بلدي نيوز - (خاص)
يكتنف الغموض مستقبل أكثر من أربعة ملايين مدني في مدينة إدلب شمال غرب سوريا، وسط خشية من مواصلة الأعمال العسكرية من قبل النظام مدعوما بروسيا وإيران، في الوقت الذي يلف الغموض أيضا ملف المنطقة الآمنة شرق الفرات والتي اتفق عليها الجانبان التركي والأمريكي، بعد اجتماعات مكثفة خلال الفترة الماضية.
وما يزيد المخاوف بخصوص مستقبل إدلب، هي تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مدار يومين، والتي أشار فيها إلى أن "إدلب تتعرض لسيناريو مشابه لما تعرضت له مدينة حلب نهاية 2016"، وقال "إدلب تتعرض للتدمير رويدا رويدا، فكما دمرت حلب وسويت بالأرض فإن إدلب تتعرض لسيناريو مشابه وبنفس الطريقة".
ويعتبر ملف إدلب -العالق بين الأتراك والروس- هو القضية الأبرز بالنسبة لأنقرة، كون أن أي موجة هجرة منها ستكون باتجاه الحدود التركية، وهو الأمر الذي تخشاه ولا قدرة لديها على استيعابه في ظل وجود أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.
أول شظايا قنبلة إدلب السورية ستصيب تركيا -إن انفجرت- مجددا، ولهذا تكثف أنقرة اتصالاتها مع الأطراف الراعية لأستانا (روسيا وإيران) من جهة، ومع الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، ومع واشنطن من جهة ثالثة، في سبيل وقف التصعيد العسكري ومنحها الوقت الكافي للتعامل مع ملف "هيئة تحرير الشام" المصنفة على قوائم الإرهاب.
وتعقد الدول الراعية لأستانا اجتماعا على مستوى الرؤساء في العاصمة التركي أنقرة، بهدف وقف التصعيد بإدلب والحفاظ على ما تبقى من اتفاق سوتشي الموقع بين أنقرة وموسكو.
الرئيس التركي أشار أيضا إلى أنه في حال تم لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ فإن ملف مدينة إدلب سيكون أبرز مباحثاته.
وبعث أردوغان رسالة للاتحاد الأوروبي، في حال عدم ضغطه على روسيا لوقف الأعمال العسكرية في شمال غرب سوري، بالقول "هل نحن فقط من سيتحمل عبء اللاجئين؟ لم نحصل من المجتمع الدولي وخاصة من الاتحاد الأوروبي على الدعم اللازم لتقاسم هذا العبء، وقد نضطر لفتح الأبواب (الحدود) في حال استمرار ذلك".
رد أوروبي
وإثر رسالة التهديد المبطنة التي أرسلها الرئيس التركي لأوروبا، أكد الاتحاد الأوروبي في بيان له، أمس الخميس، على ضرورة إيقاف هجمات نظام الأسد وحلفائه على البنى التحتية المدنية شمالي سوريا، لافتا إلى أنه لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف.
وشددت المفوضية الأوروبية على ضرورة إيقاف تلك الهجمات، كما لفتت إلى أن المعارك في سوريا تسببت في وقوع عدد كبير من القتلى، وأن الشعب السوري عانى الكثير جراء ذلك، وبيّنت أن الوضع الحالي في المنطقة يظهر مرة أخرى بعدم إمكانية الوصول إلى حل في سوريا بالطرق العسكرية.
ولفتت المفوضية في بيانها إلى أن المعارك شمالي سوريا "زادت بشكل صادم"، معبرة عن قلقها إزاء هجمات النظام وحلفائه على البنى التحتية المدنية مثل المدارس والمرافق الصحية والمائية.
وأضافت، "لا يمكن تبرير الهجمات العشوائية وتدمير البنية التحتية المدنية بأي ظرف من الظروف، ونذّكر جميع أطراف النزاع بضرورة الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وإيصال المساعدات الإنسانية لكافة المدنيين المحتاجين دون أي عوائق".
وأردف البيان، "ننتظر من النظام السوري وضامني أستانة أن يفوا بتعهداتهم فورا وضمان حماية المدنيين بأقرب وقت"، وأكد على موقف الاتحاد الأوروبي بضرورة محاسبة جميع مرتكبي جرائم حرب وضد الإنسانية.
وتخشى أوروبا من قيام أنقرة بفتح الحدود البرية والبحرية أمام أي موجة لجوء جديدة ستكلفها كثيرا، وهي التي وقعت اتفاقا مع تركيا لضبط المهاجرين عبر البر والبحر مقابل تقديم دعم مالي لأنقرة بغية دمجهم في تركيا.
"تحرير الشام"
تقول مصادر طلعة لبلدي نيوز إن هيئة تحرير الشام منعت خلال الأيام الماضية القوات التركية من إنشاء عدة نقاط مراقبة جديدة كان من المفترض أن تثبتها أنقرة خلال عدة أيام في ريفي حلب وإدلب، بهدف تعزيز نقاطها في الداخل ومنع قوات النظام وروسيا من التقدم.
وأضافت المصادر أن وفدا عسكريا تركيا دخل قبل عدة أيام، واستطلع مواقع عدة لإنشاء أربع نقاط مراقبة جديدة، واحدة قرب النيرب بحلب، وثلاث قرب المسطومة، ومحمبل، وجسر الشغور بريف إدلب.
وأشارت المصادر العسكرية -التي فضلت عدم ذكر اسمها- إلى أن حاجزا عسكريا لهيئة تحرير الشام قرب مدينة سراقب اعترض الرتل العسكري التركي ومنعه من التوجه إلى منطقة النيرب، رافضا إنشاء نقطة للقوات التركية في المنطقة.
ولفتت المصادر أن عدة اجتماعات دارت بين قيادة هيئة تحرير الشام وضباط أتراك خلال اليومين الماضيين، بخصوص إنشاء نقط مراقبة جديدة للقوات التركية، إلا أن جميع هذه الاجتماعات لم تجدِ نفعا، حيث رفضت قيادة الهيئة إنشاء أي نقطة جديدة في عمق المحرر، وشددت على أنه يجب أن تكون النقاط في مواقع التماس مع قوات النظام وروسيا.
وأوضحت المصادر أن الهدف من هذه النقاط هو تعزيز التواجد التركي في المناطق المحررة لحماية المنطقة من استهداف قوات النظام ومنع أي عملية عسكرية على المنطقة.
يذكر أن مصدرا عسكريا، قال لبلدي نيوز في 28/اَب الماضي أن وفدا عسكريا تركيا استطلع، عدة مواقع في ريف إدلب الجنوبي والشرقي والغربي من محافظة إدلب شمال غرب سوريا، بغية تعزيز قوتها العسكرية وإنشاء عدة نقاط مراقبة جديدة في المنطقة.
المنطقة الآمنة
وليس بعيدا عن إدلب، تسعى تركيا لفرض منطقة آمنة بالتعاون مع واشنطن التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بهدف إبعاد الأخيرة عن حدودها من جهة، وجعل هذه المنطقة ملاذا للاجئين والنازحين السوريين.
يقول الرئيس التركي في هذا الصدد، أن هدف بلاده توطين ما لا يقل عن مليون شخص من السوريين في المنطقة الآمنة التي سيتم تشكيلها على طول خط الحدود مع سوريا البالغ 450 كم.
وتشدد أنقرة على أنه يجب الإسراع في تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه مع واشنطن، وبدء دخول قواتها إلى منطقة شرق الفرات إيذانا بجعل هذه المناطق التي تمتد على طول 450 كيلومترا وعرض بين 13 و30 كيلومترا منطقة خالية من أي فصائل عسكرية تصفها أنقرة بالإرهابية بهدف جعلها ملاذا آمنا للاجئين والنازحين بالتعاون بين واشنطن وأنقرة.
وهددت أكثر من مرة على لسان مسؤولين رفيعي المستوى، بشن عمل عسكري في حال عدم التزام واشنطن بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، مؤخرا أن لدى تركيا خططا بديلة ستطبقها في حال عدم التزام واشنطن بوعودها بشأن "المنطقة الآمنة" شرق الفرات، على الرغم من التوصل في مطلع شهر آب/ أغسطس الماضي، إلى اتفاق يقر بإنشاء مركز العمليات المشتركة الخاص بـ"المنطقة الآمنة".
"قسد" ترفض
وعلى الطرف المقابل، ترفض قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بقيادة الوحدات الكردية التي تصنفها أنقرة على قوائم الإرهاب، دخول تركيا بريا إلى المناطق التي اتفقت عليها واشنطن وأنقرة لجعلها منطقة آمنة.
وقال الرئيس المشترك للجنة العلاقات الخارجية في حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" صالح مسلم، إن "قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، لن تسمح بدخول جندي تركي واحد إلى المنطقة الآمنة شرق الفرات".
وأضاف مسلم "لن يدخل جندي تركي واحد إلى المنطقة الآمنة (...) الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بشأن هذه المنطقة ليس إلا بروتوكولا يهدف لحماية المناطق الحدودية".
وأضاف مسلم، أن القوات الكردية ستنسحب من المناطق الحدودية مسافة ٥ كلم، في حين تتولى المجالس المحلية التابعة لهم حماية المنطقة وبسط الأمن فيها، مشددا على أن جنديا تركيا واحدا لن يدخل المنطقة.
وتطالب تركيا بأن تكون "المنطقة الآمنة" بعمق 30 كلم، في حين تقول الولايات المتحدة إن هذا الخيار يجب أن يُطرح على مواطني "شمال شرقي سوريا"، فيما قال مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الجمعة الماضي، إنه لن يسمح بأكثر من 5 كلم.
موعد البدء
وفي ظل هذا السجال والوعيد التركي باللجوء إلى خطة "ب" و"ج"، يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزم بلاده بالشراكة مع الولايات المتحدة على البدء فعليا بإنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات بسوريا حتى الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/أيلول الجاري.
وأشار أردوغان إلى أن بلاده ستعمل بمفردها في حال اقتضت الضرورة ذلك.
وكشف الرئيس التركي، أن المقترح يتضمن بناء منازل في هذه المناطق بمساحة 250 – 300 متر مربع، تحوي مزارع، لتمكين اللاجئين من زرع وحصد محاصيلهم وتلبية كل احتياجاتهم.
طبيعة الاتفاق
ومراحل الاتفاق "الأمريكي-التركي" حول المنطقة الآمنة، ثلاث، وهي إنشاء منطقة آمنة بعمق 5 كلم، وتقوم دوريات مشتركة من الجيش الأمريكي والتركي بمراقبة هذه المنطقة التي ستنسحب منها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، على أن تلتزم القوات التركية عدم دخول المراكز الحضرية التي تسيطر عليها مجالس عسكرية محلية.
أنقرة بين نارين
ويرى محللون سياسيون أن تفاهمات أنقرة مع كل من روسيا في إدلب، ومع أمريكا شرق الفرات، لم تجدِ نفعا، خاصة وأن الطرفين نقضا اتفاقات عدة على مدار السنوات الماضية، واتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة أكبر مثال على ذلك، وكذلك اتفاق منبج مع واشنطن والذي ماطلت فيه الأخيرة ولم تتمكن تركيا من دخول المنطقة.
فيما يرى البعض أن تركيا مضطرة في نهاية المطاف إلى الدخول في مواجهة عسكرية لن تكون في صالح كافة الأطراف، بعد فشل كل الاتفاقات السياسية ووصولها إلى طرق مسدودة، وتبقى ورقة اللاجئين في وجه أوروبا هي الورقة الأخيرة التي تملكها أنقرة، والتي من الممكن أن تشكل ضغطا على روسيا وأمريكا بهدف وقف العمليات العسكرية في إدلب والبدء بتنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة في شرق الفرات، لكن ليس بالشكل والمضمون الذي تريده أنقرة بالكامل وإنما وفق مبدأ "لا منتصر".