لم يكن الاختراع الأول من نوعه الذي تحظى الغوطة الشرقية ببراءته وإنما اعتاد أهالي الغوطة على ابتكار أساليب جديدة لتسيير أمور حياتهم اليومية كبديل لكثير من الاحتياجات الضرورية، والتي حرمهم منها حصار الأسد كالماء والكهرباء والمحروقات والاتصالات.
ولعل أخر ما ابتكرته أدمغة الغوطة جهاز لتقوية اشارة الهواتف المحمولة 2G و3G الذي اعتمد بتصميمه على بعض الوسائل البسيطة والبدائية، فلا يكاد يخلو سطح بناء في الغوطة من هذا الجهاز البسيط.
ولعل أكثر ما يميز هذا الجهاز أن بمقدور أي عائلة في الغوطة اقتنائه أو حتى صناعته، إذ تعدّ تكلفة هذا الجهاز رخيصة جداً بالمقارنة مع الأجهزة المستوردة من الخارج، والجدير بالذكر أن هذا الاختراع لا يحتاج لتيار كهربائي 220 فولط، أو حتى تيار كهربائي ضعيف، وهذا ما جعله متوفراً في معظم منازل الغوطة، حتى بات من أساسيات المنزل الواجب تواجدها عند تجهيز أي منزل .
وتكمن أهمية هذا الجهاز أنه وفرّ بديلاً لا يستهان به عن أبراج التغطية المملوكة من قبل "رامي مخلوف" قريب "بشار الأسد"، والتي دمرها الأخير مع بداية تحرير الغوطة، ليضمن بقاء الغوطة بمعزل عن العالم الخارجي، لكن ذلك كان بعيد المنال مع أهالي الغوطة الذين لم يعرف الحصار طريقاً لتثبيط هممهم، وإنما دفعهم لتنمية قدراتهم وابتكار كل ماهو مفيد يتناسب مع نمط حياتهم الجديد وترسيخ المثل القائل" الحاجة أم الاختراع " سعياً منهم لتأكيد أن الحصار الذي فرضه الأسد كان حصار بطون وليس حصار عقول الأمر الذي غاب عن حسابات الأسد.
وفي ظل الظروف الراهنة فإن كثير من الشباب لم يعد قادراً على ممارسة عمله أو مهنته التي كانت قبل الحصار، لذلك يسعى أولئك لامتهان مهنة كريمة تقيهم شر الحصار، كما هو الحال مع "أبو عبد الله" الذي قام بتأسيس ورشة صغيرة لصناعة هذه المقويات في مدينة دوما.
وتوفر فرص عمل لبعض الشباب العاطل عن العمل علاوة عن أنها خدمة مفيدة وبأجر زهيد للأهالي المحاصرين.
شبكة بلدي زارت "أبو عبد الله" في مكان عمله، حيث قال:" بدأت فكرة تأسيس الورشة بعد زيادة الطلب على تصنيع هذا المقوي من قبل الأصدقاء والأقارب، ومع الوقت أخذ هذا الجهاز يثبت جودته وتفوقه على معظم الحلول الموجودة في الغوطة، للتغلب على مشكلة انقطاع الاتصالات ".
ويضيف: "بحكم عملي في صيانة الالكترونيات، جعلني ذلك أطور في الأساليب المتبعة في صناعة هذا المقوي البسيط، حتى بات مطلوباً بكثرة من قبل بعض المؤسسات والمكاتب المنتشرة في الغوطة".
وعن مكونات هذا الجهاز يقول "أبو عبد الله": "هو عبارة عن غطاء من الألمنيوم (طاسة) يعمل بمثابة المستقبل وقارورة تثبت بمنتصفه مع شريط نحاسي، يمتد من سطح المبنى الى المنزل، حيث يثبت بنهايته بقطعة من الكرتون، يلف عليها السلك النحاسي بطريقة معينة ومن ثم يصبح جاهزاً للعمل وذلك بوضع الجهاز المحمول أو حتى جهاز البث فوق السلك النحاسي المثبت في نهايته على قطعة الكرتون أو الخشب، لتصبح اشارة المحمول وكأنك بالقرب من أحد أبراج التغطية".
ولا تتجاوز تكلفة الجهاز السبعة آلاف ليرة سورية، بينما سعر الجهاز المستورد مئة ألف ليرة سورية، وفعلياً فإن جودة الجهاز الأول تفوق الثاني، وهذا ما أثبتته التجربة العملية، إذ تعيش الغوطة في الظلام منذ ثلاث سنوات، لذلك فإن أي حل يستغني عن الكهرباء سيكون المفضل لدى الجميع.
ثلاث سنوات من الحصار كانت كافية لخلق شعب مبدع بكل أفكاره، استغل حتى الخردة ليكمل حياته التي اختارها منذ أن صرخ بأول صرخة حرية، بعد أن أخمد الأسد صوت الإبداع لدى السوريين، ليعود الشعب ويثبت أن ما حاول آل الأسد قتله طيلة أربعين عام، عاد وولد ليبهر العالم بابتكارات تحمل توقيعاً سوريا وبترخيص ثوري.