بلدي نيوز - (عبداللطيف الجيمو)*
دائماً كان باستطاعة العالم أن يصدق الكذب حتى لو كان على حساب الفضيلة نفسها، الجميع يعرف ودون أدنى شك أن ما فعله القبح من انتصارات كبيرة بحق المدنيين وحتى الإنسانية نفسها هي جريمة لن تغفر نتائجها ضمائرنا نحن بني الإنسان، هذا ما شهدناه كثيراً في أعيننا في سوريا، نظام فاسد وحشي متعطش للدم كالقصص والأفلام عن مصاصي الدماء التي نستخدمها واستخدمت علينا كي نتقن الفضيلة خوفاً، يقول كونفوشيوس "إن الفضيلة هي أن لا ترضى لغيرك ما لا ترضاه لنفسك". ولكن في ذات الآن فلنتخيل أن ما ترضاه لنفسك هو العبث في الفضيلة نفسها وتدمير القيم الجمالية للأخلاق؛ فهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن الرضى قد يكون الشر بعينه أو بمعنى آخر جعل الشر أمراً حلالاً.
سوريا المكان الذي بامكانك أن تسمع فيه صوتين عاليين في اللحظة ذاتها "صوت يناجي الله بفقدان طفل أو عزيز، وآخر يحتفل لله بموت عدو أو صديق"، اختلطت المشاعر بين ما يتوجب علينا من حزن وما يتوجب عليهم من فرح، وبدا لنا أن نتقن اللامبالاة حتى وصلنا لحالة من الإنكار قد نرقص على الحزن وندبك فوقه، وأحياناً نزين القبح ببعض الألوان والأغاني.
منذ فترة ليست بالبعيدة انتهى نظام الأسد ومن معه من وحوش ومرتزقة من تهجير الآلاف من سكان غوطة دمشق قسرياً نحو مناطق في الشمال السوري خارجا عن سيطرته، حاملين معهم بقايا صور وبعض الموت والأشلاء في ذاكرتهم، لا مفاتيح في أيديهم مثلما كان في أيدي الفلسطينيين عندما هربوا من بيوتهم خوفاً من الصهاينة، لأن البيوت هذه المرة باتت ركاماً وبلا أبواب، مثل حال كل المدن السورية التي هجّر بشار الأسد بجيشه أهلها.
امتلأت بروفايلات أو الصفحات الشخصية لطلاب كلية الفنون الجميلة بدمشق وبعض الفنانين اللذين لايزالون يعيشون في مناطق النظام وخاصة في دمشق بكرنفال طويل من اللوحات الرديئة لا إتفان فيها ولا موضوع، يرسمون ويحتفلون على حطام المدن المهدمة، انتشروا مصفوفين في شوارع الغوطة بقرب كل واحد منهم كتلة إسمنتية محطمة كانت بيتاً لشخص ما إما توفى أو يبحث عن خيمته في عراء الشمال، هناك يبحثون عن مأوى وهنا يرسمون الفرح.
في إحدى زياراتي لصديق عزيز هو أيضاً فنان شاهدته محتارا في اختيار موضوع للرسم وبعد حديث سألته: لماذا لا ترسم الألم الذي تعاني منه أنت وحتى أنا، والكثير من دمار سوريا، وكثرة الموت واللجوء؟ قال: لم أستطع ولا أستطيع، أحس ان حجم المعاناة أكبر من لوحة أو أغنية أو قصيدة.
دار في ذهني حينها أن هل للفن مسؤولية تجاه بيئته ومجتمعه أم هو شيئ جميل نزين به أنفسنا وبيوتنا وصالونات الأثرياء؟
أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت في أوربا بعض التيارات الفنية والتي امتدت حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية منها ما سمي بالدادائية والسريالية. وقد حاولت تدمير كل القواعد والمفاهيم التي سجنت الفن تحت بند أن الفن هو التعبير عن الجمال فقط، وقالوا يجب طرح الواقع كما هو سواء بقبحه أو بجماله، وفعلاً استطاعت هذه التيارات من فرض نفسها رغم الحرب التي دارت ضدها وبخاصة من الحكومات ذات السمة الديكتاتوريا أو الملكية.
افتقرت التجربة الفنية السورية من النضج من ناحية الموضوع والفكرة فكانت متشابهة وظلت محصورة في الفكرة الكلاسيكية القديمة عن الجمال إلا القلة القليلة، لم تكن بحجم الدمار ولا بحجم الواقع القبيح بل وراحت باتجاه التقليد أو التكرار.
هناك اليوم مشهدان يلخصان الواقع وللأسف أصبح الفن وبسلطة النظام على بعض الفنانين جزء منها، المشهد الأول خيام مصفوفة برتابة ومتشابهة عليها شعارات لبعض المنظمات الإنسانية الغير سورية ومشهد ثانٍ لمراسم الفنانين مصفوفة بتراتب على دمار وصور للشهداء مرمية تحت الأنقاض وعليها شعار وزارة الثقافة السورية والقصر الجمهوري، لتزيين ولفت النظر عن الوحشية لما صنعته أيدي النظام الأسدي. مشهدان مخيبان للأمل الذي بحجة نشره من الفنانين المشاركين أقيم هذا الاحتفال الرعن.
عبداللطيف الجيمو: فنان تشكيلي سوري