بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
أظهرت القمة الثلاثية بشأن سوريا التي استضافتها أنقرة، الاثنين الماضي، بين الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، مدى اتساع الهوة بين الزعماء الثلاثة بصرف النظر عن الإطار العام الذي يؤكد على ضرورة التسوية السياسية للصراع وفق مسار أستانا، والتمسك بوحدة الأراضي السورية, لكن بدا واضحا، أن جهود الثلاثي تتركز على الاستفراد بمكامن القوة، وعلى الأولويات التي يعتبرها أساسية بالنسبة لمصالح بلاده، فبوتين كان يركز على قلق بلاده "الشديد من الوضع المتوتر في إدلب، التي تشهد تزايدا لنشاط الإرهابيين"، وفق قوله، مضيفا أنه "لا يمكن أن تبقى المنطقة مرتعا للإرهابيين وعلينا أن نتخذ الجهود كافة لإزالة تلك المخاطر التي تأتي من إدلب". كما شدد على أن "هناك مهمة ملحّة لإطلاق عمل اللجنة الدستورية إضافة إلى مكافحة الإرهاب"، مضيفا أن "جهودنا المشتركة مكّنتنا من تأمين الاستقرار وخفض مستوى العنف، والأهم أننا تمكنا من إرساء أسس التسوية السياسية بناء على القرار 2254 الأممي". في الوقت الذي تحشد فيه قواتها الخاصة وميليشيات الأسد، استكمالا للعمليات العسكرية التي بدأتها قبل ثلاثة أشهر، وقد كشف هذا المشهد أن موسكو تنتهج استراتيجية "الحرب الدبلوماسية"، أو استراتيجية "المفاوضات مع الضغط العسكري المتواصل مما يجبر الخصوم على قبول الشروط الروسية والاستسلام للقدر الروسي".
أما أردوغان المسكون بهاجس "الميليشيات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د"، شدد على مواصلة الجهود "لتجفيف مستنقع الإرهاب في شرق الفرات"، متحدثا عن "إلحاق هزائم كبيرة بالتنظيمات الإرهابية عبر عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون".
وأكد أن "مسار أستانة يعتبر المبادرة الوحيدة القادرة على إيجاد حلول ملموسة لإخماد الحريق المشتعل في سوريا".
فيما أكد روحاني على ضرورة "عدم السماح للإرهابيين في إدلب باستغلال الظروف"، وتأكيد "استمرار محاربة الإرهاب حتى اجتثاثه وعودة اللاجئين وإعمار سوريا".
مصالح متضاربة
تحسبا لأي تصدع يصيب بنية التحالف الظرفي حاول قادة آستانا تغليف خلافاتهم بأطر عامة كالحديث عن ضرورة التسوية السياسية للصراع والتمسك بمسار أستانا, فيما بدا التصدع جليّا في بنية هذا الحلف المثقل تاريخيا بصراع دام بين الضامنين "التركي الذي ينتمي لأمة"، والإيراني بتمثيله طوائف مذهبية متعددة الجنسيات ديدنها الانتقام من الأغيار "السنة"، لإحياء امبراطورية فارس البائدة بدعوى "الممانعة والمقاومة" وهم المتورطون بدماء السوريين حتى الرقبة، ويقف في المنتصف الراعي الروسي، الذي يعمل على إعادة بناء القيصرية على جماجم الأطفال في سوريا، منتشيا بقدرته العسكرية، ناسيا أنه لا يستطيع الجلوس على خوازيق التاريخ، بعد أن وضع نفسه بين معسكرين لا يجمع بينهما سوى دوي المدفعية، الذي بدأ حديثا في معركة جالديران، واحتدم في الصراع السوري، ولعله سيحسم في الحلف القائم، بعد أن باتت النقاط التركية في التوجهات العسكرية الجديدة في حالة قضم متزايد خلافا لاتفاق آستانا, ويتجلى الخلاف واضحا بين أطراف حلف آستانا منذ اندلاع الثورة السورية، وانخراطهم المباشر في الصراع، الذي تجسد بداية عبر تبادل رسائل احتجاج إعلامية، تحمل قلق كل طرف من الاستحواذ على سوريا، بغية الحفاظ على توازن استراتيجي بعثرته أحداث داخلية، عصفت ببلدانهم، ولعبت بها أطراف دولية، في منطقة هي أشبه ببرميل مليء بصراعات طائفية وإثنية وعرقية تغذيها سلوكيات إيران وحشدها الطائفي.
تسريبات القمة
في مقال سابق في "بلدي نيوز" بتاريخ (13 /9/2019) أُشير إلى "تعديل البند الثالث من اتفاق سوتشي الذي نصّ على "بناء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 - 20 كيلومترا، وإقرار الخطوط المحددة للمنطقة منزوعة السلاح، والتخلص من جميع "الجماعات الإرهابية الراديكالية" داخل هذه المنطقة، وسحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، وستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار على امتداد حدود المنطقة منزوعة التسليح، إضافة إلى العمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية. ونتيجة للتطورات العسكرية الأخيرة إثر تقهقر قوات المعارضة المسلحة والسيطرة الروسية على المنطقة الممتدة من ميدان غزال غربا ولغاية الخوين شرقا، بما تحوي من مدن وبلدات كــ "كفر نبوذة والهبيط وكفر زيتا واللطامنة وخان شيخون ومورك والتمانعة"، ألمحت وسائل إعلام روسية إلى توصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، إلى تعديل البند الثالث من اتفاق سوتشي والذي ينص على "إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومترا داخل منطقة خفض التصعيد"، ليصبح عمق المنطقة 30 كم داخل المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة".
واتفق ما جاء في بلدي نيوز مع ما نشره القيادي في "الجيش الحر" رئيس المكتب السياسي لـ"لواء المعتصم" التابع للمعارضة السورية مصطفى سيجري, والمقرب من الحكومة التركية في حسابه على "تويتر" إن الاتفاق الجديد يتضمن عدة نقاط أولها "إنشاء منطقة عازلة جديدة خالية من السلاح الثقيل، وتحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية عن المنطقة، ودخول الحكومة السورية المؤقتة إلى المنطقة، وتقديم الخدمات واستئناف الدعم الإنساني الدولي، إضافة إلى استكمال الخطوات النهائية بما يخص تشكيل اللجنة الدستورية، ووضع قانون انتخابات جديد". ولفت سيجري إلى أن "أي رفض أو عرقلة للاتفاق من قِبل جبهة النصرة أو حراس الدين أو أنصار التوحيد سيكون فرصة لإعلان حرب جديدة، وربما سنكون أمام سيناريو مشابه لمدينة خان شيخون و50 بلدة أخرى في ريف حماة وإدلب".
نتائج هزيلة
لا تعكس المؤتمرات الصحفية حقيقة ما يحصل في الغرف المغلقة من تفاهمات، كما أنها لا تعطي تفسيرات لما وراء التصريحات؛ لذلك يحتاج الإعلاميون الاستقصائيون والمهتمون، إلى السعي للكشف عن "مضمون التفاهمات السرية الجدیدة" التي أبرمت بين حلفاء آستانا، بشأن ادلب، بعيدا عن الجدل الفارغ حول "البوظة والتین" وأشياء أخرى بين أردوغان وبوتین وروحاني, فالمصادر التركية لم تذكر الاتفاق على منطقة عازلة جديدة, إنما أكدت على اتفاق تنفيذ الجزء الخاص بالطرق الدولية، الذي ربطت موسكو تحقيقه بمدى تفاعل "فصائل المعارضة" المسيطرة كليا على تلك المنطقة. مع التركيز على محاربة "الإرهاب".
وربما في القريب تبدأ عملية تسيير هذه الدوريات المشتركة، تمهيدا لفتح الطرق الدولية التي بات فتحها مسألة وقت". وإذا كانت الخيارات العسكرية ما تسعى إليه موسكو, فستكون الأمور بالغة التعقيد، وتحمل في طياتها عودة زخم العمليات العسكرية الروسية واحتمال تنشيط مليشيات إيران، لتعود وتلعب دور المساند البري، ناهيك عن موجات النزوح الكبيرة. وفي الحقيقة لا أحد يعرف شيئا عن نتائج القمة سوى الإنجاز الهزيل الذي ذكره بوتين وهو استكمال الاسم الأخير من أسماء أعضاء اللجنة الدستورية، والذي اعتبره البيان الختامي من القرارات التي "من شأنها إنعاش آمال الحل السياسي في سوريا".
حتى الآن، لا تزال كل الأطراف متمسكة بخيار القوة، أما التوصل لحل سياسي، فمرهون بظروف كل طرف من أطراف الصراع التي تتباين بصورة واضحة، كما وكيفا، على مستوى دول حلف آستانا, لنصبح في الآونة الأخيرة أمام مشهد كارثي، يوضح بجلاء، أن لا قيمة للشعب السوري مهما كان موقفه أو اتجاهه، ويفند جميع ادعاءات زيف تمثيل مصالح السوريين الذين يعيشون تحت رحمة القاذفات الروسية وصواريخ إيران، والعبث بمصير سوريا في إطار إدارة سلطة الأمر الواقع كما حددتها اتفاقية آستانا.