بحث

ماذا يعني انسحاب بوتين من سورية؟

The New York Times – ترجمة بلدي نيوز
أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب "الجزء الرئيسي" للقوات الروسية من سوريا، وهي خطوة مفاجئة تعكس ما سماه الرئيس (تحقيق الكرملين أهدافها كلها تقريباً) في البلد الذي مزقته الحرب.
وانتشرت الأخبار وتم تداولها من قبل كافة العواصم الغربية والعربية والمواطنين السوريين وبدأت التوقعات والتكهنات حول نوايا روسيا، فالانسحاب كان مفاجئاً كما كان دخول بوتين الغير متوقع في ساحة المعركة العسكرية السورية منذ خمسة أشهر، والذي غير مجرى الحرب.
وربما الأسئلة الأكثر إلحاحاً الآن، كيف لهذه الخطوة أن تؤثر على نتائج الحرب، وماذا يعني ذلك للرئيس بشار الأسد، والذي كان حكمه مهدداً وتعرض لسلسلة من الخسائر العسكرية قبل أن تدعمه القوات الروسية.
قد يكون القرار الروسي مؤشراً على ثقة جديدة في استقرار الأسد، أو هي محاولة للضغط عليه للتفاوض مع خصومه السياسيين -أو الاثنين معاً- وعلى جه الخصوص، كان تحرك السيد بوتين في لحظة حرجة، حيث أن الاضطرابات في سوريا في عامها السادس، كما أن وسيط الأمم المتحدة في جنيف، دي ميستورا يحاول إحياء محادثات السلام لوقف الحرب، التي شردت الملايين وخلقت كارثة إنسانية.
كما أن انسحاب الجيش الروسي لم يترك الأسد وحده تماماً، لأن لديه أيضاً دعماً من إيران وحزب الله في لبنان، كما أن الكرملين قد وضح بأنه سيبقي على القاعدة الجوية الجديدة في المدينة الساحلية المطلة على البحر المتوسط اللاذقية، بالإضافة إلى محطة للتزود بالوقود في طرطوس، تم الحفاظ عليها منذ العهد السوفيتي.
لكن السيد بوتين معروف أيضاً بتاريخه من التصرفات الغير متوقعة، وتصريحاته العلنية التي لا تتفق مع تصرفاته، فعلى سبيل المثال، في شرق أوكرانيا، ورغم تعهد بوتين بالالتزام بمعاهدة السلام، إلا أنه استمر بالقتال مع المتمردين المدعومين من قبل موسكو، لكن روسيا تواجه أيضاً مشاكل اقتصادية عميقة ناجمة عن انهيار في أسعار النفط العالمية، والإعلان ربما يعكس رغبة السيد بوتين بإعلان النصر وتخليص البلاد من المغامرات العسكرية المكلفة.
هذا وكان الكرملين قد أعلن عن خطط انسحابه بعد ساعات من اجتماع ممثل الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا مع الوفد الحكومي السوري في جنيف.
وكانت هناك دلائل متزايدة على خلافات بين روسيا والحكومة السورية على محادثات جنيف، والتي تدفع إليها موسكو بشكل جدي، جنباً إلى جنب مع واشنطن، وبالنسبة الأسد، فإن احتمال تخلي روسيا عنه ليعتمد على نفسه، فهو أمر من المؤكد سوف يشغل ذهنه، بعد تقدمه، وخصوصاً أن المسؤولين الروس قد عرضوا عليه على الملأ بعض النصائح في الأيام الأخيرة، وقال أندرو جيه تابلر، الباحث في شؤون سورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "أشك أن هناك قطيعة بين موسكو و الأسد"، ولكن أعتقد أن موسكو بانسحابها، تكون قد وضعت العبء العسكري مرة أخرى على الأسد وذلك لتليين موقفه التفاوضي".
هذا وقد أبدت موسكو إحباطها بشكل جلي مؤخراً، حيث ولثلاث مرات خلال الأسبوعيين الماضيين، قام الأسد ومستشاريه بتصريحات علنية لا تتوافق مع هدف روسيا المعلن من جوهر المحادثات، كان آخرها يوم السبت، عندما أعلن وزير الخارجية وليد المعلم، أن حكم الأسد هو "خط أحمر" وأنه لن يكون هناك أي نقاش حول انتخابات رئاسية.
وكانت التكهنات حول إعلان روسيا انسحابها، قد انتشرت كالنار في الهشيم بين الموالين للحكومة السورية وعلى وسائل التواصل الاجتماعية، وبحلول مساء الاثنين، أصدر مكتب الأسد بياناً لرئاسة الجمهورية، يبدد الشائعات التي تتكلم عن خذلان بوتين للأسد، وأنه على عكس ما نشرت وسائل الإعلام المتورطة في سفك الدماء السورية، فإن الإعلان الروسي قد جاء بـ"تنسيق كامل" وبعد "دراسة مستفيضة" مع الحكومة السورية لإنجازات الجيش السوري التي أحرزها مؤخراً، وأن العلاقة بين روسيا وسورية ستبقى قوية كما هو الحال دائماً، وسيقاتلان جنباً إلى جنب ضد الإرهاب".
وقد تكون الخطوة الروسية أيضاً انعكاساً لاعتقاد السيد بوتين وثقته بأن وضع الأسد العسكري قد استقر مجدداً، وبذلك يمكن للرئيس الروسي أن يتراجع قليلاً، ليلعب دور رجل الدولة، فقد حقق بوتين الكثير من أهدافه السياسية: حيث جلب روسيا إلى مركز الصدارة كقوة عالمية، ومنع من حيث المبدأ -تغيير النظام السوري من قبل القوى الخارجية- وبخاصة الغربية، وحصل على موطئ قدم أقوى في سورية، وتخلص من بعض الجهاديين الروس في ساحة المعركة السورية، وعزز موقف الأسد، ففي الصيف الماضي، بدا الرئيس السوري أكثر عرضة للخطر مما كان عليه في السنوات الماضية، كما أن الثوار السوريين الذين تدعمهم الولايات المتحدة، كانوا يعملون بتنسيق فعال وباتوا يشكلون تهديداً لمعاقل النظام الساحلية، وجاء التدخل الروسي ليغير مجرى الأمور.
والآن، خسر الثوار السوريين الكثير من هذه المكاسب، فقد ساعدت القوة الجوية الروسية على قطع خطوط الإمداد مع تركيا، وعزلت الجزء الذي يسيطر عليه الثوار في حلب -أكبر المدن السورية- ولكن كل هذا لم يمكن الأسد من استعادة السيطرة على كافة أنحاء البلاد، ولكنه، على الأقل، سيحافظ على المناطق التي أبقاها تحت سيطرته حتى نهاية عام 2014.
ويمكن القول أن السيد بوتين لديه القليل ليخسره: فروسيا يمكنها استئناف الضربات الجوية بسهولة من قاعدتها في الساحل السوري، كما يمكنها إبقاء دعم الجيش السوري بالأسلحة والمال فيما يستمر حلفاء الأسد الآخرين والميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله، في العراق وأماكن أخرى، من القتال على الأرض.
يقول ألكسي مكاري، نائب رئيس مركز التكنولوجيات السياسية في موسكو: الهدف من الحملة كان الحفاظ على النظام السوري بشكل يضمن بقاء الوجود الروسي في المنطقة، من حيث المنشأة البحرية والآن أيضاً مع القاعدة الجوية".
لكن روسيا تبقى يقظة لتاريخها في حرب أفغانستان الطويلة في الثمانينات، ومن أن التكلفة اليومية لتورطها في سورية يبلغ 3 مليون دولار يومياً، في حين تنهار أسعار النفط وتضر العقوبات الأوروبية بالاقتصاد الروسي.
في البداية، قالت روسيا أنها دخلت سورية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها سرعان ما نقلت معركتها لتركز على الثوار المعتدلين، وهم جماعات مناهضة للأسد ولا تنتمي إلى تنظيم الدولة، بل وتتقاتل معها أحياناً، ولكن المسؤولون الروس قالوا بأن أي مجموعة تنسق مع جبهة النصرة التي تنتمي لتنظيم القاعدة، حيث العديد من تلك الجماعات قد فعلت، يحق لهم قصفها.
وفي الواقع، مع إعلان روسيا أن مهمتها قد أنجزت، تكون قد اعترفت بطريقة ما، أن هدفها الأساسي لم يكن تدمير تنظيم الدولة، الذي لا يزال وجوده راسخاً بعمق في جزء كبير من شمال وشرق سوريا، كما أن الضربات الجوية الروسية قد استهدفت مدينة تدمر، وهي مدينة تاريخية يحتفظ بها تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا تمكنت القوات الحكومية من استعادتها، فسيدعي السيد بوتين بأنه قد أنقذ كنزاً أثرياً من جماعة متطرفة والتي تواصل تدمير بعض أهم الآثار القديمة في العالم، ومع ذلك يقول ناشطين مناهضين للحكومة هناك، أن الغارات الجوية الروسية تشكل خطراً ليس فقط على الآثار بل على المدنيين هناك أيضاً.
واتهمت روسيا أيضاً باستهداف البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس، الأمر الذي نفته الحكومة الروسية، كما وقالت جماعات المعارضة أن روسيا كانت السبب بأكثر من نصف عدد الضحايا المدنيين منذ أيلول الماضي.
هذا وتظهر بوادر الأمل بعد خمس سنوات من بدء الحرب في سوريا، مع الإيقاف الجزئي لإطلاق النار في سوريا، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 شباط، وأثبت أنه أكثر فعالية واستمراراً مما كان متوقعاً له، وحد بشكل كبير من مستوى العنف، ولكن في ظل هذه الهدنة الجزئية التي تشكو من العيوب والتذبذب، ورغم انخفاض معدل الضربات الجوية الروسية، إلا أن جماعات المعارضة لا تزال تتهم روسيا بالقيام بانتهاكات.
وهكذا يأتي الإعلان الروسي يوم الاثنين ليفاجئ كافة أطراف النزاع، من مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، للناشطين المناهضين لنظام الأسد، إلى دائرة الأسد والمواليين له، والمعارضة السورية، والذين كان ردة فعلهم الأولى هي عدم التصديق.
وفي محافظة إدلب، والتي يسيطر علها مجموعات ثورية متعددة تتراوح بين قوات لجبهة النصرة وجماعات مدعومة من الولايات المتحدة، قام بالناس بالاحتفال بإطلاق النار في الهواء وتوزيع الحلوى والدعاء في المساجد، وقال أحد المقاتلين واسمه أحمد: "هناك تفاؤل ولكننا لا نعرف ماذا يخبئون لنا".
حتى في جنيف، المتحدث باسم المعارضة، سالم المسلط، والذي لطالما أبدى امتعاضه من دعم روسيا للأسد، ولكنه لا يزال يعتقد أن بوتين هو الرجل الوحيد الذي يمكنه أن يجبر الأسد على التفاوض بشكل جدي، قال: "لا أحد يعرف ما يدور في ذهن بوتين، ولكن النقطة الجوهرية هي أن لا حق له بالوجود في بلدنا في المقام لأول، وإن كان انسحابه صحيحاً فلعله مؤشر جيد وبداية جيدة لإيجاد حل سياسي".
وكان الرئيس أوباما قد تحدث في اتصال هاتفي مع السيد بوتين، وفي بيان صادر عن البيت الأبيض، رحب الرئيس الأمريكي بالحد من العنف الناجم عن إيقاف إطلاق النار الشهر الماضي، لكنه شدد على أن استمرار العمليات الهجومية من قبل قوات النظام السوري تقوض الاتفاق وتمنع التوصل إلى حل سياسي من قبل الأمم المتحدة، ووفقاً للبيان: "أكد أوباما على أن هناك حاجة إلى انتقال سياسي لإنهاء العنف في سوريا" .

مقالات متعلقة