بلدي نيوز – (ليلى حامد)
ﻻ يملك "نور الدين" 25 عاماً من مهجّري ريف دمشق إلى إدلب، بيتاً أو عملاً دائماً، لكنّه قرّر أن "يخوض المغامرة"، بحسب وصفه، ويبني لنفسه عشّه الزوجي.
يعيش "نور الدين" اليوم مع زوجته في غرفة صغيرة، يصفها بأنّها بقايا منزل دمرته الطائرات الروسية أثناء القصف على محافظة إدلب، قبل دخولها في مناطق خفض التصعيد.
يحمل بندقيته التي غنمها في بداية العام 2013 إبان انشقاقه عن قوات الأسد بعد تمكنه من الفرار إلى إدلب، رافضاً فكرة التخلي عنها، لكنه مثل معظم أبناء الريف يرغب في إنجاب ذرية تحمل اسم عائلته، تلك وصية والده في آخر اتصال هاتفي معه.
يؤكّد "نور الدين" لبلدي نيوز أنّه قادرٌ على تحمل عبء الزواج، عائلته لديها المقدرة على إعالته بجزء معقول من تكاليف المعيشة، لافتا أنها سنة الحياة التي ﻻ يمكن أن نخالفها، حسب تعبيره.
زوجة "نور الدين" في الحادية والعشرين من عمرها، لم تكمل الثانوية العامة بسبب ظروف الحرب كما تقول، اختارت الزواج علّها تجد حياة مستقرة تنعم فيها بالحب رغم الحرب، وتمنح فيها الحب لشاب ثائر.
يؤكّد الزوجان "نور وسمية" لبلدي نيوز، أنّهما يواجهان الكثير من المشاكل التي تنتهي أحياناً بمشادة كلامية ما تلبث أن تزول بالتفاهم والحوار، حسب تعبيرهما.
الزواج رغم الحرب
نور وسميّة ليسا أوّل أو آخر زوجين صغيرين؛ فالحرب التي طحنت المجتمع السوري فرضت رؤية جديدة للحياة، واستمرارية مختلفة عن السابق داخل أعشاش الزوجية، والأسباب كثيرة يلخصها الصحفي والناشط الاعلامي "فرات الشامي" لبلدي نيوز بالقول: "تغيّر العادات والتقاليد الخاصة بطقوس الزفاف، قلة أو انخفاض المهور، فضلاً عن التسهيلات التي يقدمها ذوو العروسين، كل تلك النقاط لها أثرها في شغف الشباب لبناء أسرة".
وأضاف "الرغبة في حماية المرأة كانت أبرز الدوافع لقبول تزويجها بهدف نقل أعبائها عن كاهل أهلها إلى عاتق الزوج، وهذا لاحظناه بعد حالات التهجير والفرار.. على سبيل المثال من حمص والغوطة الشرقية بداية الحراك الثوري".
حالات العشق التي كانت تنتهي بمأساة الفراق، نراها اليوم تتوّج بإكليل الزفاف، حتى وإن كان مستأجراً لا يملك مهر العروس، بحسب "الشامي".
ويؤكّد "فرات الشامي" أنّ الكثير من الأسر-دون النظر إلى ميولها السياسيّة موالية أم معارضة- تحمل مفهوماً واضحاً لمعنى البقاء وارتباط الإنجاب بالحفاظ على اسم العائلة، بالمقابل؛ ثمة نظرة رومانسية سادت إلى حين فيها محاكاةٌ بطابعٍ ثوري محض لأبيات نظّمها الشاعر الكبير نزار قباني يقول فيها: "كل ليمونة ستنجب طفلاً ومحال أن ينتهي الليمون".
تقول المحامية "هديل الشامي" مؤكّدة الكلام السابق بتفصيلٍ مختلفٍ لبلدي نيوز، "اندلاع الثورة لم يكن سبب زيادة الإقبال على الزواج، بل الفضل يرجع إلى نظام الأسد ذاته وآلة القتل التي وجهها نحو الشباب، باختصار؛ الموت وخشية انتهاء الأسرة، فالكثير من البيوت دُمرت على رؤوس أصحابها، ولم ينجُ في كثير من الأحيان إلا فتاةٌ بلا مأوى أو شابٌ بلا أمل".
وأضافت "العديد من العائلات قررت تزويج بناتها مبكراً -ﻻ أتحدث هنا عن القاصرات فتلك قضيةٌ أخرى- وإنما أعني الحالات التي سادت قبل الحرب مفهومٌ أنها حالات زواجٍ "مبكرة"؛ فالشاب مثلاً لم يكن يدخل الحياة الزوجية قبل الانتهاء من الدراسة الجامعية والخدمة الإلزامية وتأمين المسكن والعمل، في حين اختلف الأمر كلياً اليوم".
إيجابيات أوجدها الزواج في ظلّ الحرب
من المؤكد أنّ الحرب فرضت إيقاعها على الأسرة، وخلطت أوراق العادات والتقاليد القديمة، لكنّها بالمقابل خلقت نواحٍ إيجابية يحدثنا عنها الباحث الاجتماعي الدكتور "محمد الشيخ" قائلاً "من منظورٍ شرعي واجتماعي؛ أنهت حالات الزواج -أو تكاد- فرصة حرية العلاقات العاطفية بعد أن أعادت ترتيب الأمور ضمن الشرع والقيم العربية؛ فالعلاقات العابرة لم تعد مقبولة، ويُستعاض عنها بالزواج والمحبة المشروعة شريطة موافقة الطرفين -الفتاة والشاب- وهي متوفرة إلى حدٍّ ما، دون أن نتطرق للكلام عن بعض الحالات التي شذت، فضلاً عن كون إدخال الشباب في دائرة الحياة الزوجية أظهر الوجه المشرق للمجتمع السوري المتكاتف الذي يحمل بعضه بعضاً، دون التقليل من فرص معالجة حالات العنوسة، وإن لم يكن لدينا من الشواهد الاحصائية الدقيقة ما يؤكد ويدعم كلامنا، لكننا بالمقابل نعيش المشهد عن قرب، بالتالي يمكن أن نجد لأنفسنا مساحة كافية للتدليل على كلامنا".
سلبيات الزواج زمن الحرب
ﻻ يمنع ما سبق من جانبٍ معتمٍ للقضية، ينغّص العيش وحياة الأسرة، فهذه "أم خالد"، عادت إليها ابنتها ذات العشرين ربيعاً، تجرجر خيبتها بيدٍ وطفلها بسنواته الثلاث بيدها الأخرى.
"لكل قاعدةٍ استثناء، والحرب هي الاستثناء، وإن كانت القاعدة تقول؛ بأنّ مجتمعنا السوري متعاون، لكنّ المشهد التحليلي لحالات الطلاق ﻻ يفسرها سوى بعض الأمور التي طغت على السطح، فخلقت الجانب المظلم"، تقول المحامية "هديل الشامي"، لبلدي نيوز.
وأضافت "الاختيار الخاطئ، والنظرة السطحية إلى الفتاة، فضلاً عن قصور فهم معنى العلاقة الزوجية اجتماعياً وأثرها على المحيط، فرض الانفصال بكلمة الطلاق التي تخرج كالرصاصة، في بيئةٍ لم يعد يعرف شبابها إلا لغة القتل، مع قلة المعرفة والعلم، لحداثة السن دون شك، مع ضعف التجربة بكنه الحياة".
وأردفت "المجتمع ككل والمرأة كذلك؛ الأطفال هم أولى ضحايا الزواج زمن الحرب، بالمقابل؛ يستحيل إنهاء أي ظاهرةٍ خاطئة في بيئةٍ عسكرية تغيب عنها الحياة المدنية، ما لم توجد إرادةٌ حقيقية للتغيير، تلك الإرادة نلمسها لدى الشباب المثقّف، لكنّشها تحتاج إلى تحريك".
وحول إمكانية إيجاد مخرج من السلبيات التي فرضها الاقبال على الزواج في ظل الحرب الدائرة في سوريا وظروف الواقع التي فرضتها، يؤكد الباحث الاجتماعي، الدكتور "محمد الشيخ" لبلدي نيوز، أنّ "جوهر الحل مرتبط بإقامة فعاليات وندوات توعية، على غرار ما يحدث في بعض البلدان مثل ماليزيا وإندونيسيا من دورات تدريبية تسبق الزواج، شرط أن تكون مجانية لمراعاة الظروف المعيشية مترافقة بحملة إعلامية كبيرة، ﻻ ينبغي تجاهل دور المساجد فيها".
وتضيف المحامية هديل الشامي، "الإرادة ﻻ ينبغي أن تبقى محصورةً في ذواتنا ونياتنا، بل يفترض وضعها بإطار العمل ﻻ مجرد الكلام، كما تحتاج مجهوداتٍ ﻻ تنحصر في نشاط الأفراد؛ بل تتعداها لتعمم في المجتمع وتتلقاها المنظمات الإنسانية والحقوقية بالدعم والمساندة".
"الإقبال على الزواج زمن الحرب إشراقٌ مؤلم"، كما يصفه الصحفي "فرات الشامي"، له من الإيجابيات ما يحتاج إلى تدعيم، وفيه من المثالب ما يتطلب التقويم.