التحولات الاستراتيجية.. علاقة "ب ي د – الأسد" من السرية إلى العلن - It's Over 9000!

التحولات الاستراتيجية.. علاقة "ب ي د – الأسد" من السرية إلى العلن

بلدي نيوز – (تركي المصطفى)

مقدمة
يواصل نظام الأسد و"وحدات الحماية الكردية" منذ عام 2011م، برنامجا خاصا لمحاربة الثورة السورية، وبعد ثمان سنوات خلت، تتكشف الصورة غارقة بدماء السوريين، أمعن فيها على مدار سني الحرب، كلا الطرفين: نظام الأسد و"وحدات الحماية الكردية"، ومعهما حلفاء الداخل والخارج، ضمن فصول من العبثية السياسية واسترخاص الدم السوري.
وفي سياق التحولات الاستراتيجية الجارية في المنطقة، اقتربت الشراكة بين نظام الأسد و"الوحدات الكردية" من طي فصولها السرية، بعد أن أنجزت مهامها إثر مصالحة مكشوفة بين واشنطن ونظام دمشق تدفع جميع اللاعبين المحليين للارتماء بحضن النظام، والتخلي عنهم مقابل تماهي الأخير في استراتيجية واشنطن المتمثلة بمحاصرة النفوذ الإيراني في سوريا.
الشراكة السرية بين الأسد و"وحدات الحماية الكردية " إلى العلن
جمعت حرب الشراكة على الثورة السورية؛ "وحدات الحماية الكردية" التي تشكل فرع البعث الكردي المستنسخ من عباءة آل الأسد، ممثلا بكوادر العمال الكردستاني المتماهي مع الأسد على طريقته في القتل لأجل القتل؛ القتل باسم الأب الروحي لكل المسالخ السورية على مدار نصف قرن، وبسلاح روسي مصدره مخازن الأسد يغذيها نزعات قومجية أوجلانية ممزوجة بنكهات مذهبية نتنة، تجمع "الأسد الأب، والوريث الابن، والآبو أوجلان في العلي آلهي"، والمقنعة بماوية صينية، وستالينية عفى عليها زمن الموت، في إطار البعث المشترك.
فرع "البعث الكردي" الوافد لأرض الميعاد في غفلة من السوريين إبان الثورة، والذي وضع "الأكراد السوريين" حجرة في رقعة شطرنج اللعبة الدولية تحت يافطة محاربة (الإرهاب)، ظنا من القائمين عليه أن ارتهانهم لإرادة اللاعبين الدوليين يعطيهم الحق في احتلال أراضٍ سورية، واقعا يحمل السكان بالقوة على القبول به، ثم يتجاوزونه إلى خلق واقع جديد، كما حصل في مناطق ما أطلقوا عليها "روجافا"، وليس ثمة جدال في أن قوة البعث الكردي "ب ي د"، أو "باكش" كما يسميه ناشطو الثورة، ليس قوة ذاتية أو جماعة عرقية، إنما تجمع عصبوي، تحضنه مراهقات سياسية طفولية أوجلانية، لا يملك مقومات القوة بقدر ما يكتسب قوة الغير.
من هنا هرول أكراد "صالح مسلم" إلى بيت الطاعة في دمشق، بعد الاتفاق الروسي الأميركي الذي أنهى بموجبه وضع الجنوب السوري، محافظة درعا تحديدا، لمصلحة النظام، إضافة إلى حديث الأسد المتكرر عن نقل المعركة إلى الشمال السوري.
وبصرف النظر عما قاله "صالح مسلم" في تبرير اللقاء مع الأسد، فقد تخلص الطرفان من حرج اللقاءات السرية، وانتقلا إلى العلن بمباركة الولايات المتحدة التي باتت أقرب لوأد أدواتها الصغيرة المأجورة في المنطقة، لتحافظ على أداة واحدة تلبي مصالحها.
أكراد "ب ي د" في قبضة الأسد علنا
يدرك أكراد "صالح مسلم" وهم في طريقهم إلى الأسد، أنه لم يعد لديهم متسع من الوقت ليعودوا إلى الواجهة السياسية والعسكرية، كما يدركون تراجع قدرتهم على الصمود أكثر مما مضى أمام التحالفات الجديدة بين موسكو وأنقرة، التي نزعت من أيديهم منطقة عفرين، وكذلك التفاهمات بين واشنطن وأنقرة التي سترغمهم على إخلاء منطقة منبج آخر معاقلهم غربي الفرات، ولم يتبق لديهم سوى معركة الخداع السياسي وتحريك ورقة المنافع المتبادلة علنا مع نظام الأسد، الذي يتشاطر معهم العداء المعلن تجاه الثورة السورية وتجاه الأتراك.
من هنا؛ أعلنوا صراحة أنهم ذاهبون إلى دمشق بلا قيود أو شروط، بمعنى الرضوخ لمطالب النظام الذي لن يقبل منهم إلا استكمال ما يريده من عودة أجهزته الأمنية وقواته العسكرية وإداراته الخدمية أي السيطرة الكاملة على مناطق نفوذ "الوحدات الكردية"، وإنهاء العمل بالامتيازات التي منحهم إياها في عامي ( 2011 و2012م)، كي يحكموا مناطقهم مؤقتاً، والعودة العلنية لحظيرة الأسد مثلما صرح صالح مسلم: "لا يمكن أن نقبل أن يظل هناك جزء محتل من أرض سوريا، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لا بد من إنهاء هذا الوضع وتحرير جميع الأراضي، وقد نتعاون مع النظام عسكريا من أجل تحرير أراضينا من الاحتلال التركي".
وأضاف "المسألة ليست أنهم سيساعدوننا في عفرين مقابل مساعدتنا لهم في إدلب، إنما المسألة هي أننا سنعمل جنبا إلى جنب إذا ما تم إنضاج التفاهمات الراهنة".
وفي السياق هذا؛ أكد الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية "رياض درار"، إن الذي دفعهم للاتفاق مع النظام هو كلام الأسد بأن "أمامنا الحرب أو الحوار"، وأضاف درار: بأنه "جرى تشكيل لجان لإتمام الاتفاق النهائي مع النظام لوضع نهاية للحرب".
وعلى فرض التوصل لاتفاق ما، فإن أقصى ما يمكن أن يعطيه نظام الأسد لــ "مسد" هو شكل موسع من الإدارة المحلية مرتبطة بالقانون رقم ( 107/2011) الخاص بالإدارات المحلية، فيما سيحافظ "الاتحاد الديموقراطي" سليل "العمال الكردستاني"، على المستوى السياسي في علاقته التاريخية مع الأسد، حيث لا تزال تُقاد "الوحدات الكردية" من قبل كوادر "الكردستاني" التي ستعمل لصالح الأسد على الفتنة الداخلية شرقي الفرات، وعلى زعزعة الأمن القومي التركي الذين يخوضون مواجهات عسكرية ضده، ولربما يكون من نتائج ذلك ما يلي:
‌-عودة نظام الأسد إلى الواجهة السياسية في مناطق شرق الفرات، وما يتبع ذلك من تقدم سريع لدور قواته العسكرية في السيطرة على تلك المنطقة.
-منع الأكراد من أي تشكيل سياسي مستقل، وتمكين قوى سياسية مدعومة من الأسد، من لعب دور سياسي مضاهٍ للقوى الوطنية.
‌-انتزاع الأسد لمراكز استناد اقتصادية "حقول النفط" من قبضة "الوحدات الكردية"، ما قد يعجل بتهاوي "قسد"، خاصة إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على وقف الدعم المالي عنها.
-تغذية الأسد للنزعات الانفصالية الكردية، إلى الحد الذي يهدد فيه تركيا.
الضوء الأخضر الأميركي في الزيارة المشبوهة
من المعلوم أن وفد "ب ي د" الذي ترعاه واشنطن عسكريا وسياسيا، وتحميه جوا من طائرات الأتراك، وصل إلى دمشق بموافقة واشنطن التي توظف الأكراد في حربها على تنظيم "داعش"، وهي على ما يبدو حرب مفتوحة تنظمها استراتيجيات طويلة الأمد، وتشهد تحولات مثيرة منذ السنة الأولى لولاية دونالد ترامب، ولا أدل على تلك التحولات من المجازر الدموية التي فاقت عهد سلفه أوباما، إذ نكلت بالكثير من المدنيين سواء بواسطة طائرات التحالف من الجو، أو "الوحدات الكردية" على الأرض، والتحول الآخر ما شهدته العلاقات بين نظام الأسد وواشنطن من انفراج تجسد بخطوات انفتاحيه، كان على رأسها وقف الدعم العسكري لفصائل المعارضة المسلحة، وتلا ذلك إبلاغ تلك الفصائل بإفساح المجال لقوات الاسد لاحتلال جنوب سوريا، وأنها لن تكون إلى جانبهم في حال قرروا المواجهة.
انطلاقا من هذه الخلفية، توجه الوفد الكردي إلى الأسد وفي جعبته نصيحة أميركية على شكل قرار لا يسمح بطرح سواها على طاولة النقاش؛ "اذهبوا إلى دمشق وناقشوا القضية الخدمية"، بمعنى التخلي الأميركي عن "الوحدات الكردية"، وفكفكة الفيدرالية التي طالما تشدّق بها "مراهقو السياسة" الذين وضعوا الأكراد وقودا في فرن المصالح الدولية.
حققت الخطوة الأميركية في التخلي عن "الوحدات الكردية" ووأد أحلامهم، ارتياحا في أوساط اللاعبين الإقليميين وفق سياق التسوية مع الأسد الذي تعهد عبر الروس بالالتزام بقضيتين متلازمتين: "حماية حدود "إسرائيل"، و"التماهي مع حلف واشنطن في حصار إيران".
هذه المدركات تقودنا إلى نتيجة واحدة: سقوط الوهم الكردي الذي احتضنه مراهقون سياسيون أوجلانيون، لا يملكون مقومات القوة الذاتية بقدر ما يكتسبون القوة من الحليف الأميركي الذي سيتخلّى عنهم في أول صفقة سياسية جادة.
الأسد للأكراد: الاستسلام لا الحوار
يتبنى نظام الأسد المدعوم من روسيا وأميركا و"إسرائيل"، في مواجهة خصومه استراتيجية "الاستسلام" لكل مناوئيه المحليين الصغار، وينظر إليهم بوصفهم كيانات غير قابلة للتفاوض، أولا يجوز التفاوض معها باعتبارها خارجة على "القانون"، وتمثل أنشطتها جرائم، فيما تشن طائراته هجمات بالأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ولا يعتبر ما يقوم به جرائم حرب أو انتهاكا لحقوق الإنسان، كونه محمي بغطاء دولي من روسيا والولايات المتحدة.
على هذه الخلفية، اصطحب رجال مخابرات النظام الوفد الكردي المفاوض في زيارة إلى الغوطة الشرقية المدمّرة، ليتنقّل من خلالها الوفد بين الأحياء التي تحولت إلى خرائب، في إشارة إلى إمكانية تحويل مناطق شرقي الفرات إلى غوطة أخرى.
وفيما طرح الوفد الكردي على طاولة الأسد إمكانية بناء علاقة معه، وفق صيغة إدارية لامركزية "فيدرالية الشمال الشرقي"، ضحك ممثلو النظام من الطرح الكردي وأعادوا إلى ذاكرته القريبة رغبة واشنطن في الانسحاب من سوريا، وبالتالي تخليها عنهم كما فعلت في عفرين، وأنّها -أي واشنطن- في طريقها للتخلي عنهم نهائيا ولو بشكل تدريجي، وشرح لهم التغيرات الميدانية على الخارطة السورية مؤخرا.
وهذا مؤشر واضح على رفض النظام مشروع الإدارة الذاتية، وإصراره على تطبيق قانون الإدارة المحليّة المعمول به، والتركيز على المجال الخدمي الذي تؤيده الولايات المتحدة، وفق ما صدر عن المبعوث الأميركي الخاص، بريت ماكغورك، الذي أشار إلى أن التفاوض يجب أن يركّز على الجانب الخدمي، فيما يعمل للسيطرة على كل المعابر الحدودية والمنشآت النفطية، وإعادة أجهزته الأمنية للعمل في المنطقة بمشاركة عسكريي الاتحاد الديمقراطي في الاقتصاص من المعارضين، سواء أكانوا من الأكراد أو من العرب، وكذلك من بقيّة العناصر القومية.
والشواهد كثيرة على التشاركية بين الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد في ملاحقة ناشطي الثورة واغتيالهم، كالقيادي "مشعل تمو" وغيره من الناشطين، علاوة على تسليم قادة المجلس العسكري في الحسكة لنظام الأسد، وفي احتلال مناطق سورية مختلفة، وتمثل مدينة حلب أنموذجا صارخا على مدى التواطؤ الكردي ممثلا بالاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد.
تندرج زيارة الوفد الكردي لدمشق على شكل استدعاء علني، لإعادة أجهزته الأمنية وقواته العسكرية ومؤسساته الخدمية إلى تلك المنطقة، وكذلك إعادة المعابر وسجلات النفوس، وتسليمه معتقلي الثورة الذين يرزحون في سجون "ب ي د" منذ سنوات لإحالتهم إلى محكمة الإرهاب واغتيالهم.
ويبدو أن منطقة شرق الفرات المختلطة اثنيا، مهيأة أكثر من أي وقت مضى للدخول في أتون حرب أهلية سيكون طرفاها "نظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي" من جهة، وباقي مكونات الشعب السوري المناوئة لنظام الاستبداد من جهة ثانية، في سياق ما تدعو إليه استراتيجية ترامب، من زج نظام الأسد كشريك مثير للجدل في منطقة ملتهبة قابلة للانفجار في كل حين.
نتيجة
من المهم القول إن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وروسيا وأحلاف كل منهما على ما يسمونه "الإرهاب " في سوريا، تطور ليشمل كل الأطراف المناوئة للأسد، حيث لعب تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد دورا بارزا في وأد الثورة السورية، على مدار ثماني سنوات تحت يافطة محاربة "الإرهاب"، بالتماهي مع واشنطن وموسكو باعتبار الحرب على الإرهاب أداة للنفوذ والهيمنة وتغليب المصالح بينهما على مصلحة الشعب السوري المتطلع لنظام ديمقراطي عادل يحكمه القانون والمساواة.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا