Haaretz – ترجمة بلدي نيوز
حين تشاهد آخر فيديو مصور من قبل الصحفي والمصور "وسيم العدل" في شهر تشرين الأول 2015، بالقرب من "بنين" في محافظة إدلب، تجد أنه مختلف كثيراً عن عشرات الآلاف من الفيديوهات التي خرجت من سورية على مدى الخمس سنوات الماضية، فهو لا يظهر عملية إنقاذ طفل من تحت الأنقاض، ولا إحدى عمليات الإعدام التي ينظمها تنظيم الدولة بمقاتلين يلوحون ببنادق الكلاشينكوف.
المقطع المصور من قبل "وسيم" لا يظهر أي شيء سوى الأرض السورية التي سقط عليها الصحفي مضرجاً بدمائه عندما أصيب بانفجار قنبلة روسية، حيث تستمر الكاميرا بالتصوير متجهة إلى الأرض، و تسمع في الخلفية وسيم وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة، ومن ثم يتوالى صراخ الناس طالبين المساعدة، وفي نهاية المقطع البالغة مدته 61 ثانية، تهتز الأرض مرتين بسبب قيام الطائرات الروسية بجولة ثانية من القصف على نفس المكان.
هذا التوثيق للصراع -مختلف جداً ولكنه فعلاً يمثل هذه الحرب الي استمرت لمدة خمس سنوات حتى الآن، فهو يصور الأرض، القصف على كل بيت وقرية، حتى يكاد يكون من المستحيل معرفة من يحكم هذه المنطقة أو تلك، وتظهر خرائط تحاول رسم المناطق مثل لوحة للفنان "كاندينسكي"، فهي حرب محلية للغاية، وفي نفس الوقت تهيمن عليها المنافسات الإقليمية والعالمية والقوى الأجنبية التي غالبا ما تظل غير مرئية حتى اللحظة التي تنفجر فيها قنبلة او صاروخ.
ولا تستطيع وسائل الإعلام والصحافة الدولية تصوير هذه الحرب، إلا من وراء الأمان الذي تقدمه الحدود أو من وراء شاشات الكمبيوترات، فقد أدى مقتل صحفيين غربيين في قصف من قبل نظام الأسد في حمص، وهما: ماري كولفين، المراسلة الحربية الأمريكية الجنسية التي تعمل لحساب جريدة صنداي تايمز، والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، بالإضافة إلى (قطع الرؤوس) الذي انتهجه تنظيم الدولة ضد الصحفيين الغربيين، إلى اقتصار وجود الصحافة الدولية على زيارات قصيرة، وعلى الأكثر، إلى مناطق آمنة نسبياً مثل دمشق وما يسمى بالأراضي الكردية.
وعلى الرغم من ذلك، كانت الحرب السورية أكثر الحروب تصويراً وتوثيقاً في التاريخ، بل وهناك تيار مستمر من الصور يظهر باستمرار، وتقريباً في الوقت الحقيقي للحدث بفضل التكنولوجيا الحديثة التي سمحت لكل رجل وامرأة على الأرض أن يستخدما الهاتف المحمول لتوثيق الحرب بالصور والفيديوهات وتحميلها على شبكة الانترنت.
وبفضل المواطن الصحفي مثل وسيم العدل، والذي كان يذهب بنفسه لتصوير خطوط المواجهة، وفي كثير من الاحيان كانت المعارك خارج باب بيته تماماً، استطاع أن يجعل العالم يعرف ما يحدث في سورية، وبالتفاصيل.
ووفقاً لتقديرات مختلفة، قتل أكثر من 600 صحفي سوري آخر في الحرب، ولكن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، فأي شخص كان يصور ويبث ما يحدث، يمكن اعتباره صحفياً عند وفاته، فلقد شغلت هذه المقاطع والصور الفراغ الناجم عن ابتعاد وسائل الإعلام الرئيسية، وربما لا يتسم بعضها بالمهنية، ففي الواقع تخدم أشرطة الفيديو هذه في كثير من الأحيان أغراضاً دعائية من أحد الطرفين او الفصائل، والقليل منها قد يكون تمثيلياً، ولكن الحجم الهائل للقطات وتحسن مهارات التصوير -جعلت تحليل الصور امراً سهلاً نسبياً للتخلص من التزوير- نتيجة لاستخدام البرمجيات البصرية.
إذاً.. هذه الصور والفيديوهات ليست فقط توثيقاً للحرب السورية، بل حفزت العالم أيضاً تجاه الأحداث والتحولات التي نشأت عن مصائب الحرب، وأصبح العالم، أو على الأقل الجزء الصغير المهتم بما يحدث في سورية، على علم بما يجري هناك، كما أن ملايين اللاجئين في المنفى، استمروا في متابعة الاحداث في سورية عن كثب، على شاشات هواتفهم المحلية، تماثل تلك التي تستخدم لتصوير المشاهد الحربية.
الكاتب المسرحي اليوناني "إسخيلوس" كتب قبل 2500 سنة: "في الحرب، الحقيقة هي الضحية الأولى"، ففي الوقت الذي تحاول فيه كافة الأطراف تصوير أعدائهم كمجرمي حرب إرهابيين، يقوم الصحفيون المدنيون والناشطون في سورية بالمخاطرة بحياتهم.. لإحياء الحقيقة مرة أخرى وإعطاء وجوه وأسماء وأصوات ما يقرب من نصف مليون قتيل، وسبعة مليون لاجئ، الفرصة لنقل صدق ما يجري في الحرب في سورية.