بلدي نيوز - (فراس عز الدين)
تركت الحرب آثارها على الشمال السوري المحرر، فهنا بناءٌ دمرته طائرات روسيا، وهناك أثرٌ لقذائف المدفعية، لكن وجه مدينة إدلب وسكانها يبقى ينبض بالحياة؛ فالناس هناك يسيرون إلى أعمالهم، صافرة الإنذار التي تدوي من حين إلى حين لم يعد يلتفت إليها الكثيرون، المحلات بدأت تمتلئ، وتنشط حركة الباعة التجارية.
ليس بعيداً عن "ساحة الساعة"، تنتشر المطاعم التي بدت متنفساً لطبقةٍ وشريحةٍ من أهالي إدلب وما حولها، ويؤكد الأهالي أنّ وجه مدينتهم كان مفعماً وسيبقى على الرغم من كل الظروف.
ويعزو "أبو منتصر" وهو أحد العاملين في مطعم "العمدة "الإقبال على سلسلة المطاعم المنتشرة وسط المدينة، إلى نوعية الوجبات التي تقدمها، وطبيعة المكان الذي يشبه بيوت دمشق القديمة بطرازها الذي يذكر بعبق الشام.
وقال "محمد السيد" من أبناء إدلب لبلدي نيوز؛ إن وجود هذه المطاعم أسهم في إيجاد متنفس لشرائح متعددة من الناس، والإقبال عليها مرتبط بأسعارها التي تتناسب مع الجميع، فهناك من يبيع سندويشة الشاورما بمئتين وخمسين ليرة سورية، وغيره بخمسمائة ليرة.
بينما يؤكد "أبو عبد الرحمن" من أبناء داريا وصاحب مطعمٍ للفول والفلافل، لبلدي نيوز، أن الفلافل تلقى رواجاً أكثر من غيرها مقارنةً بسعرها، وباعتبارها وجبة شعبية محببة، لكن عدم الاعتناء بمكان لاستضافة العائلات، وبيعها بطريقة عالماشي، تدفع بعض العائلات باتجاه المطاعم اﻷخرى، على اﻷقل ﻷخذ قسطٍ من الراحة في أيام العطلة".
وأردف "المطاعم كما الحدائق بالنسبة للبعض، متنفس، وما عليك إﻻ الذهاب إلى المكان الذي يتناسب وطبيعة دخلك".
مرةً واحدة تكفي!
عوائل دمشقيةٌ تعتبر نفسها من أصحاب الدخل المتوسط، تجد فرصةً لها يوم الجمعة لاستذكار ما يسميه أهل دمشق "السيران الشامي"، حيث يدخلون المطعم من هذا الباب، فتارةً لتناول الحلوى وأخرى للحصول على كأس عصير، وثالثة مخصصة لوجبةٍ سريعة.
يقول "ناصر" 54 عاماً، وهو عامل في إحدى ورشات كهرباء السيارات ومن مهجري ريف دمشق؛ "اعتدنا قبل الثورة على نمط حياةٍ ارتبط بمفهوم السيران نهاية اﻷسبوع، ارتياد المطاعم، المزارع وما شابه. أثناء الحرب اختفى ذلك تقريباً، لكن هنا عادت اﻷمور نسبياً إلى وضعٍ مقبول، ومرة واحدة تكفي العائلة لتجتمع على مائدة أو في بستان".
مشاريع ناجحة
وتحدث "رامي" صاحب مطعم وجبات سريعة لبلدي نيوز، أن تلك المطاعم ﻻ يمكن أن يكتب لها الاستمرارية التي تعني النجاح إلا بتوفر عوامل محددة وهي "نوعية اللحوم والخضروات، إضافة لنظافة المحل، وحسن التعامل والضيافة مع الزبائن تترك أثراً طيباً لديهم؛ يدفعهم للعودة واعتياد أو ألفة المكان".
وأضاف "اﻷسعار المنافسة مهمة، لكن شريطة أﻻ تكون على حساب الجودة".
وأشار إلى نقطة اعتبرها بغاية اﻷهمية؛ وهي اﻻستمرار في تقديم اﻷفضل وتحسين النوعية كشرط للاستمرار؛ فكثير من أصحاب المطاعم، يتراجعون على حساب الشهرة وبعضهم يغره اﻷمر ويصبح تركيزه على الاسم لجذب الزبائن، ليتفاجأ بأن أعداد رواد مطعمه تناقصوا مع مرور الوقت".
فيما يعتبر "اﻻستقرار اﻷمني" فعلياً واحداً من العوامل الهامة في نجاح مشاريع المطاعم بمختلف أنواعها، كبيرة أو صغيرة؛ إذ يستحيل أن يفكر الناس بدخولها في حال اﻹحساس بالخوف، وهذا اﻷمر وإن لم يتحقق بعد بصورته الحقيقية الكاملة، لكنه بات مقبولاً بحسب "عصام" 53 عاماً، الذي يعمل محاسبا في أحد مطاعم إدلب للوجبات السريعة.
وتبقى فسحة اﻷمل موجودة؛ فالحياة في مدينة إدلب تعتمد فيها السعادة على طبيعة سكانها الذين يقولون بأنهم مؤمنون بقضيتهم وفي نفس الوقت عندهم من اليقين أنّ همهم سيفرج برحلةٍ أو اجتماعٍ عائلي في مطعمٍ على سبيل المثال؛ فهذا من شأنه أن يزيح الهمّ ويقرب المسافة حتى بين اﻷصدقاء.