسعار السلع الأساسية التي ارتفعت إلى 12 ضعفا، فتكلفة معيشة الأسرة السورية يزيد على 325 ألف ليرة شهريا، فيما دخل الأسرة 40 ألف ليرة، وأوضحت تقارير اقتصادية مختلفة أن أسعار النفط والديزل والغاز ارتفعت من بداية نوفمبر الحالي بشكل جنوني متأثرة ضمن عوامل أخرى بأزمة سعر الصرف، كما انعكس تهاوي الليرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور الأمن الغذائي، وبحسب التقارير الاقتصادية، فقد أثبتت أن ارتفاع سعر الصرف مرتبط بزيادة في أسعار السلع الغذائية الأساسية حيث شهدت الأسواق المحلية ارتفاعا حادا في أسعار السلع الغذائية المستوردة بما فيها الدقيق وزيت الطبخ والسكر في الأسبوع الثاني من نوفمبر تشرين الثاني الجاري مقارنة بما كانت عليه في أكتوبر تشرين الأول الماضي، وبذلك تكون الحرب التي يشنها نظام الأسد ضد الشعب السوري تركت آثارها المدمرة، تزامنا مع عدم استقرار الأوضاع السياسية المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وارتفاع معدلات البطالة، وستشهد الفترة المقبلة تذبذبا بسعر صرف الليرة ولن تستقر دون التوصل إلى حلول سياسية لأن الأسد بات مفلسا ويحاول عبر الإتاوات والاستدانة وتأجير مقدرات البلاد؛ البقاء على كرسي أبيه ليس إلا.