بلدي نيوز - دمشق (حسام محمد)
عندما انطلقت الثورة السورية في أوائل عام 2011، كانت الجمعة تلو الأخرى تبرز عوامل وأساسات دعمت السوريين في ثورتهم، وزرعت في قلوبهم الشجاعة للانتفاض ضد نظام الحكم الطائفي المستبد في البلاد، حيث كانت محطة انطلاق مئات آلاف السوريين من المساجد عقب كل صلاة جمعة، وتهبط رحاهم في الساحات العامة والشوارع الرئيسية معتصمون متظاهرون لساعات طويلة قبل أن تتدخل قوات النظام بالرصاص الحي لتفرقهم.
من سمات تلك المرحلة في تاريخ السوريين أن يوم الجمعة كان عيد ميلاد أسبوعي لثورتهم، تتوحد فيه حناجر السوريين من جنوب البلاد إلى شمالها فشرقها وغربها، هتافات متوحدة، أهازيج تطرب ومغنى يحوي الكثير من التآلف والحب في نقل رسالتهم، رغم قمع النظام واستخباراته لكافة المظاهرات بالقوة العسكرية.
تعمدت مخابرات الأسد ومخططاته الفاشية بعد عجزه عن إيقاف هدير حناجر السوريين السلميين، ووحدة صفهم وكلمتهم إلى استخدام العنف الشديد، معتمداً على إن العنف لا يولد سوى العنف، فأقبل على صدور السوريين بشتى أنواع الأسلحة فتكاً ليقتل في كل جمعة المئات منهم، والعداد يكبر مع توالي الأسابيع.
ضاقت الأرض بما رحبت بالسوريين وثورتهم، فلا دول عربية ساندتهم بحق، ولا مجتمع دولي أراد للحق أن يظهر، واقتصرت دعواتهم على شاشات التلفاز لا تغير في الأرض ساكن، الأمر الذي دفع بنخب من السوريين التابعين لقوات النظام بالانشقاق تدريجياً وإن كان بأرقام قليلة، معلنة عن انطلاقة الجيش السوري الحر الذي ضمن العساكر والضباط المنشقين والعشرات من المدنيين ممن كانوا يقاتلون فيما سبق بحناجرهم.
بدأت قوات الجيش السوري الحر بالبروز، وتحرير المناطق تدريجياً، وسط تراجع شعبي كبير للأسد في المجتمعين المحلي والعربي وحتى العالمي، الأمر الذي دفع الأسد للتخلي عن كامل الحدود مع دول الجوار بشكل متسارع، سامحاً للجهاديين بدخول البلاد.
ومع توالي أشهر الثورة العسكرية، بدأت تشكيلات جديدة تظهر تدريجياً في المشهد السوري، ورايات جديدة لم تكن من قبل، ولم تقتصر الأمور على الرايات والأعلام بل تعدتها السنون لإفراز مصطلحات جديدة في تاريخ السوريين "إسلاميين، معتدلين، سلفيين، علمانيين"، وقس على ذلك ما شئت.
ومع فرز الكثير من التشكيلات والأعلام، بدأت حالات من التنازع في المناطق المحررة بين ذات التشكيلات ومن دخل البلاد من خارجها، فترى مناطق يسيطر عليها الجيش السوري الحر، وثانية يحكمها الإسلاميين، وثالثة للمعتدلين، وبدأت تطفوا المشاريع الخاصة على الواقع السوري بشكل لا يمكن إيقافه.
كل ذلك تزامن مع إفراز التشكيلات المنقسمة أصلاً حسب الرايات انقسام جديد في الممول أو الداعم، والمشروع الفكري لكل فصيل، وظهرت معها المحاكم الشرعية الخاصة، وبدأت التشكيلات تضرب بعضها البعض، والكل يرى نفسه الصواب وما سواه هو الخطأ بعينه.
ظهور تنظيم الدولة كان فارق كبير في عالم الثورة السورية، فانقسمت الناس في مطلع الأمر بين مؤيد ومعارض، وخلال هذه الفترة كان التنظيم يتمدد وبقوة في الأراضي السورية، ليصحو السوريين على واقع جديد غير الذي كان بأسوأ أحواله، واقع غير الكثير من المفاهيم والأولويات.
وهنا، انقسمت التشكيلات فمنهم من قاتله ومنهم من فضل الحياد، ومنهم رأى مشروعه يتطابق مع مشروع التنظيم فبايعه، وانقسمت السلفية الجهادية في سورية كما انقسمت العلمانية والإسلامية المعتدلة، وبدأت كل تشكيل يبني مشروعه الخاص دون المشروع العام، يقاتلون النظام ومن معه من ميليشيات، ويقاتلون بعضهم البعض، كل طرف يحلل دماء الأمر، فتأزمت الثورة وضاع السوريين بين المشاريع الخاصة والحلم الكبير الذي خرجوا له بصدور عارية، وهتافات جامعة.
أعلام التشكيلات الخاصة، وكذلك أهدافها، والداعم والغرف السوداء للاستخبارات الدولية، كلها أوجاع كانت كملح يسكب على جراح السوريين النازفة، فبعض أطياف المعارضة رأت قتال من أسمتهم "الخوارج" أبدا من قتال النظام، والتنظيم رأى قتال "المرتدين" أولى من قتال "الكفار"، وضربت الناس بالناس، والكل أضاع طريق الخلاص.