LawFare – ترجمة بلدي نيوز
إن الحرب في سورية ، كما يقول ديفيد ميلر ، الباحث في مركز وودرو ويلسون الدولي، هي "ليست خطأ أوباما" وإنما في المقام الأول هي من فعل بشار الأسد، الذي اختار أن يقتل شعبه للخروج من الأزمة، بدلاً من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، كما أن الدول العربية، والقوى الإقليمية مثل إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى القوى الدولية مثل روسيا، يتحملون الكثير من اللوم والمسؤولية على ذلك.
لكن الغرب، كما يقول ميلر، وخاصة أمريكا، بريئة تماماً من أهوال هذه الحرب، حتى لو وجد بعض المراقبين هذه الحقيقة إلى حد ما "غير مريحة"، إلا أن نشطاء مثلي كانوا يتوقعون أكثر من أوباما في بداية الأزمة، وربما هم ببساطة أساؤوا فهم سياسته التي تعمدت تجنب عسكرة دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، يقول ميللر: "انتقدوا أوباما قدر ما تريدون، عبروا عن غضبكم لسياسته الغير أخلاقية التي فشلت في تنبيه الرأي العام الأميركي لمأساة سوريا أو الضرر الذي سيلحق بمصالح الولايات المتحدة، ولكن لا تضعوه في اختبار لا يستطيع اجتيازه، لا تضعوا الولايات المتحدة على أول قائمتكم، فأمريكا لا تنتمي هناك".
وأنا أتمنى فعلاً أن تكون الولايات المتحدة مختلفة، أن لا توضع بنفس الخانة مع الأسد، ولكن هذا ليس بدفاع عن موقفها، فحجة ميلر أن الأمر برمته "ليس خطأ أوباما" وكان من الممكن للولايات المتحدة أن تحظى بالقوة للتدخل لولا تاريخها الطويل من التدخلات في الشرق الأوسط، والتي كثير منها يبرر لأسباب إنسانية وآخرها كان في ليبيا والتي بدأت بحركة احتجاج سلمية غير عنيفة كما في سورية تماماً.
وعندما بدأ النشطاء السوريين بالاتجاه للغرب ولا سيما للقيادة الأمريكية، غريزتهم للقيام بذلك لم تأتي من العدم، بل نبعت من الكثير من الحقائق والاتجاهات الراسخة في تاريخ أمريكا نفسها، بما في ذلك إجراءات أوباما الأخيرة، ولذلك دعونا نتذكر بعض الحقائق التي لم ينسها السوريين:
كانت إدارة بوش قد بررت تدخلها في العراق، في جزء منه، لتعزيز الديمقراطية، وقد تضمن ذلك دعمها فيما بعد لأجندة "الحرية" وتوفير التمويل السخي لتدريب الآلاف من النشطاء السلميين في سوريا والمنطقة، كما لعبت دوراً هاماً في تمهيد الطريق أمام الربيع العربي وحركة الاحتجاج السلمية في سوريا.
وهكذا فعل أيضاً التدخل السياسي لإدارة أوباما في تونس ومصر واليمن، والتدخل العسكري في ليبيا، وثناء الرئيس الأمريكي في وقت مبكر على قادة الاحتجاجات السلمية في سوريا، إلى جانب دعواته لزمن قريب برحيل الأسد، والتي بلغت ذروتها برسمه الخط الأحمر "الشائن" على استخدام الأسلحة الكيمائية.
وحتى قبل اندلاع الثورات في العالم العربي، كان المجتمع الدولي قد اعتمد مبدأ صادقت عليه الأمم المتحدة بمسؤوليتها "بالحماية"، كما أن القانون الدولي يهدف إلى إرساء الأساس القانوني الذي يمنع ويوقف أي مذابح جماعية ويقدم المساعدات في أعقاب الكوارث الطبيعية أو الكوارث التي هي من صنع الإنسان.
وقد أيدت هذه النظرية الحكومات الغربية، بما في ذلك العديد من كبار العلماء والمسؤولين الأميركيين مثل سامانثا باور، سوزان رايس، وحتى الرئيس أوباما نفسه.
وكان أوباما حتى قبل أن يصبح رئيساً، على استعداد لتبني وعد "لن تتكرر المجازر مرة أخرى" وهي فكرة مرسخة من مبدأ "مسؤولية الحماية" ويتعلق بالإبادة الجماعية التي حصلت في دارفور، وقد احتاج الرئيس أوباما هذا المبدأ ذاته ليبرر تدخله في ليبيا.
ويمكنك أن تصفني بالمثالية، ولكنني أخذ هذه الأمور على محمل الجد، ولا أعتقد أنني غير منطقي إن فعلت ذلك، وفي الواقع حين راقب الكثير من الناس مثلي إدارة اوباما في عام 2011 ، كان لدينا كل الأسباب لنتوقع الحصول على دعم لقضيتنا السورية، فبعد كل شيء، كانت الثورة سلمية لما يقرب من العام وقاومت كل الإغراءات لحمل السلاح، وإذا كان هناك حتمية بتحول الوضع في سورية إلى حرب أهلية، فلقد كانت هناك هالة من الحتمية في سورية تتعلق بتدخل أمريكا لمنع المذابح الجماعية.
إن أناساً مثل سامانثا باور وأوباما يجب أن يدركوا آثار خطابهم السياسي على أشخاص مثلنا، فقد أخذنا شعاراتهم عن الديمقراطية على محمل الجد، وكثير من الناس في سورية قتلى الآن لأنهم صدقوا عبارات مثل "لن تتكرر المجازر" و"الأمل" و"التغيير"، كما أن محاولات إدارة أوباما للإيحاء بالتدخل العسكري في سوريا، حتى لو لم يكن حقيقياً، أدى بدول الخليج وتركيا وإيران ليكونوا في صميم الكارثة الحالية.
كما يشير ميللر إلى أن دعوة العرب الولايات المتحدة للتصرف بشؤون شعوب المنطقة هو أمر "طفولي"، ومن هنا ينجم خطأهم على وجه التحديد، فهم يعتقدون أن الغرب فقط يستطيع حفظ أمن المنطقة وتصحيح الأمور فيها ، ويضيف: "إنها لحجة مضحكة، فأنا لم أسمع عن الديمقراطيات الناضجة في أوروبا الغربية، والتي أثبتت مراراً وتكراراً أنها غير قادرة على شحذ الإرادة اللازمة لوقف الصراعات حتى عندما تحدث على أرضهم، كما كان الحال في البوسنة وكوسوفو، ولذلك لا اتوقع كياناً محاصراً مثل جامعة الدول العربية أن يكون على قدر هذا التحدي، فهذا مجرد خيال في خضم تقاعسهم.
بالتأكيد، هناك هوية عربية في مكان ما! ولكنها أثبت مراراً وتكراراً بأنها أضعف من أن تسمح بتضافر الجهود لحل أي أزمة، والحقيقة أن السعوديين والمصريين والمغاربة، والسوريون هم شعوب مختلفة عن بعضهم اختلافاً جذرياً من حيث العادات والمصالح والرؤى، لدرجة لا يمكن فيها أن ينطوا تحت انتماء عرقي واحد أو صفة سياسية موحدة، وحتى فكرة أنهم يتحدثون نفس اللغة هو شيء من الخرافة، وهو ما أكده علماء أكاديميون غربيون، وببساطة ليس هناك تاريخ سياسي لهذا النوع من العمل المشترك، والذي جعل القيادة الأمريكية تعتقد أنه ليس هناك من داع للتدخل في الإبادة الجماعية.
أما بالنسبة لأميركا، فقد كانت الراعية للعرب لما يقرب من مائة عام، ولسبب جيد وهو أنها أرادت بكل طيب خاطر أن تكون في هذا الموقع، بحكم قيمها ومصالحها الخاصة، وسورية لم تكن امتحاناً صعباً على أوباما تجاوزه، ولكنه امتحان اختار الرئيس الأمريكي أن يتجاهله.
لا لم نكن نتوقع من الولايات المتحدة أن تفعل كل شيء لوحدها، ولكننا كنا ننتظر منها أن تقود الطريق، كما يتعين على كل قائد أمريكي، ففي الحرب السورية كانت هناك أوقات كثيرة، كان التدخل الأمريكي ليغير فيها الكثير ولكان منع الآلاف من الناس من الموت.
وحتى الآن، هناك مجموعة متنوعة من الطرق التي يستطيع فيها التدخل الأمريكي خلق بيئة أكثر ملاءمة لعقد محادثات سلام جادة من خلال إقامة توازن أفضل بين القوات على الأرض، أقلها إنشاء مناطق آمنة وتوفير السلاح الى الثوار المعتدلين في حلب وأماكن أخرى.
فمع الدعم الإيراني والروسي الآن، ليس لدى نظام الأسد أي سبب وجيه للتفاوض بحسن نية مع المعارضة، ومن خلال تجاهل هذا الواقع باستمرار في حل النزاعات، فإن إدارة أوباما تعزل الأغلبية السنية المحاصرة والمجتمعات السنية في جميع أنحاء العالم.
هذه السياسة، ستكون نعمة حقيقية للمتطرفين الإسلاميين الذين يسعون لتجنيد مقاتلين في تنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، وجماعة بوكو حرام، وغيرها من الجماعات الإرهابية، وقد وصف الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع "معتقل غوانتانامو" بأنه أداة تجنيد رئيسية للإرهابيين ويسيء للقيم الأميركية، وأنا اتعهد لكم بهذا إن تركتم الأسد يقتل مئات الآلاف من السوريين فذلك سيكون السبب والأداة لتجنيد عدد أكبر من الإرهابيين، وسيسيئ للقيم الأمريكية بشكل أعمق بكثير.
وكما قال الرئيس أوباما كجزء من تصريحاته في متحف الولايات المتحدة التذكاري للمحرقة اليهودية في 23 نيسان 2012 "كثيرا ما فشل العالم بمنع قتل الأبرياء على نطاق واسع، وما زالت هذه الفظائع تؤرق مضاجعنا_لمجازر لم نوقفها والكثير من البشر الذين لم ننقذهم".
ولكن السيد أوباما على ما يبدو لا تؤرق مضجعه هذه المجازر بما فيه الكفاية، وفي الواقع ما يسمى بمعسكر الواقعية في دوائر السياسة الأمريكية يبدو أنه قد قلب المنطق رأساً على عقب، وذلك باستخدام شبح ما بدا لهم العنف الذي لا مفر منه في سوريا كمبرر لتجنب التدخل هناك.
وعندما تعود معسكرات الاعتقال للرواج مرة، فهذا يعني أن هناك شيء خاطئ بالأساس في عمل السياسة الأمريكية، ولن تستطيع أقوى دولة على وجه الأرض حينها من النظر للاتجاه الآخر وتجاهل ذلك، فالعودة للسياسة الغير أخلاقية والغير ليبرالية له تداعيات خطيرة حتى على أمريكا ذاتها، فالأمن القومي في القرن الـ 21 لا يعتمد فقط على القوة العسكرية أو على محاولة تحصين أمريكا كحصن منيع.
وبالنسبة لمراقب خارجي مثلي، لا أرى فرقاً كبيراً بين رجل مثل أوباما، يبني مستشاروه جداراً عقلياً بينهم وبين غيرهم ، ورجل مثل دونالد ترامب ومستشاريه، الذين يريدون تحويل هذا الجدار إلى واقع مادي، وهذا هو جوهر المشكلة وهو تنامي عدم مصداقية أمريكا ففي هذه المرحلة كلا الأحزاب اليسارية واليمينية غير أخلاقيين على حد سواء، ومتعجرفين وحريصين على عدم تحمل مسؤوليات أميركا.
ومع ذلك، شخصياً، اعتقدت لوقت طويل بأن الولايات المتحدة لديها على الأقل التزام أخلاقي بأن تكون أكثر من مجرد "متفرج" كما أشار ليون يسلتير في إشارة إلى قضية اللاجئين السوريين، وفي الواقع، بالنسبة لي وللكثيرين من جميع أنحاء العالم، فإن للولايات المتحدة التزامات أخلاقية معينة عندما يتعلق الأمر بوقف ومنع المذابح الجماعية، التزامات تنبع من تاريخها وقيمها التي تعتز بها وحتى من مصالحها الخاصة.
لذلك نعم، سوريا بشكل واضح خطأ أوباما، فشله وفشل أنصار الواقعية الذين يثيرون بسياستهم التساؤلات حول الأسس الأخلاقية لنظرتهم للعالم وللحس الأخلاقي.