بلدي نيوز - (ملهم العسلي)
بعد المظاهرات العارمة في الغوطة الشرقية وعجز النظام عن إيقافها بالرصاص وحده، قررت قوات النظام اجتياح مدن وبلدات الغوطة الشرقية بالدبابات والسلاح الثقيل بتاريخ 27/01/2012، لإخماد جذوة الحراك السلمي، واستمرت الحملة مدة يومين كاملين، استشهد على إثرها مئات المدنيين.
وأعادت قوات النظام فرض قبضتها الأمنية على المنطقة بشكل محكم، ما دفع بعناصر الجيش الحر والثوار من المدنيين -الذين حملوا السلاح إلى جانب الجيش الحر لمقاومة جيش النظام- الخروج من الغوطة والاختباء في العاصمة دمشق والمناطق الموالية لإبعاد الأنظار عنهم.
واستمر أهالي الغوطة الشرقية بالخروج بمظاهرات حاشدة على الرغم من القبضة المحكمة التي فرضها النظام داخل الغوطة الشرقية ونشر مئات الحواجز، واعتمدوا على المظاهرات الخاطفة التي يواجهها النظام بالرصاص الحي، ومع تضيق الخناق أكثر فأكثر بدأ الأهالي بالتسلح عن طريق شراء أسلحة بأسعار مغرية من جيش النظام المنتشر في أزقتهم وأحيائهم، وظهرت مقاومة شعبية تهاجم الحواجز والدوريات والمواكب الأمنية.
وفي الوقت الذي انشغل النظام بقمع الغوطة الشرقية، كان الدمشقيون الأحرار يخرجون بمظاهرات سلمية في المناطق الحساسة وسط العاصمة، بينما جابت المظاهرات الكثير من الأحياء الدمشقية مثل الميدان والمزة وركن الدين ومخيم اليرموك والقدم والحجر الأسود وببيلا وبيت سحم، وفي الريف الغربي داريا والمعضمية ومضايا والزبداني وخان الشيح ووادي بردى وقدسيا والهامة ويبرود وقرى القلمون.
مراحل التحرير
حشد الثوار من مختلف مناطق دمشق وريفها جهودهم، لإزالة حواجز النظام في الريف الدمشقي، وتمكنوا من إزالتها أواخر عام 2012، وانطلقوا من مدينة دوما وصولاً إلى مدينة درايا والمعضمية وبعدها إلى رنكوس على الحدود اللبنانية، ومع إزالة الحواجز بدأ الجيش الحر والثوار تحرير الثكنات العسكرية والتي حولها النظام مراكز ينطلق منها لقمع المظاهرات وشن حملاته الأمنية.
تشكيل الفصائل العسكرية
مع تحرير مناطق الريف الدمشقي، بدأ الثوار والمنشقين عن جيش النظام تشكيل كتائب وألوية لتنظيم العسكرة، وكان لابد من توحيد هذه الجهود العسكرية الكبيرة لإعداد فصيل عسكري شامل، يدير اقتحام العاصمة دمشق والتي يعتبر تحريرها إسقاط للنظام وانتهاء الثورة بنجاحها، فكان الاسم الأول والجسم الأكبر الذي يضم الثوار والمنشقين من جيش النظام، "ألوية الحبيب المصطفى" ثم ظهرت تشكيلات أخرى موازية لهذا التشكيل مثل "لواء الإسلام" وكتائب الصحابة، وتجمعوا جميعاً تحت اسم "تجمع أنصار الإسلام".
في هذه المرحلة من تشكيل الفصائل كان النظام منشغلا بإعداد خطة تقسيم مناطق ريف دمشق عن بعضها، ورسم الحدود ما بين مناطق سيطرته ومناطق تواجد تلك التشكيلات العسكرية والتي كان يعجز عن إزالتها أو مقاومتها في بعض المعارك، ليفصل كلا من الغوطة الشرقية عن الغربية باقتحام مدينة داريا والتي ارتكب فيها مجزرة راح ضحيتها المئات ذبحاً نهاية عام 2012، ليعاود فصل مدينة دوما عن القلمون بنصب حواجز وتدعيم الثكنات الواقعة بين المنطقتين مثل مطار الضمير العسكري، والعديد من الكتائب والثكنات المتمركزة بأعلى الجبال المطلة على الغوطة الشرقية.
حصار الغوطتين
نجح النظام بتقسيم المناطق ريثما أعاد ترتيب صفوفه لاستعادتها لاحقاً، بعد أن حاول استعادتها عبر استهداف الغوطة والمعضمية بصواريخ الكيماوي والتي ارتقى فيها قرابة 1500 شهيد، ليعيد التخطيط على المدى الطويل في معركة أسماها "دبيب النمل"، حيث أصبحت المناطق المحررة في ريف دمشق محاصرة كل منها على حدا بعد عزلها عن بعض، وبدأ حصار الغوطة الشرقية في الشهر 3 من عام 2013، وافتقد فيه الأهالي أدنى مقومات العيش بعد أن قطع النظام المياه والكهرباء والاتصالات بداية انطلاق الثورة، كما الحال ذاته في داريا والمعضمية ومضايا والزبداني وجنوب دمشق.
وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي من مدينة مضايا "فراس أبو جواد"، لبلدي نيوز، بدأ النظام حصاره الخانق على مدينة مضايا وقرية بقين منتصف عام 2013، وذلك بهدف الضغط على الأهالي للخضوع لإجراء مصالحة، وبعد مضي أسابيع على الحصار توفي عدد من الأطفال نتيجة الجوع وسوء التغذية، ما دفع بالثوار القبول بالمصالحة إعلامياً، ومع استمرار النظام بالضغط على ثوار المنطقة للاستسلام وتسوية أوضاعهم، رفضوا ذلك وكان عاقبة المنطقة حصارا جديدا ومعركة شرسة راح ضحيتهما مئات المدنيين جوعاً وقصفاً.
يقول الناشط الحقوقي "أنس أبو عماد" من الغوطة الشرقية لبلدي نيوز، "إن حصار الغوطة وطول وقته كان كفيلا باستنزاف جميع مقدرات الأهالي، ليخيم شبح الجوع على أسرة بعد الأخرى، ويتساقط الأطفال واحدا بعد الآخر بسبب إصابتهم بسوء التغذية أو أمراض لا يوجد علاج أو دواء لها.
وأضاف، أن تجار البضائع الذين سمح لهم النظام ادخال بعض المواد الغذائية مقابل دفع إتاوات تتجاوز 20 ضعف في بعض الأحيان، تقاسموا الحصار مع قوات النظام بأرباحهم وتجارتهم، حيث وصل كيلو السكر ل 15000 وتجاوز 20000 ل.س في بعض الأحيان، فيما لا يتجاوز دخل الأسرة الشهري سعر كيلو غرام من السكر في حال توفرت فرصة العمل.
وأشار إلى أن عشرات الأطفال قضوا جراء إصابتهم بسوء التغذية، بينما قضى العشرات أيضاً بسبب عدم توفر الدواء أو العلاج المناسب لحالتهم، في الوقت الذي يعيش فيه موالو النظام على بعد كيلو مترات في العاصمة دمشق برفاهية وترف، في رسالة لكل من اختار الوقوف في صف الثورة أن هذا مصيركم الموت جوعاً.
رغم ذلك لم تنجح محاولات النظام بكسر نفوس الثائرين والتخلي عن مطالبهم برحيل الأسد ومحاسبة كافة رموزه الإجرامية.