بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
توطئة:
تُعدُّ درعا مفتاحا رئيسيا في الصراع الجاري، يستميت الروس وحلفاؤهم للسيطرة عليها، استغلالا لموقف القوى الإقليمية والدولية التي قررت حسم المعركة لصالح الأسد بعد زعمهم تسوية وضع الميليشيات الإيرانية ودمجها مع قوات الأسد بموافقة إسرائيلية وضمانة روسية لحماية أمن إسرائيل وعدم المطالبة بالجولان السوري المحتل.
مدخل:
تناقش هذه الورقة المعركة الدائرة في محافظة درعا، بين فصائل المعارضة المسلحة من جهة، والميليشيات الإيرانية وميليشيا الدفاع الوطني " الشبيحة" مدعومة بغطاء جوي روسي من جهة أخرى، في إطار الحرب الناشبة منذ أكثر من سبع سنوات في سوريا، وتُوطِّئ لهذا النقاش باستعراض تحليلي موجز للأهمية الاستراتيجية لدرعا، في بعدها العسكري المتصل بنتائج المعركة وأهدافها، وما يرافق ذلك من تحولات كبيرة بين أطراف الصراع الدولي في خطط المواجهة والأهداف المتباينة وآفاقها المحتملة حسب وجهة عجلة المعارك مع رصد هذه الأطراف عددا وعدة، وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث بكل تشابكاتها المعقدة.
وتستعرض هذه الورقة أبرز التطورات وأكثرها تأثيرا في مسرح المعركة، كما تناقش المحركات الدافعة لكل الأطراف والتي فرضت مراجعة الخطط استجابة للتطورات المتماهية مع الصفقة الإسرائيلية الروسية في ملف الجنوب السوري، بعد تسوية وضع الميليشيات الإيرانية ودمجها في تشكيلات قوات الأسد.
مقدمة:
سبع سنوات ونيف على دخول الجنوب السوري خط المواجهة المسلحة بين أطراف الحرب في سوريا، "نظام الأسد وحلفاؤه من الإيرانيين والروس" من جانب، و"فصائل المعارضة السورية" من جانب آخر، وشهدت درعا البلد منذ بداية الثورة معارك كبيرة بين فصائل الثورة وقوات نظام الأسد، من أشهرها معركة (الرماح العوالي)، وتلاها عدد كبير من المعارك التي باغتت الميليشيات الشيعية وقوات الأسد في أكثر من موقع، ونتج عن ذلك سقوط مواقع عديدة في قبضة الفصائل في محافظة درعا. ومع التدخل الروسي في العام 2015م شنت الميليشيات الإيرانية هجوما كبيرا على معاقل فصائل الثورة، مستثمرة ضربات الطائرات الروسية المكثف ووسائط النيران الأخرى ضد المدنيين، لشل قدرات فصائل الثورة التي التفتت إلى تقنيات الكمائن والإغارة على مواقع الميليشيات الإيرانية، فيما ضاعفت الطائرات الروسية غاراتها الجوية على الأحياء السكنية في المناطق الثائرة في سابقة لم تشهدها مدن وبلدات حوران طيلة سني الحرب؛ إذ بلغ عدد الغارات خلال أسبوع 120 غارة جوية، والهدف منها السيطرة على بلدة الشيخ مسكين لما لها من أهمية استراتيجية لوقوعها بالقرب من طريق إمداد قوات الأسد والميليشيات الايرانية المساندة لها مما مهد للاستيلاء على المدينة لتدور المعارك في أحياء مركز المحافظة، إذ أطلقت غرفة "البنيان المرصوص" معركة كبيرة تمكنت بنتيجتها من تحرير غالبية حي المنشية وطرد ميليشيات تقدمت إلى كتيبة الدفاع الجوي الواقعة غربي المدينة واغتنام آليات ثقيلة وأسر عدد من المعتدين، لتفرض روسيا بالتوافق مع واشنطن اتفاقا لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، تزامنا مع لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين، التي عقدت في هامبورغ الألمانية في يوليو/ تموز 2017. وفي فصل جديد من مشهد الأحداث الدائرة في سوريا، ازداد التقارب بين روسيا و"إسرائيل"، وتوصلتا إلى مقترحات بشأن الجولان السوري والجنوب، بعد لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدرو ليبرمان، ونظيره الروسي سيرغي شويغو في موسكو، وجرى التفاهم بين الطرفين على إبعاد الميليشيات الإيرانية وراء محور دمشق – السويداء، مقابل عودة قوات النظام مبدئيا إلى ثلاث نقاط: "تل الحارة" في ريف درعا، وهي أعلى هضبة ذات بعد عسكري، و"معبر نصيب" على حدود الأردن، ومنطقة "بصر الحرير" في ريف درعا، وخروج هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، و"جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش"، إضافة إلى رافضي الاتفاق إلى جهة تحدد لاحقاً، وانخراط الفصائل ضمن هيكلين رئيسيين، أحدهما في المنطقة الشرقية لدرعا، والآخر في المنطقة الغربية، حيث ستعمل إلى جانب الشرطة الروسية تحت مسمى "قوات محلية"، وتعهد الروس بعدم دخول قوات النظام إلى المدن والبلدات، على أن تعود مؤسسات الدولة إلى العمل من جديد، ويتم رفع علم النظام، ومن ثمّ إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، الذي يتضمن منطقة محايدة، ومنطقة منزوعة السلاح، وأخرى محدودة السلاح يراقبها نحو 1200 عنصر من "قوات الأمم المتحدة لفك الاشتباك" (اندوف).
من هنا جاء السماح الإسرائيلي بفتح معركة الجنوب على خلفية التفاهمات الروسية - الإسرائيلية وهذا ما أكده الأسد في حديثه الأخير (أنه في حال لم تنجح المفاوضات فإن التحرك العسكري سيكون خياراً بديلاً).
اليوم، شارفت التجهيزات والتحشيدات على الانتهاء، ولم يبقَ إلا إعلان بدء الهجوم، مع ملاحظة أن ثمة عوامل عدة تؤثّر في تحديد الساعة الصفر). التي بدأت عمليا في 19 يونيو/حزيران الجاري.
الأهمية الاستراتيجية لدرعا والجنوب
تكمن الأهمية الاستراتيجية لمدينة درعا بتموضعها الجغرافي في الخاصرة الجنوبية لسوريا، وتشكيلها نقطة وصل بين محافظات الجنوب والوسط والمملكة الأردنية، ومشاطرتها المناطق الحدودية مع الجولان المحتل وكذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة. من هنا فحجم الأهمية الاستراتيجية للجنوب يلعب دورا محوريا في العمليات العسكرية للميليشيات الإيرانية وتلك التابعة للأسد، لذا تنتشر عدة فرق عسكرية، مهمتها قتل الشعب السوري الثائر في هذه المنطقة باعتبارها مهد الثورة السورية. كما أن تنوع تضاريسها بين السهلية والهضبية، أعطاها ميزة اقتصادية، لها أهميتها الكبيرة في ظروف السلم والحرب، هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين المسائل التي ركزت عليها الميليشيات الشيعية السيطرة التامة على مفاصل الطريق الوحيد الواصل بين دمشق ودرعا بهدف إحكام القبضة على المنطقة بوصفها مركز ثقل جغرافي وسكاني، ومركزا للحراك الثوري والتحشيد الجماهيري الداعم للثورة.
المعركة القائمة
تكشف المعركة الجارية في ريف درعا الشرقي عن وجود اندفاعة إيرانية شيعية بتغطية جوية روسية وموافقة إسرائيلية باتجاه هدفين هما الوصول إلى معبر "نصيب" الاستراتيجي، وتشطير محافظة درعا إلى قسمين شرقي وغربي، ومن ثمّ البدء بعملية القضم التدريجي للمناطق المحررة مما حدا بغرفة العمليات العسكرية المركزية بالتحرك لصد هذه الهجمة غير المسبوقة بعد أن كسرت الميليشيات القوس الدفاعي الاستراتيجي في منطقة اللجاة واحتلت بعض الحواضر كبلدة بصر الحرير. ولرصد سير المعارك وتفاعلاتها المهمة لابد من معرفة أطراف القتال:
أولا: فصائل المعارضة المسلحة، وتضم فصائل عسكرية متعددة، أبرزها الفصائل المنتمية للجيش السوري الحر، والمنضوية حديثا تحت مُسمى "غرفة العمليات المركزية في الجنوب السوري"، وتتكوّن من مجموعة تشكيلات عسكرية، وأهمها "البنيان المرصوص" و"رص الصفوف" و"توحيد الصفوف" و"اللجاة" و"صد الغزاة" و"صد البغاة" و"اعتصموا" و"مثلث الموت" و"النصر المبين" و"القنيطرة"، تنتشر على طول خط الجبهة ضد الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد، وتنظيم "جيش خالد" المبايع لـ "داعش" والمسيطر على منطقة "حوض اليرموك".
ثانيا: قوات نظام الأسد وميليشيا الشبيحة والميليشيات الشيعية، وتضم:
- الميليشيات الإيرانية: مجموعة من المقاتلين الشيعة زجت بهم إيران في معركة الجنوب لمواجهة فصائل الجيش السوري الحر مقابل مبالغ مالية وتجييش طائفي لقتال أهل السنة، يطلق على تشكيلاتها أسماء إيديولوجية مثل مليشيات (حزب الله اللبناني، وذو الفقار الإيراني، ولواء فاطميون الأفغاني والحرس الثوري) وغيرهم.
- قوات نظام الأسد: تتكون من بقايا الجيش، وتمتلك عدة قواعد عسكرية في ريف دمشق الجنوبي وفي السويداء وريف درعا الشمالي، وباتت غالبيتها تحت إمرة ضباط إيرانيين.
- ميليشيا ( الشبيحة) أو ما تسمى قوات النمر، يقودهم الضابط العلوي سهيل الحسن المدعوم من روسيا، يتخذ من مطار خلخلة مركزا لانطلاق عدوانه على الجنوب.
دوائر الاشتباك وتكتيك المعركة
تجري معارك الجنوب وفق خطط تفرضها الأحداث العسكرية على كل طرف، وفي جانب التكتيك المتبع، فالملاحظ أن فصائل الجيش الحر تتخذ وضعية الدفاع مما مهد عمليا لخسارة غالبية منطقة واسعة في اللجاة بعد أن كسرت في المرحلة الأولى من المعارك خطوط دفاع الفصائل في " بصر الحرير وناحتة والمليحة الغربية والشرقية)، وفي المرحلة الثانية زجت إيران ميليشياتها الشيعية المتعددة الجنسيات وإطلاق سلسلة عمليات على محاور عدة بهدف التقدم جنوبا باتجاه معبر "نصيب"، وتقطيع مناطق سيطرة فصائل الجيش الحر إلى جزر يسهل الإطباق عليها وحصارها بعدما حاولت التقدم من عدة محاور في القطاع الجنوبي الشرقي من مدينة درعا بهدف قطع خطوط إمداد الفصائل بين منطقة طريق السد ودرعا البلد باتجاه الحدود الأردنية، للوصول إلى بلدة نصيب.
كما تحاول المليشيات الطائفية السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي جنوبي درعا البلد، كخطوة لقطع الطريق الحربي للفصائل الذي يربط الريفين الشرقي بالغربي، وفي حال اتصال ميليشيات الشيعة ببعضها سيتم حصار مناطق فصائل الجيش الحر في القسم المحرر من المدينة، وتشطير الجنوب إلى قسمين.
من جهتها، أعلنت فصائل المعارضة تدمير عربة بي أم بي لقوات النظام على جبهة القاعدة الجوية، غربي درعا. كما أعلنت الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات "البنيان المرصوص" عن تدمير دبابة لقوات النظام خلال التصدي لمحاولات تقدم باتجاه قاعدة الدفاع الجوي.
وأشارت الغرفة إلى أن قوات النظام بدأت باستهداف المنطقة ناريا لسحب قواتها، مضيفة أنها تصدت لمحاولة أخرى نفذتها عناصر من مليشيا "حزب الله" اللبنانية في المنطقة، حيث تمكنت من قطع طرق إمدادهم، وسط استمرار المعارك بين الطرفين. وكانت غرفة العمليات المركزية في الجنوب التابعة للمعارضة السورية، أعلنت مقتل 12 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الشيعية الموالية له.
الطيران الروسي والمهمة القذرة
إن تضاريس المنطقة المستهدفة في درعا وريفها الواسع والمفتوح لا توفر مخابئ وملاذات آمنة في حال استهدافها بالطيران الحربي، من هنا يكثف الطيران الحربي الروسي وذاك التابع للأسد غاراته الجوية على درعا البلد وغالبية بلداتها وقراها بهدف قتل أكبر عدد من المدنيين الذين بلغوا أكثر من 70 شهيدا، وقال مراسل بلدي نيوز حذيفة حلاوة إن "خمسة مدنيين قتلوا في مدينة داعل، وسادس في بلدة المسيفرة، وسابع في الجيزة، فيما قتل مدنيان ببلدة الحراك، بالإضافة إلى 3 شهداء في بلدة الصورة، فضلاً عن عشرات الجرحى بغارات طيران النظام وروسيا على بلدات شرق درعا. كما ارتقى شهداء وجرحى في غارات استهدفت الغارية الشرقية، وطاول القصف الجوي أيضا بلدات نوى وداعل وطفس وابطع والشيخ سعد في الريف الغربي لدرعا".
وأضاف حلاوة: "إن المشافي الميدانية في بلدة صيدا وبلدة المسيفرة وبلدة الجيزة بريف درعا الشرقي خرجت عن الخدمة بعد استهدافها من قبل الطيران الحربي الروسي بغارات جوية". وتهدف هذه الغارات المكثفة لإحداث "الشلل الاستراتيجي" للجيش الحر وحرمانه من استخدام قدراته الهجومية والدفاعية في منطقة مفتوحة ومكشوفة جوا لعدم امتلاك فصائل الثوار لمضادات دفاع جوي ذات أمدية تطال الطائرات الحربية الروسية التي تحلق على ارتفاعات شاهقة. وبصورة عامة، يمكن القول إن الضربات الجوية الروسية المستمرة ضد فصائل الجيش الحر تأتي لتغطية تقدم الميليشيات الشيعية، ولو توفر للجيش الحر غطاء جوي لدارت رحى الحرب بطريقة مغايرة لعلها تمكن الثوار من حسمها في أيام قليلة.
نتائج رصد المعركة في أسبوعها الأول
ارتبطت معارك الجنوب بالميليشيات الإيرانية التي تجمعت مؤخرا - نتيجة الضغوط الإسرائيلية - في تشكيلات قوات الأسد فتضاعفت قوتها، وانتقل ثقل المعركة إلى الريف الشرقي بحسب ما أكدته "ميليشيا ذو الفقار الشيعية" في معرفاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تنفي "إسرائيل" على لسان وزير حربها أفيغدور ليبرمان تخفي عناصر إيرانية، ومن حزب الله بملابس قوات الأسد للبقاء في المنطقة، مبديًا ثقته الكاملة بالتعهدات الروسية التي تحدثت عن خلو المنطقة من أية عناصر إيرانية، وعدم مشاركة مليشياتها في المعارك.
ولا تزال فصائل المعارضة عند موقفها الرافض إجراء تسوية استسلام مع الجانب الروسي على غرار ما جرى من تسويات في حلب ومناطق ريف دمشق، ويرى رئيس المكتب السياسي في "جيش اليرموك"، أحد أبرز مكونات "جيش الثورة" العامل في محافظة درعا وعضو "الهيئة السورية العليا للمفاوضات" بشار الزعبي في تصريحه لبلدي نيوز "لا تزال الأوضاع العسكرية على الأرض جيدة، ولكن شدّة القصف هي المشكلة"، وفي هذا الصدد قال لبلدي نيوز العقيد الطيار "نسيم الوعرة" قائد المجلس العسكري لقوات شباب السنة "دارت معارك طاحنة مع قوات النظام والميليشيات المساندة لها، في منطقة اللجاة تمّ تكبيد العدو فيها خسائر فادحة. ومع تصعيد القصف غير المسبوق للطيران الروسي وذاك التابع للأسد، اضطر الثوار للانسحاب من عدة قطاعات، وفي هجوم معاكس استرجعنا جزء كبير من المناطق ولا تزال المعارك في حالة كرّ وفرّ وسط تحليق مكثف للطيران".
فيما قالت الغرفة المركزية للعمليات في بيان تأسيسها: "إلى أهلنا في سورية.. أيها الصابرون الصامدون، ثقوا في أن النصر على أبواب حوران، وأن النظام المجرم وميليشياته جمعوا عدتهم وعتادهم لخوض معركة سيذوقون فيها الويلات".
وبذلك اختارت الفصائل المواجهة إيمانا بقدرتها على امتصاص الهجوم والبدء بهجوم معاكس، معتمدة على آلاف الثوار الذين يمتلكون الخبرات القتالية والأسلحة الثقيلة والحاضنة الاجتماعية ومعرفتهم بتضاريس ميادين القتال مما سيطيل من عمر المعركة واستنزاف قوات العدو وهو مالا تتحمله روسيا التي تعهدت لإسرائيل بإبعاد الميليشيات الإيرانية العنصر الرئيسي في المعارك الدائرة، كما أن تأكيد موسكو ثم نفيها إلغاء اتفاق منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سورية يشير إلى حالة إرباك سياسي روسي، وفي حال إصرار فصائل الثورة على الاستمرار في القتال فإن المعركة ستتوقف ثم تُستأَنَف، إلى أن تتوصل مختلف القوى الإقليمية والدولية إلى حدٍّ من التوافق على صيغة حلّ سياسي لهذه المنطقة المتخمة بالمصالح.