Foreign Poilcy – خاص – ترجمة بلدي نيوز
في التاسع عشر من كانون الأول، وفي خضم جلسة نقاش بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، اتهمت المرشحة عن الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون" الحكومة السورية بقتل 250.000 ألف سوري، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، قام السناتور "ليندسي غراهام" و"جون ماكين" باتهامات مماثلة لنظام الأسد.
وفي الأمم المتحدة، قدر الأمين العام بان كي مون أيضاً محصلة القتلى في الحرب السورية إلى 250.000 – ولكنه لم يقترب حتى من إلقاء اللوم على حكومة الأسد.
ويبدو أن إحصاء عدد القتلى في خضم الحرب السورية وكأنه مجرد فكرة مادية، خصوصاً عندما تتركز الجهود الدبلوماسية الدولية على إنهاء الحرب ومنع المزيد من القتل، ولكن عدد الضحايا يمكن أن يكون له تأثير قوي على الرأي العام، وعلى حث الحكومات على العمل، ولذلك تنشر الأمم المتحدة عدد الضحايا في مناطق الحروب الأخرى، بما في ذلك أفغانستان واليمن، لزيادة الضغط على المقاتلين للتحلي بضبط النفس.
إن الخلافات المتأججة حول قتلى الحرب، هو لأنه في الحقيقة، في سورية -قد أثبت أن تعداد القتلى هو علم ناقص ومجنون، وأقرب المستشارين يعترفون بأن أرقام الضحايا هي في أحسن الأحوال تكهنات، وهي نتيجة جهود محبطة من قبل الأمم المتحدة ومجموعة من نشطاء حقوق الإنسان المستقلين لتقديم النتائج النهائية لقتلى الحرب في البلاد- وبدوره، لتحديد المسؤولية عن أعمال القتل.
يقول ميكا زينكو، وهو صحفي بارز في مجلس العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية "هذه التقديرات مهمة من الناحية السياسية والتاريخية، ولكن إذا كنتم تزعمون أنكم تهتمون بحماية المدنيين من الاذى، فيجب تفهم الكيفية التي تضر بالمدنيين، وعلى وجه التحديد ما هو شكل الفتك الذي يؤدي إلى هذا العدد من الوفيات".
وهناك اتفاق واسع النطاق بين جماعات حقوق الإنسان الدولية والسورية على أن نظام الأسد -الذي يحاصر 180.000 ألف سوري على الأقل، ويقصف المدن التي تسيطر عليها المعارضة بالبراميل المتفجرة، هو من أودى بحياة الكثير المدنيين، أضعاف ما سببته أي جماعة مسلحة أو متطرفة، وقد واجهت الحكومة السورية إدانة دولية لتجويع المدنيين في المدينة التي يسيطر عليها الثوار من مضايا الأسبوع الماضي.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية "جون كيربي" تقديم تقديرات داخلية عن مقياس قتلى الحرب في سورية، قائلاً أن الإدارة الأمريكية واثقة أن الأغلبية العظمى قد قتلت من قبل نظام الأسد وحلفاءه، كما أن المنظمات الإنسانية الغير حكومية تؤيد هذا الرأي.
وأردف كيربي "حقيقة أن الولايات المتحدة غير قادرة على نشر لائحة موثوقة بعدد القتلى في سورية يؤكد عمق الأزمة السورية ومدى خطورتها".
وقال باولو سيرجيو بينيرو، رئيس لجنة مستقلة للأمم المتحدة للتحقيق في سورية، في حزيران الماضي، معظم الهجمات ضد المدنيين السوريين قام بها مقاتلين -إلى حد كبير من قبل قوات الأسد- وأضاف "إن الحكومة السورية لديها التفوق في قوة النيران والسيطرة على السماء، وقواتها تلحق أشد الضرر في الهجمات العشوائية على المدنيين في المدن المأهولة والبلدات والقرى والمخيمات المؤقتة".
كما لم تقدم الحكومة السورية سجلات قتلى رسمية إلى الأمم المتحدة منذ أكثر من عامين ونصف, وعملياً لا توفر المنظمات المؤيدة للنظام الحسابات التفصيلية لقتلى الحرب، ويترك ذلك إلى شبكة من النشطاء السوريين في المعارضة أو إلى حد كبير إلى جماعات حقوق الإنسان لجمع البيانات حول النزاع، ولكن أرقامهم تبقى غير كاملة.
كما وتوقف مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن تعداد قتلى الصراع في سورية منذ صيف عام 2014، بسبب صعوبة الوصول للمناطق المتضررة، وعدم الثقة بمصادر البيانات.
وقد أعلن ما لا يقل عن ستة مرشحين امريكيين للرئاسة، بما في ذلك كلينتون والجمهوريين، ماركو روبيو وجيب بوش، عن دعمهم لإقامة منطقة حظر جوي فوق أجزاء من سوريا لحماية المدنيين من الأسد والقوة الجوية الروسية، ويقول الخبراء أن التمييز مهم، لأن إجراء تقييم دقيق لعدد القتلى قد يؤدي لقرارات سياسية مختلفة لعلاج الأزمة.
فالأرقام التي نشرها مركز توثيق الانتهاكات في سورية، على سبيل المثال تشير إلى أن المدنيين الذين أطلق النار عليهم حتى الموت هم (19.150) ومن ماتوا تحت القصف (26.241) ، وأولئك الذين قتلوا في الغارات الجوية (17.199) حتى نهاية أيار 2015، وإذا كان هذا صحيحاً، فإن منطقة الحظر الجوي ستقرض حماية محدودة فقط بالنسبة لغالبية الضحايا، كما أن إدارة اوباما قد قاومت فرض منطقة لحظر الطيران، لأنها قد تحتاج إلى نشر مئات، إن لم يكن الآلاف، من المشاة وغيرها لتدعم القوات البرية في سوريا.
وفي تشرين الأول الماضي، بعد أن أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية الروسية قد قتلت 13 شخصا في مستشفى سوري، حاولت موسكو التشكيك بمصداقية هذه المعلومات نظراً لمحدودية المعلومات والمصادر، وتهكمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من مدير المرصد، رامي عبد الرحمن مشبهة إياه بنادل في مطعم بيتزا يقدم شهادته في الموضوع.
ويقول بعض المراقبين أن التشويش على أرقام القتلى يتم من خلال مؤيدي الأسد، بما في ذلك روسيا، التي تريد تحويل النقاش إلى عدد القتلى بعيداً عن إجبار الأسد التخلي عن السلطة.
ويقول إميل حكيم، وهو زميل بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "أستطيع أن أفهم الجدل حول الأرقام، ولكن هذا لا يمكن أن يصرف نظرنا عن الصورة الأكبر"، وأضاف "الحقيقة أن الأسد لديه قوة نيران متفوقة وهو مستعد لإلحاق خسائر اكبر بكثير بين المدنيين، وهذا جزء من استراتيجية الأسد التي تعمد إلى تحويل المعاناة إلى ازمة إنسانية تعتمد على البلدان المجاورة والمنظمات الإنسانية، مما يؤدي إلى مقترحات سياسية لوقف القتال بدل التركيز على الانتقال السياسي".
وتقول نيرما جيلاسيك المتحدثة السابقة باسم المحكمة الجنائية الدولية، والتي تعمل حالياً مع منظمة تقوم بجمع الأدلة على جرائم الحرب في سورية لمحاكمات محتملة في المستقبل، "تظهر الصراعات الأخيرة أنه من الصعب جداً العثور على أرقام دقيقة للخسائر في حين أن الصراع مستمر، وحتى لو كانت الحرب طويلة من دون إعطاء إحصاء دقيق، فمع البيانات المتاحة لدينا الآن، يتضح أن النظام وأتباعه هم من تسببوا بمعظم الخسائر حتى الآن".
وقالت ميغان برايس، المديرة التنفيذية لشركة تحليل في سان فرانسيسكو، أن الأرقام الحقيقية لعدد القتلى في سورية قد تكون أعلى بكثير مما تقدمه الأمم المتحدة بسبب ما وصفته بـ "الرقم المظلم" أي عمليات القتل الغير موثقة والتي لا تذكر.
ففي دراسة لوفيات الحرب منذ كانون الأول 2012 إلى أذار 2013 قدر الباحثون عدد القتلى في مدينة حمص السورية إلى 4246 أي أكثر من ضعف عدد القتلى الموثقين بـ (2037).