بلدي نيوز – (تركي المصطفى)
نجح الاتفاق الروسي "الإسرائيلي"، في إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن منطقة خفض التصعيد الرابعة جنوب غرب سوريا، بخطة عمل تعيد قوات الأسد إلى الحدود السورية مع الجولان المحتل، وكذلك تعيد صياغة الميليشيات الإيرانية وتدويرها في تشكيلة قوات الأسد بضمانة روسيا، التي حشدت حلفاءها بمن فيهم الخلايا المحلية في "حوران" الداعية للمصالحة مع النظام "بعض الوجهاء والمخاتير ورؤساء البلديات"، مع استجابة أغلبية قادة الفصائل المستسلمين للقدر الروسي للدخول في تسويات استسلام.
في هذا التوقيت؛ ضبط الأسد توقيت بدء العمليات العسكرية في الجنوب السوري على ساعة الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين"، التي استلمها الموساد من أجهزته الأمنية كبادرة حسن نيّة لإعادته إلى وظيفته السابقة، كحارس لأمن "إسرائيل".
في العاشر من أيار الماضي، شهد النصف الجنوبي من سوريا "ليلة كسر العظم الإيراني" الشهيرة، ما جرى جسّد اتفاقاً بين روسيا و"إسرائيل" على وقع إنهاء الولايات المتحدة العمل باتفاق الملف النووي الإيراني، مع تفعيل "الحق الإسرائيلي" باستهداف كل ما يشكّل خطرا على أمنها.
لم يكن في بال الإيرانيين ألّا تسير الأمور كما يشتهون، بالتموضع بالقرب من الحدود الجنوبية لسوريا، وقعّت "إسرائيل" رسائلها النارية بعد انتزاع رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" موافقة روسيا على المطالب الإسرائيلية، والتوصل إلى تفاهم يقضي بقبول الأسد حليفا استراتيجيا لـ "إسرائيل"، وكانت إعادة مقتنيات الجاسوس الإسرائيلي "كوهين" بمثابة إعلان الساعة صفر لتدمير سهل حوران.
العقبة الكبيرة التي تواجه روسيا وحلف إيران ومعهما "إسرائيل"، هي كيفية التوصل إلى اتفاق ينهي فصائل الثورة السورية المسلحة في منطقة تكتظ بالمصالح الإقليمية والدولية، لذلك بادرت روسيا إلى تجنّب حصول مواجهة بين "إسرائيل" والحلف الإيراني على أرض سوريا، وهدفها الأساسي القضاء على كل من رفع السلاح في وجه الأسد، واستثمار "انتصاراتها" على الشعب السوري، وكذلك منع "إسرائيل" من إضعاف قوة الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة لها، وعند هذا الحدّ ارتفع مستوى خطاب الأسد بعد أن تعهّد لحلفائه ضمان أمن "إسرائيل" من جهته، وضمان روسيا تحجيم الميليشيات الإيرانية في التوغل باتجاه الجولان المحتل، فيما تتجه أنظار إيران نحو الأردن لاستكمال سلسلة مشروعها الاستراتيجي في تفكيك البنى الاجتماعية وتدمير دول الجوار.
مرّت أسابيع قليلة على المحاولات الجدية، كان البارز بداية، لجوء روسيا إلى استثمار موقف "إسرائيل" في القبول بتعهداتها في سحب ميليشياتها من الجنوب، ومع أن الضغوط من جانب قوى نافذة في الإدارة الأميركية، وقوى إقليمية على رأسها "إسرائيل"، قد نجحت في تجميد الخطوات التنفيذية للتوجه الأميركي في إبعاد إيران عن سوريا، فالتطورات جعلت واشنطن تدرك أن مسار الاحداث يتجه نحو ذات الاستراتيجية المتماثلة مع طهران وحلفائها، فيما روسيا المنتشية بنجاعة وسائل القتل تستثمر تعزيز حضورها الدولي والاقليمي على جماجم الأطفال السوريين.
لم تمض أيام قليلة حتى تبين أنّ الروس قد حصلوا من الأميركيين، وبضغط من "إسرائيل" على لائحة مطالب، تقدم الأجوبة على اجتثاث كل الخارجين عن ربقة نظام الأسد، وتبين أن المطالب وضعت قيد التنفيذ في سياق إطار "تفاهم عام"، كان للأسد فيه دورا إعلاميا كواجهة شرعية للمحتلين في إعلان الساعة الصفر.
خلال العمليات العسكرية الأخيرة في الجنوب، كانت "إسرائيل" تعد لائحة الشروط، وتقدم سلة بسقوف عالية بهدف تغيير مسار العمليات العسكرية بالتركيز على الجبهة الشرقية باتجاه معبر "نصيب" بوابة الولوج إلى الأردن، وعدم الاقتراب من جبهات الريف الشمالي الغربي لدرعا المتصل بريف القنيطرة، بما يمتلك من ترسانة أسلحة ليست بقليلة وتضم مواقع عسكرية وتلال حصينة، إلا أنها بقيت محيّدة طوال العمليات العسكرية الأخيرة، وهو مطلب إسرائيلي تمّ الاتفاق عليه مع الروس، مما يرجح احتمالات تسوية هذه المنطقة بما يتناسب وأمن "إسرائيل".
التواصل بين الروس والايرانيين والإسرائيليين لم ينقطع، لكن بدأ التساؤل عن خطوات توحي بإمكانية تنفيذ الخطوة الاستراتيجية اللاحقة، ولا أدّل على ذلك من اللوحة التي رفعها عنصر من ميليشيات إيران على الحد الفاصل بين سوريا والأردن، وهو يرتدي الزي العسكري لقوات الأسد مكتوب عليها "هل نكمل"؟.
في ميزان الربح والخسارة، يبقى الأردن الخاسر الأكبر من غياب الجيش السوري الحر عن تخوم المملكة واستبداله بميليشيات شيعية إيرانية، حيث تواجهها تحديات كبيرة من وضع اقتصادي متدهور، وتداعيات ارتدادية على ما جرى في الجنوب من انقسام بين عامة الشعب الأردني وحكومته، حول قضية منع دخول الفارين من الموت.
لكن مالم تضعه الحكومة الأردنية في حساباتها، تلك اللوحة التي حملها عنصر إيراني بالقرب من معبر نصيب وعينه على ساعة الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين"، لتحديد ساعة الصفر للبدء بتفتيت أكبر "تجمع عربي سني" محاذي لفلسطين المحتلة، في خطط مشروع إيران بتطويق "إسرائيل" بحزام شيعي في إطار تفاهمات دولية وإقليمية.
لكن لمن يهمه التعرف على وقائع ما جرى في الجنوب السوري، عليه أن يقرأ بالمانشيت العريض: بشار الأسد سيبقى حليفا استراتيجيا لـ "إسرائيل"، يضبط ساعته على ساعة جواسيسها.