شبكة بلدي- (ليلى حامد)
كان للنساء في مطلع القرن العشرين زاوية تحسب لهن من التميز بكافة المجالات السياسية والاقتصادية والأدبية، كما أسهمن في رسم ملامح الاستقلال والحرية.
من منا ينكر الصالونات الأدبية والتي تمثلت بالحراك النسوي اعتراضا على ذكورية المجتمع وإمعانا في فرض إقامتها في البيت.
حيث كانت النساء في مطلع العشرينات يجتمعن ضمن الصالونات الأدبية من الأسر العريقة كالصحفيات والأدبيات؛ نذكر منهن مي زيادة اللبنانية التي نشرت روايتها الأولى عام ١٩٠٩، كما عملت على تنظيم ملتقى أدبيا كل أربعاء في منزلها يحضره كبار المثقفين والأدباء، إضافة للصحفية ماري العجمي الدمشقية التي أسست "العروس" وهي أول مجلة نسائية سورية عام ١٩١٠، وساهمت في تأسيس النادي الأدبي عام ١٩٢٠م، الذي سعى لتثقيف المرأة وتعليمها ومساندتها باعتبارها عضو فيه، كما كتبت ونشرت مقالاتها في جريدة المقتبس السورية، وجريدة المهذب اللبنانية.
من ينسى مشاركة النساء السوريات في المظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي؛ نذكر منهن: نازك العابد التي أسست مشفى ميدانيا في ميسلون بعد أن شاركت في المعركة ضد الفرنسيين، وقامت بتفقد الجرحى السوريين ونقلتهم وقتها إلى المشفى الميداني لمعالجتهم.
كما يذكر لنا تاريخنا السوري؛ ثريا الحافظ، وهي أول مرشحة للبرلمان السوري، ومن الرائدات السوريات التي نادت لتحرر المرأة، من مواليد دمشق عام ١٩١١م، شاركت في المظاهرات ضد المستعمر الفرنسي مع بنات جيلها، كانت مديرة مدرسة وداعية لحقوق المرأة وحقها في التعبير عن وجهة نظرها، كما طالبت بحق المرأة في الانتخاب فكانت أول امرأة رشحت نفسها عام ١٩٥٣م للانتخابات النيابية.
ثم كان لحكم البعث أن جمّد الحياة السياسية والاجتماعية السورية مدة خمسة عقود، هذا الحكم الذي عمل على إظهار نفسه أمام الغرب أنه حكم متحضر يناصر المرأة ويمنحها حقوقها، إلى أن أتت الثورة وكشفت وجههم الحقيقي من خلال ما تعرضت له المرأة السورية من قصف وموت واعتقال أبنائها أمامها، وما تعرضت له من اعتقال واغتصاب ناهيك عن المجازر التي ارتكبت بحقهن.
كان للمرأة السورية بصمتها الخاصة مع اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١م، فقد حملن اللافتات وكاميرات التصوير كما نظمن المسيرات النسائية الخاصة، وبرزت نساء سوريات قدمن الكثير لنيل حريتهن نذكر منهن:
رزان زيتونة الناشطة الحقوقية، والتي عملت في الدفاع عن معتقلي الرأي عبر "الجمعية السورية لحقوق الإنسان"
حازت على جائزة "أنا بولينكوفيسكايا" من الجمعية البريطانية لإرسالها عبر الإنترنت تقارير انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، كما حصلت مع أربعة مواطنين في نفس العام على جائزة "ساخاروف" لحرية التعبير.
ريما فليحان ابنة جبل العرب الناشطة والكاتبة السورية من مواليد حلب ١٩٧٥م، تحمل إجازة في الحقوق القاصة وكاتبة السيناريو طرقت في بداياتها باب القصة القصيرة، ثم اتجهت لكتابة المسلسلات الدرامية. هي صاحبة مسلسل «قلوب صغيرة» ومؤلفة روايات «مذكرات حبة القمح» و«الشرنقة» التي لا تعارض النظام بالحرف والكلمة فحسب وإنما عبر المشاركة الميدانية في التظاهرات.
شاركت ريما في تظاهرة في دمشق يوم 13 يونيو 2011، وعلى إثرها اعتُقلت مع مجموعة من المتظاهرين. وفور خروجها من سوريا ودخولها الأردن في 27 سبتمبر 2011، طالبت بإسقاط النظام السوري على قاعدة «لا حوار مع سلطة تقتل شعبها».
رفضت الناطقة باسم لجان التنسيق المحلية السورية الادعاءات التي تقول إن الأقليات في سورية تدافع عن النظام، إذ تعتبر نفسها من الأكثرية الشعبية ذات التوجه العربي.
تزايُد نشاط ريما في الثورة مما دفع الأجهزة الأمنية إلى البحث عنها لاعتقالها، وقد صدر بحقها قرار يمنعها من السفر، فهربت إلى الأردن بعد رحلة شاقة، وخلال وجودها في العاصمة الأردنية تطور نشاطها السياسي وشاركت في عدد من المؤتمرات التي عقدها المجلس الوطني السوري قبل أن تعلن انسحابها منه.
تعتبر ريما أن «المثقف جزء من النسيج المجتمعي، ولا يمكن ان يكون معزولاً عنه». وخلال الحصار الذي تعرضت له مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية أصدرت بياناً عرف بـ «بيان الحليب» ناشدت فيه الحكومة السورية السماح بإدخال الحليب لأطفال درعا، عبر أي جهة كانت. ووصل عدد التواقيع على البيان الذي أرسل لوزارة الصحة إلى 1400 توقيع. وقد وقعت مجموعة من الفنانات والفنانين السوريين عليه بينهم منى واصف وريم علي ولويز عبد الكريم وكاريس بشار.
أمينة خولاني التي تعتبر إحدى الناجيات من مراكز الاعتقال والتعذيب التابعة لنظام الأسد، كرست حياتها لمساعدة أسر السوريين المختفين قسرا، وهي ناشطة منذ أمد طويل في المجتمع المدني، هربت من سوريا عام 2014 بعد إطلاق سراحها من السجن.
سجنت لستة أشهر بسبب نشاطها السلمي، واحتجز زوجها لمدة عامين ونصف العام في سجن صيدنايا سيء السمعة، ونجت وزوجها، لكن أشقاءها الثلاثة ماتوا أثناء سجنهم.
وبسبب هذه التجربة المدمرة كرّست خولاني حياتها للبحث عن المعلومات والعدالة لأسر المختفين، وهي عضو مؤسسة في "عائلات من أجل الحرية"، وهي حركة تقودها نساء، أطلقتها عائلات عام 2017 ممن احتجز أحباب لها واختفوا في سوريا.
أجبرت خولاني على ترك منزلها وبلدها، وتعيش تحت تهديد دائم كلاجئة دون تمثيل حكومي، وهي تواصل الدعوة لحقوق الإنسان والديمقراطية والسلام في سوريا.
إن ما ورد ذكره آنفا غيض من فيض، من بدايات القرن إلى يومنا هذا وتاريخنا يذخر بنضال السوريات جنبا إلى جنب مع الرجل لننتزع حرية غيبت عنا قسرا بفعل الطغاة.