The Interpreter - ترجمة بلدي نيوز
تغيرت مجريات الحرب السورية في الشهر الماضي بشكل كبير، وهناك جدل أكبر حول ما حدث وما سيحدث لاحقاً، وفي مقال كتبته لصحيفة "الفورين بوليسي" بتاريخ 30 أذار، وخلافاً لرواية الصحافة العالمية التي وضعت من قبل الكرملين ورددت في الغرب: جادلت بأن روسيا لم تتراجع في سورية؛ ففي الواقع هي فعلت عكس ذلك تماماً.
وتشير البيانات الأساسية الأبرز في المقال إلى أن:
- روسيا سحبت فقط 20٪ من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، والطائرات التي من المحتمل أن تعود إلى سوريا في غضون ساعات.
- تم توثيق وجود طائرات هليكوبتر هجومية جديدة في قواعد روسيا منذ إعلان "الانسحاب"، وهذه المروحيات قادرة على توسيع عمل روسيا في سورية، وإحدى هذه الطائرات الهليكوبتر على وجه الخصوص، كاموف كا 52 "هوكوم"، هي أكثر ملاءمة لحملة جوية أحدث وأكثر دقة، خلافاً للتي شهدتها سورية في الستة أشهر الماضية.
- تحليل رويترز يظهر أن القواعد الروسية في سوريا قد أحضرت المزيد من الشحنات في الأسبوعين الأخيرين بعد الإعلان عن الانسحاب، أكثر من التي غادرت سورية.
- أدلة جديدة، والكثير منها كان مصدرها الترجمة الفورية، أظهرت أن مرتزقة روس يقاتلون في تدمر، وهم جنود لا يكلفون الكرملين إلا جزءاً صغيراً مما قد يكلف الانتشار العسكري، وعادة عندما يقتل هؤلاء المرتزقة، لا تصدر لهم نعوى في الصحف، على الأقل ليس في روسيا.
أهمية سقوط تدمر
في ذات المقالة، قمت بتقييم مدى أهمية تدمر لنظام الأسد وحلفائه في لبنان، وإيران، وموسكو: فتدمر، الواحة في الصحراء، والمدينة التي تقع على منتصف الطريق الطويل الذي يمتد من العاصمة السورية على طول الطريق من الحدود العراقية، هذه المنطقة قليلة السكان، وبالتالي سمحت لتنظيم الدولة بالتحرك بوسط سورية دون مراقبة، فكانت تحركاته سهلة بين معاقله في الرقة ودير الزور، ومحافظة الأنبار العراقية، وهذا الطريق يشكل تهديداً أمنياً كبيرا للأسد، لأنه يسمح للتنظيم بضرب حمص أو دمشق.
ومع ذلك تم تجاهل التنظيم من قبل نظام الأسد لفترة كبيرة من الصراع، حيث يضطر كل منهما إلى القيام بالمهمات العسكرية الأكثر إلحاحاً في أي مكان آخر.
ورغم ذلك، تقع تدمر بالقرب من أكبر حقول الغاز الطبيعي في سورية، وفي عام 2013 تم نشر القوات "السلافية" –وهي قوات روسية خاصة- في هذه المنطقة للدفاع عن تلك الحقول لكنها عانت خسائر فادحة.
و طوال عام 2014، شن تنظيم الدولة الإسلامية عدة هجمات ضد حقل غاز "الشاعر" الأكبر في سوريا، وفي بعض الأحيان سيطر على أجزاء من الحقل، فضلاً عن العديد من الحقول الأخرى، ويخوض الجانبين معارك (كر وفر) في المنطقة منذ ذلك الحين، ولكن الأحداث في سورية أجبرت القوات الحكومية السورية على القيام بتراجع تكتيكي في صيف 2015 وذلك لمنع تقدم الثوار في محافظة إدلب وكبح التهديد الذي يحيط بمحافظة اللاذقية.
في ذلك الوقت، توقع بعض المحللين مرة أخرى انهيار النظام، ولكن تدمر والتي تقع على بعد 120 ميل من محافظة اللاذقية، وفي وسط الصحراء، لم تكن تمثل أولوية بالنسبة لنظام الأسد، وعندما قامت قوات الأسد بتعديل أوضاعها في المناطق الشمالية الغربية من البلاد، استغل تنظيم الدولة الوضع وغزا تدمر، والآن وبعد تراجع الثوار، بسبب دعم حلفاء النظام الروس والإيرانيين، أصبح الأسد قادراً على التركيز على هدفه وضمان أنه محمي عسكرياً واقتصادياً.
يقول الخبير السوري "حسن حسن" – في صحيفة ذا ناشونال- وهو من البوكمال، المدينة التي دخلها تنظيم الدولة أولاً من العراق: "إن استعادة نظام الأسد لمدينة تدمر هو نصر سياسي، ومحاولة واضحة من بشار الأسد لإعادة كتابة التاريخ"، وحذر حسن من أن الكثيرين في وسائل الإعلام قد حصلوا على الرواية الخطأ، وأنه على الرغم من الأسد قد قام ببعض الضربات المحدودة ضد التنظيم، إلا أن ذلك كان من أجل تحقيق أهداف أخرى، فهدفه كان ولا يزال القضاء على قوات الثورة المعتدلة والمدعومة من الغرب.
كما وذكرت بعض التقارير أن النظام سيستخدم تدمر كمنصة انطلاق لاستعادة السيطرة على دير الزور والرقة من التنظيم، على الرغم من أن الرقة أقرب إلى معاقل للنظام في حلب وحماة من تدمر، كما وحلل آخرون بشكل غير دقيق بان انتصار النظام في تدمر هو أكبر هزيمة لتنظيم الدولة منذ عامين في سورية.
ولكن ينبغي على المراقبين أن لا يقعوا في خطأ المبالغة بقدرات النظام كما فعلوا في شباط عندما كان العديد من القوات الحكومية السورية تفكر باستعادة السيطرة على حلب، ولكنها فشلت، فاستعادة تدمر في المقام الأول هي خطوة سياسية بالنسبة للأسد، وأصبحت تدمر والرقة فجأة ذات أهمية استراتيجية للنظام -كجزء من "سوريا المفيدة"- لتعزيز مكانته باعتبارها القوة الأكثر فعالية ضد المتطرفين.
وقد يسعى النظام لاستعادة السيطرة على القاعدة الجوية "الطبقة" في الرقة، من أجل تأكيد "سيادته" على المدينة الوحيدة حيث لا يوجد لقواته أي سيطرة هناك، وبالتالي ليثبت للعالم أنه قوة قادرة ضد المتطرفين، خصوصا أن الهدنة بين الحكومة والثوار مستمرة.
وقال حسن أن هزيمة التنظيم في تدمر هو شيء جيد، ولكن نظام الأسد لن يرحم أيضاً المدنيين في تدمر، ففي مقال على الاندبندنت، بتاريخ 4 نيسان، وصف رجل من مدينة تدمر النظام السوري بانه سيئ كتنظيم الدولة، تحت عنوان "أنا من تدمر والأسد ليس بأفضل من التنظيم".
بعد تدمر، الخطوة التالية للأسد هي مهاجمة الثوار المعتدلين
بعد هزيمة التنظيم في تدمر، أشاد الكثير من المحللين بالأسد والروس لمواجهتهم الجماعة الإرهابية، في حين أن تقييمي الخاص، وتقييم بعض أفضل الخبراء في هذه الأزمة، هو أن الأسد كان يستفيد من وقف إطلاق النار لتأمين المناطق التي كانت جغرافياً وسياسياً واقتصادياً مهمة له، وكما قال حسن حسن، تدمر كان مجرد خطوة أولى مريحة، كما أن النظام سيعود بسرعة إلى العمل كالمعتاد، وذلك باستغلال وقف إطلاق النار لتحقيق مكاسب خاصة به.
وكنا على حق، فمباشرة بعد سقوط تدمر، بدأ الأسد وحلفائه هجوماً جوياً وبرياً كبيراً على الجماعات الثورية المدعومة من الغرب في ضواحي دمشق، وفيما يلي مقتطفات من تحليل نشر في سوريا على موقع "سوريا مباشر" بتاريخ 31 أذار، أي بعد أربعة أيام فقط من استعادة النظام لتدمر، حيث يذكر المقال أن النقطة المحورية الجديدة في هجمات النظام الآن هي شرق الغوطة في العاصمة دمشق، المنطقة التي فشل النظام في استعادة السيطرة عليها منذ أوائل الربيع من عام 2013، منطقة استخدمت قواته غاز السارين لقتل سكانها وإضعاف صمودهم في وقت لاحق من ذلك العام.
" لقد التزمت الكتائب الرئيسية في الغوطة الشرقية باتفاق "وقف الاعمال العدائية" وهي "فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام"، ويقولون أنهم التزموا بالاتفاق للمحافظة على الأراضي التي بحوزتهم، في حين ينتهك نظام الأسد الاتفاق بالعمليات الهجومية التي يشنها ضد المنطقة".
ويرى المتحدث باسم فيلق الرحمن، وائل علوان، أن أحدث محاولات النظام لإحراز تقدم في الشرق الغوطة ترتبط مع المفاوضات الدولية في جنيف لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية السورية، والتي امتدت لخمس سنوات.
وأضاف: "إن المجتمع الدولي يتجه بشكل اسرع نحو حل للنزاع، ولذلك يحاول النظام، قبل المفاوضات المقبلة، من أن يزيد المنطقة الخاضعة لسيطرته".
وفي 1 نيسان، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" بمقال بتاريخ 5 نيسان 2016 أن النظام السوري كان مشغولاً جداً بالضربات الجوية، كما ولو أن التوقيع على اتفاق وقف الاعمال العدائية لم يحدث على الإطلاق، "مرة أخرى، كانت الأهداف هي موجة جديدة من الضربات الجوية على مناطق الثوار المعتدلين، دون تنظيم الدولة، فاستهدف الأسد ريف حلب وكذلك بلدات في حمص وحماة ومناطق الثوار في اللاذقية، بالإضافة إلى ضواحي دمشق وأدى ذلك لمقتل 31 شخص على الأقل في ريف دمشق الشرقي، وكانت من ضمن الاهداف مدرسة ومسجد".
وتمثل الهجمات ارتفاعاً سريعاً في وتيرة العنف الذي كان قد خفض بشكل كبير بعد أن وافقت الحكومة السورية والعديد من الجماعات الثورية على هدنة توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا في 27 شباط.
وفي يوم 3 نيسان، حذر حسن حسن أن القتال أصبح على نطاق واسع وقد يندلع في جميع أنحاء البلاد؛ فالأسد وبعد أن حصل على ما يريد من تدمر، بات تركيزه على المعارضة المعتدلة، والثوار لن يجلسوا مكتوفي الأيدي.
السؤال الكبير والذي يبقى دون إجابة هو: ليس إذا كان النظام السوري سيستمر في مهاجمة تنظيم الدولة أم لا، بل هل سيستطيع الأسد الحفاظ على الأراضي التي سيطر عليها أمام الثوار المعتدلين مع تقليل الروس لدعمهم الجوي.. ذلك ما سنعرفه لاحقاً.