بلدي نيوز- (حذيفة حلاوة)
في هذه السلسلة من التقارير نجمل أبرز التطورات التي شهدتها محافظة درعا منذ اندلاع الثورة منذ عام 2011 وصولاً إلى الذكرى الثامنة، مع الحديث عن الأسباب والمنحنيات التي تسببت بالوصول لهذه المرحلة، وتسليم المنطقة لقوات النظام، ومن المؤكد بأننا لن نتمكن من الحديث عن كامل الأحداث والتضحيات التي قدمها الشعب السوري لأسباب بشرية تتعلق بعدم قدرتنا على الوصول لتفاصيل بعضها أو لنسيان أخرى.
لم يتوقع عدد من الصبية في أحد أحياء مدينة درعا، بأن يتمكنوا من خلال بعض الكتابات على الجدران من تغيير مصير شعب بكامله، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه تلك الكتابات، عبثية الصبية المدموجة بالطموحات الداخلية لأي شعب بالحرية والكرامة.
في بداية عام 2011، اعتقلت مخابرات الأسد عددا من الصبية لم يتجاوز الكبير بينهم عمر الخامسة عشر عاماً حينها، واقتادتهم إلى أقبية السجون في فرع فلسطين على أطراف العاصمة دمشق في محاولة من النظام القمعي للقضاء على أي محاولة شعبية للتعبير والحصول على الحرية، ومنعهم من الالتحاق بدول الربيع العربي.
لم ينتظر الأهالي كثيراً ليخرجوا عن صمتهم للمطالبة بأبنائهم "القصر" المعتقلين لدى مخابرات الأسد.
ومع سقوط رأس النظام الحاكم في تونس وتلاها بعدها بعدة أيام مصر، بدأت في 15 من شهر أذار 2011 التحركات في عموم المحافظات السورية لتظاهرات شعبية تطالب بإسقاط النظام، كانت ذروتها في 18 اذار من عام 2011، لتشمل مناطق من مدينة دمشق وريفها وحمص وبانياس، كانت لمحافظة درعا وتحديداً درعا البلد الحصة الأكبر منها.
"ياسر المصري" أحد كوادر مؤسسة "نبأ" في مدينة درعا، واكب بداية المظاهرات في درعا البلد منذ يومها الأول.
وقال في حديث خاص لبلدي نيوز "خلال الساعات الأولى لاندلاع أولى المظاهرات المناهضة للنظام السوري في درعا، كان كل شيء مستهجناً ومذهلاً، حركة الناس، استنفار عناصر الأمن، صوت إطلاق النار، دخان الإطارات المشتعلة، أصوات سيارات الإسعاف المدوّي، كان يوم التعجب والاستفهام بامتياز، لم ولن تغيب تلك اللحظات، التي سرعان ما تدحرجت وأصبحت سنوات، وأسست أولى قطرة دماء سقطت في اليوم الأول في درعا البلد، لتصبح شلالاً مرَّ مجراه من كل المحافظات السورية".
ومع عدم قدرة نظام الأسد من السيطرة على الاحتجاجات التي تصاعدت لتتسبب بخروج غالبية مدينة درعا عن سيطرته، اتخذ من الحل العسكري وسيلة للقضاء على الثورة من خلال حملة اقتحام صادفت يوم الأربعاء الذي يسميه أهالي درعا بـ"الأسود"، وشارك في الحملة ما يزيد عن ثلاثين ألفاً من قوات النظام، معظمهم من قوات النخبة التي استقدمها من محيط العاصمة دمشق.
عمدت قوات النظام وشبيحته على إطباق الحصار بشكل كامل على أحياء درعا البلد قبل اقتحامها في الخامس والعشرين من شهر نيسان عام 2011، استمر خلالها القصف المتواصل على درعا البلد لخمسة أيام متتالية تم خلالها استخدام كافة قذائف الدبابات والمدفعية، ارتكب خلالها العديد من المجازر بحق المدنيين، وشارك في هذه الحملة كل من الفرقة الرابعة والفرقة الخامسة والفرقة الخامسة عشر، وكافة أفرع الأمن والمخابرات السورية، حاول نظام الأسد من خلال هذه العملية القضاء على بذرة الثورة السورية على غرار ما فعله في حماه 1982.
وترافقت عمليات النظام العسكرية على درعا البلد بعمليات دهم واعتقال طالت كافة المنازل في درعا المحطة بمدينة درعا، اعتقلت خلالها مخابرات الأسد مئات الشبان بشكل عشوائي وتحويلهم إلى أفرع الأمن، وصل عدد المعتقلين في تلك الفترة بحسب بعض التقديرات لأكثر من 1500 شاب، فيما قامت قوات النظام باتخاذ عدة منازل ومدارس كمقرات لها بسبب عدم قدرة المواقع العسكرية على استيعاب الأعداد الهائلة لقوات النظام في مدينة درعا.
ويضيف "المصري" في حديثه لبلدي نيوز "تكبيرة، تلاها هتاف، تلاها إطلاق نار، فسقط أول شهيد لم يمضِ على خروجه من مملكة الخوف سوى نصف ساعة، ليبدأ حينها الغضب في جميع مناطق درعا، وتلحقها المحافظات السورية تباعاً، حتى أصبحت المظاهرات للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام تعم أرجاء سوريا".
ومع محاولات نظام الأسد للقضاء على شعلة الثورة بإطباق حصاره على درعا البلد انتفضت مدن وبلدات ريف درعا بالتحرك نصرة لدرعا البلد، واجه خلالها النظام مئات آلاف المتظاهرين القادمين من ريفي درعا الشرقي والغربي إلى مدينة درعا لفك الحصار بالرشاشات الثقيلة والمتوسط في 29 نيسان 2011، سقط خلالها مئات الشهداء والمصابين والمعتقلين، من بينهم الشهيد الطفل "حمزة الخطيب"، الذي قامت مخابرات الأسد بتصفيته بعد عدة أيام.
ولم تكن تلك الحملة العسكرية الشرسة ضد أي قوات عسكرية أو جيش أو حتى مقاومة بسيطة، وإنما مدنيين خرجوا في مظاهرات للمطالبة بالحرية والكرامة، وتبعت قوات النظام هذه الحملة العسكرية بحملة "تعفيش" واسعة، ونصب للحواجز بلغ تعدادها في مدينة درعا لوحدها 35 حاجزاً فيما تجاوز عدد الحواجز في عموم المحافظة الـ70 حاجزا.
وأردف "المصري" حول رؤيته للأيام الأولى من المظاهرات "لم يدرك المتظاهرون حينها أن نظام الأسد سوف يواجه شعب أعزل بالرصاص الحي والمدافع لوقت طويل، ولم يدركوا أيضاً حجم التخاذل العربي والدولي الذين لم يتعدى غضبهم أوراق بياناتهم، حينها أدرك السوريون بعد أشهر من الحراك السلمي واستمرار القمع الوحشي، بأن الخلاص الوحيد من هذا النظام هو بالقوة ومواجهة الرصاص بالرصاص".
لم تمضِ أسابيع قليلة حتى تمكن الأهالي من استعادة زخم المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، ولكن حالياً بحماية من الجيش الحر كما أطلق على نفسه في تلك الفترة، حيث شهدت صفوف قوات النظام انشقاق العديد من عناصرها الرافضين لممارسات نظام الأسد، ليتحولوا بسلاحهم لحماية المظاهرات السلمية من بطش قوات النظام وشبيحته.
لتنطلق بعدها العمليات الأمنية ومهاجمة قوات النظام بشكل فردي عبر العبوات الناسفة وعمليات الاغتيال، التي أنهكت النظام بشكل كبير، بالإضافة إلى عمليات خطف التي طالت الشبيحة والمسؤولين عن المجازر والإعدامات بحق المدنيين العزل، لتستمر في الفترة ما بين منتصف 2011 وحتى نهاية عام 2012 قبل أن تتحول تلك الخلايا إلى تشكيلات عسكرية ثم فصائل مسيطرة على الأرض بدأت بمقاومة قوات النظام مع بداية عم 2013.
شهدت قوات النظام انشقاق آلاف الضباط والعناصر عن صفوفها فقام الأهالي بإيوائهم، وكانوا البذرة الأولى لفصائل الجيش الحر، لينضم إليهم مئات من المدنيين، قبل أن تتسارع وتيرة الأحداث وتظهر الفصائل ذات الإيديولوجية المختلفة والتي كان لها دور في الثورة السورية بشكل كبير، كلا بحسب تأثيره سلبا وإيجاباً.
ومن أبرز التشكيلات التي ظهرت على الساحة في محافظة درعا بداية 2013، "المجلس العسكري الثوري في المحافظة، ولواء شهداء اليرموك الذي تحول لاحقا ليتبع فكر تنظيم "داعش"، ولواء "اليرموك" ليتحول لاحقاً لجيش "اليرموك"، وبعدها جيش "الثورة"، ولواء "أبابيل حوران"، ولواء "المعتز"، ولواء "التوحيد"، وألوية "العمري"، بالإضافة إلى التشكيلات الإسلامية "كجبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" و"حركة المثنى" التي تحولت أيضا لتنظيم "داعش" مع بداية عام 2016.