بلدي نيوز-(فراس عزالدين)
ﻻمست شظايا الحرب كل تفاصيل حياتنا، وفي كل حكايةٍ ندبة تقول إنّ اﻷلم "مرّ فوق صدورنا نحن النسوة.. وجميع السوريين"، كلماتٌ تختصر قصة نزوحٍ مستمر تحكيها السيدة "سلوى" من مهجرات ريف دمشق إلى إدلب.
تغريبة ليومين
تقول السيدة سلوى؛ "غالب الظن أننا سنخرج من بيوتنا ليومين ليس أكثر، أو في أسوأ اﻻحتمالات أسبوعاً ثم نرجع لنلملم ما بعثرته القذائف والصواريخ، لكننا من نزوحٍ إلى آخر".
يؤكد معظم النازحون إلى الشمال المحرر، أنّ تغريبتهم لم تتوقف بل بعضهم يتهكم ساخراً؛ "حولتنا التغريبة إلى فلاسفة حين نتحدث".
وﻻدة فلسفة
أدت الهجمة اﻷخيرة لنظام اﻷسد وطائرات روسيا على ريفي إدلب وحماة حالةً نادرةً من مخزون الكلمات لدى عوام الناس، فالغالب يشرح عن "اﻻستراتيجية والتكتيك العسكري والدبلوماسية"؛ فيما تروي النساء تارةً عن "القهر" وأخرى عن "الخذلان".
قالت المرشدة اﻻجتماعية "نائلة اﻷبراص" إن "الخوف يغيب فجأةً فلا نعرف له وجوداً، ما تلبث عواطف اﻷمومةِ واﻷبوة أن تطلق له العنان فيولد من جديد".
مؤكدةً أنّ الكثير من العائلات صمدت في البداية وواجهت الخوف بفلسفة القوة والثبات من أجل البقاء داخل حدود جدران منازلهم بدﻻً من الاستسلام للتهجير، لكنّ دافع اﻷبوة يفرض نفسه حين ترى أوﻻدك يقفون خلف النوافذ كلما سمعوا صوت انفجار الصواريخ وتشظيها.
أهوال القيامة
لم يكن يعلم أبو محمد من حزارين بريف إدلب بالنزوح وهو العجوز الذي بلغ من العمر أعوامه الستين، لكن مشهد الجيران يتناثرون في الطرقات سيراً على اﻷقدام، وطوابير السيارات تمتد على مدى النظر، وكذلك خوفه على أحفاده من "أهوال القيامة"، دفع به للقبول بالتغريبة، في إشارةٍ منه إلى حجم القصف الذي تعرضت له تلك المناطق.
كان محظوظاً حين دخل إدلب، وأخذ بيده أحد معارفه إلى بيتٍ يأويه ليومين دون مقابل، لكنه وجد نفسه محرجاً بعد أسبوعٍ من النزوح، ما دفعه للبحث عن منزلٍ للاستئجار، فاليومان امتدا ومن يعلم متى تنتهي الهجمة كما يقول.
تواريخ منسية
معظم المهجرين يستذكر أول تاريخٍ للنزوح، والثاني وربما الثالث، ثم تقف الذاكرة عن استرجاع التواريخ، بعضهم من يعتقد أنه النسيان، وآخرون يظنون أنها باتت حالةً مكررة وﻻ معنى ﻻستذكارها.
دقائق ساخنة
على عكس بعض النشطاء الذين أخرجوا من حقائبهم دفاتر وأجنداتٍ دونوا فيها معظم التفاصيل باختصار، وأطالوا الحديث على أجهزة المحمول حول دقائق ساخنة في حياة الناس.
قرار المغادرة والتغريبة يكاد يعيد إلى السوريين مشهداً درامياً عرض ذات يومٍ في رمضان على شاشة التلفزيون، تحت عنوان، "التغريبة الفلسطينية"، وبعضهم يسخر؛ "قد نكون مفتاحاً لعملٍ مشابهٍ في أحد اﻷمسيات الرمضانية".
فلسفة التغريبة السورية تتماهى مع نظيرتها الفلسطينية، وصوﻻً إلى الحديث عن "حق العودة"، وللسوريين حديثٌ في هذا الباب طويل.