بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
تمكنت ما تسمى بالدول الضامنة لمسار أستانة (موسكو، أنقرة، طهران) من التوصل إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، وفقًا لاتفاق وقّع في أيار/مايو 2017. وفي إطار الاتفاق، تم إدراج إدلب ومحيطها (شمال غرب)، ضمن "منطقة خفض التصعيد"، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وعلى خلفية انتهاك وقف إطلاق النار من قبل النظام السوري، تجددت اللقاءات بين أنقرة وموسكو، اللتان توصلتا لاتفاق إضافي بشأن المنطقة ذاتها، بمدينة سوتشي، في 17أيلول/سبتمبر 2018، عرف باسم "اتفاق سوتشي".
لتجدد قوات اﻷسد منذ 25 نيسان/أبريل الفائت خرقها، عبر شن هجمات واسعة وبغطاء جوي روسي استهدفت منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب وجوارها وكذلك ريف حماة، أدى إلى استشهاد وجرح مئات المدنيين، وتمكنت تلك القوات من السيطرة على عدد من المواقع في المنطقة.
ويقطن منطقة "خفض التصعيد"، نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف من المهجرين قسرياً، بعد سيطرة النظام على مناطقهم.
مبررات موسكو
يقتضي اﻻتفاق التركي-الروسي بسحب السلاح الثقيل، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وكان على من تصفهم موسكو بالمتشددين الانسحاب منها؛ ما فرض على تركيا معالجة الملف.
ويرى مسؤولون روس-حسب رويترز- أن صبر روسيا نفد على ما تعتبره تقاعس تركيا عن تحجيم هيئة تحرير الشام.
والملاحظ أن أغلب القصف تركز في الجزء الجنوبي من مناطق المعارضة بما في ذلك المنطقة منزوعة السلاح.
ومن المهم أن نقرأ في هذا السياق تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نقلتها رويترز في وقتٍ سابق، قال فيها إن "هجوماً شاملاً في إدلب ليس بالأمر العملي في الوقت الراهن".
في حين تعتبر المعارضة، وفق محللين، أن هدف موسكو ومعه النظام؛ السيطرة على طريقين رئيسيين يؤديان إلى حلب، يمتدان جنوباً من مدينة إدلب عبر مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، بالوقت ذاته، تسعى موسكو؛ لتأمين قاعدتها الجوية في اللاذقية من هجمات المعارضة.
مقاومة نوعية
في مواجهة الهجمة الشرسة التي تمكنت خلالها قوات النظام من استعادة عددٍ من المناطق، استخدمت المعارضة تكتيكات عسكرية نوعية واستراتيجية، استطاعت بعد امتصاص الصدمة من قلب مسار العمل العسكري لصالحها، وفق المعطيات على اﻷرض، باﻹضافة إلى توحيد الجهود بين الفصائل، فبرز دور بعض اﻷسلحة التي وصلت لمقاتلي المعارضة عبر تركيا، ما أعطى رسائل أخرى للجانب الروسي، رغم قلة التصريحات الرسمية التركية حول ملف التصعيد
وبالمجمل؛ كانت الكمائن والإغارات، إضافة للعمليات النوعية، سبباً كافياً لتراجع موسكو عن الزج بقوات النخبة (قوات النمر)، واﻻعتماد على "عناصر المصالحات" وغيرهم من المرتزقة، أثبتت المعارك الدائرة على اﻷرض تقهقرهم أمام ضربات الفصائل.
ولم تستطع القوات الموالية للأسد رغم ضراوة النيران وكثافة القصف الجوي والمدفعي من التقدم، وبقيت تتلقى الصفعات الموجعة والخسائر في كوادرها البشرية وعتادها العسكري.
بالمقابل؛ تمكنت المعارضة في الأيام القليلة الماضية من التقدم على مواقع جديدة في ريفي حماة الشمالي والغربي، أبرزها: تل ملح، الجبين، مدرسة الضهرة.
ورغم تفوق روسيا عسكرياً إﻻ أنّ تكتيك اﻻستنزاف كبديل عن المواجهة المباشرة وشن إغارات خاطفة في الخواصر الرخوة غير المحصنة، فضلاً عن تدمير عشرات الآليات فور استقدامها للجبهات بواسطة الصواريخ الحرارية المتوفرة بكثرة لدى مقاتلي المعارضة يلخص تفوق أو على اﻷقل تكافؤ القوتين في المرحلة الراهنة، بعد تحول قوات اﻷسد إلى صيدٍ سهل بالنسبة لفصائل المعارضة الذين استفادوا من الطبيعة الجغرافية الجبلية في مناطق الاشتباك.
هدنة مؤقتة
تحدثت مصادر إعلامية موالية للنظام السوري عن تهدئة في ريف حماة الشمالي لمدة ثلاثة أيام، ونشر "عمر رحمون"، وهو وسيط لاتفاقيات مصالحات في سوريا، تغريدة عبر "تويتر" اليوم الأربعاء 12 حزيران الجاري، عن وجود "هدنة تمتد لثلاثة أيام بريف حماة الشمالي".
ونفت فصائل المعارضة أي حديث أو علم حول هدنة بينها وبين قوات النظام وروسيا بحسب ما روجت له صفحات وقنوات موالية للنظام، اليوم الأربعاء.
وقال المتحدث باسم جيش العزة النقيب "مصطفى معراتي"، لبلدي نيوز، إن جيش العزة لا علم له بموضوع أو طرح الهدنة، ولم يبلغه أي طرف بذلك.
وأضاف "معراتي"، أن "مؤتمرات سوتشي وآستانة وغيرها لم توقف القصف على مناطقنا... نحن في جيش العزة سنبقى حربة في نحورهم".
ولفت النقيب "معراتي" في حديثه لبلدي نيوز، أن المناطق التي استطاعت الفصائل السيطرة عليها مؤخراً في ريف حماة من قوات النظام، شكّلت عدة فوارق أساسية في الحرب، كان أهمها انتزاع زمام المبادرة ونقل المعركة إلى أرض العدو، حسب قوله.
بدوره، أكد النقيب "ناجي مصطفى" المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير لبلدي نيوز، أنه لا يوجد أي هدنة أو حتى اتفاق حول الموضوع، منوهاً أن فصائل الجبهة الوطنية مستمرة في القتال لاسترجاع المناطق التي سيطرت
عليها قوات النظام، وأن الجبهة الوطنية لم توافق سابقاً على أي طرح لموضوع الهدنة إلا بانسحاب النظام من المناطق التي سيطر عليها، وعودة المدنيين إليها بأمن وأمان، وبالتالي لا توجد أي هدنة حول هذا الموضوع حسبما جاء على لسان المتحدث الرسمي.
أسباب الهدنة
وتشير المعطيات على اﻷرض وبقراءة نتائج المعارك أنّ قوات النظام، انهارت على جبهات الشمال السوري، وبالتالي لم يعد لديها قدرة الاستمرار في عمليات عسكرية.
ويقتضي التنويه أن موسكو طلبت هدنة في وقت سابق نهاية أيار /مايو الفائت تم مقابلتها بالرفض من طرف المعارضة.
بالتالي؛ من المنطقي أن تهدید مقاتلي المعارضة للخطوط الحمراء الروسیة واستمرار استهداف حميميم، دون جدوى العمل العسكري على اﻷرض دفع لطلب الهدنة.
يمكن القول أنّ مطلب الهدنة يفترض سيناريوهات تؤكد ميدانياً أنّ اللعبة خرجت من نطاق سيطرة الروس وحدهم، وتقع ضمن مستجدات دولية وإقليمية، رغم أنها لم تتكشف بعد، لكن اليد اﻷمريكية، والتقارب مع أنقرة يخيف الروس.
إضافةً لذلك؛ إنّ تكلفة الحرب اﻷخيرة (الهجمات على ريف إدلب وحماة)، أنهكت الحكومة الروسية، بالنظر لعدد الغارات اليومية، فضلاً عن اﻹنقاق الذي تتكبده، بموازاة حكومة اﻷسد المنهار والتي لا تمتلك بدائل للوفاء بالدين.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية لتكلفة الهجمة اﻷخيرة، منذ نهاية آذار /مارس وحتى اليوم؛ إﻻ أنها وفق تقديرات عسكرية، تؤكد أنها (باهظة).
ميدانياً؛ الإرهاق الروسی والإنهاك بات واضحاً، على المستوى الفني، من حيث انخفاض قدرات الطيران الحربي على مزيدٍ من الطلعات، أو ما يسمى "تعمیر الطیران".
يفرض على الجانب المهاجم، طلب هدنة ليس مؤقتة فحسب بل على مدى أطول، على اﻷقل ﻹنهاء ملف شائك، يتمثل بوجود تيار القاعدة، أحد أخطر الملات بوجود المهاجرين اﻷجانب.
وبالمحصلة؛ يأتي رفض المعارضة للهدنة منطقياً؛ مع اعتبارها إحدى حركات المراوغة الروسية، ودليل فشل العمل العسكري من طرفها، ما يعني تفوق مقاتلي المعارضة، الذين كسبوا جولة "عض اﻷصابع" وكسر العظم.
يضاف لذلك، أنّ المعارضة متأكدة من أن موسكو تخطط للسيطرة على كامل الشمال السوري عبر اتباع سياسة قضم المنطقة تلو الأخرى، وتلجأ للهدن للحد من الخسائر التي تتلقاها في الميدان.
بالمختصر، موسكو تخشى النتيجة التي تحدث عنها المحلل السياسي "نصر الفروان" على صفحته الشخصية في فيسبوك؛ "إن هزيمة روسيا في سوريا سيكون بمثابة تحول يتيح للولايات المتحدة فرصة جديدة لإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية والدولية طلباً لعالم طيع وسعياً نحو علاقات دولية تحركها واشنطن بأقل قدر من المسؤوليات وأدنى مستوى من النفقات".