بلدي نيوز – رواد الحلبي
يقطع التلفزيون السوري بث أخبار وانتصارات جيشهم "الباسل" على "الإرهابين"، ينطلق صوت جهوري يسبقه تلاوة لبعض من سور القرآن. يطل مذيع متشح بالسواد، يصر على أن يختلق مظاهر من الحزن الممتزجة بشيء من الجدية، ويلقي بيان على الشاشة الصغيرة، يقول في نهايته: "... الفقيدة الراحلة مهتمة بقضايا المرأة وشؤون الأسرة والشهداء وابنائهم داخل سوريا، إضافة إلى المسنين والأيتام، اكملت مع الرئيس الراحل مسيرة سوريا الحديثة... لا تتجشموا عناء التعزية"، انتهى البيان.
إذاً ماتت أنيسة مخلوف أرملة حافظ وأم بشار، الأول كما نعته المذيع "قائد لسوريا التصحيحية"! والثاني "مكمل لمسيرة التطوير التحديث"! إذاً لنتوقف برهة عند الأم "الفقيدة" ونتجشم (نتعب – نكلف أنفسنا) قليلا فيما علمته لبشار، ولن نخرج خارج بيان "النعوة".
بالعودة للبيان فـ "الفقيدة" مهتمة بقضايا المرأة السورية. في الحقيقة أن عائلة الأسد وربما لأنيسة اهتمام يختلف تماماً عن المعنى المجرد لكلمة "اهتمام" بالمرأة على وجه الخصوص، كونها أنثى وأم، أو هكذا يقال، والمثل العربي يقول أن "الأم مدرسة"، ومنها ينهل أولادها العلم والتعليم، وكونها أم بشار فيبدوا أنه نهل منها الاهتمام بشؤون المرأة السورية، بحيث قتل هذا الأخير 15278 امرأة سورية منذ بداية الثورة السورية في أذار عام 2011 وحتى أيلول عام 2014، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وبحسب البيان أيضاً فأن "الأم" اهتمت لشؤون الأسرة! وهذا ما يبدو أنه انعكس من تعاليمها لأطفالها، بحيث هجّر ارعنها المدلل والمطيع 11.804.023 سوري خارجياً فقط، موزعين خارج سوريا بين دول الجوار والعالم، بحسب دراسة أعدتها (CNN) في أيلول من عام 2015، وهذا الرقم لا يشمل النازحين داخل سوريا.
أما بالنسبة لاهتمامها بشؤون الشهداء، فيبدو أن المعيار لدى عائلة الأسد يختلف بحسب التسمية من هو السوري الشهيد ومن هو غير الشهيد، ويبدوا أن لا وجود للمعيار أيضاً، وعلى هذا فقد قتل "طفل أنيسة" من السوريين ما مجموعه 125.000 سوري حتى نهاية أيلول عام 2014، من نساء وأطفال ومسنين، أي قبل عام ونصف تقريباً، أيضاً وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وبالنسبة للاهتمام بالأيتام، فالتقارير الإعلامية والحقوقية والإنسانية تقول أن أولاد "أنيسة مخلوف" وزعوا على العالم من الأطفال السوريين الأيتام ما لا يطيقه، بحيث ولّد بشار من السوريين ما يقارب 600.000 طفل سوري يتيم، حتى نهاية النصف الأول من عام 2015.
هذا غيض من فيض، فيض اعتبر المأساة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، ومن لا يريد أن يتجشم، فالسوريين تجشموا (عانوا) الموت بكل اشكاله قصفاً وتعذيباً وجوعاً ولا زالوا، ولم يتجشم هذا العالم لنيل مطالبه المحقة من سفاح ولدته "أنيسة مخلوف".