بحث

ماذا يريد بوتين بالضبط؟

Foreign Policy – ترجمة بلدي نيوز
بعد أن استولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم، ومن ثم أرسل رجاله الخضر (ليس خلسةً) إلى شرق أوكرانيا في أوائل عام 2014، اعتقدت أنني فهمت أهدافه فعلى ما يبدو كانت هذه استراتيجية واضحة للانتقام بعد عام 1990: بحيث توسع موسكو سيطرتها على "البلاد القريبة"، كجورجيا وتهيمن، إن لم يكن تعيد تشكيل أكبر قدر من الاتحاد السوفياتي السابق.
والآن، صراع آخر بارد وتدخل عسكري روسي غير مسبوق في سورية، وأنا في حيرة من أمري وأتساءل: ماذا يريد بوتين وما الذي يدور في رأسه؟ ورغم أنه لم يسبق لأحد اتهام بوتين بكونه مهتماً بالاقتصاد، إلا أن هناك مزيج من الامور التي قد توحي بذلك: سعر البرميل الواحد من النفط 40 دولار، والعقوبات الاقتصادية التي شلت الاقتصاد الروسي الذي كان محاصراً أصلاً، والذي من المتوقع أن يتقلص لما يقرب من 4% هذا العام بسبب التضخم وفقدان الروبل لقيمته، كل ذلك مع عدم وجود نهاية في الأفق.
في سوريا، على ما يبدو أراد بوتين استبعاد التجربة السوفيتية في أفغانستان، فاستخدم الحرب الجوية، وبعد ثلاثة أشهر ومئات الغارات الجوية، يبدو أن كل ما حققه بوتين هو خلق مزيد من الفوضى والقتل وإنتاج مزيد من اللاجئين السوريين، وهكذا جعلت موسكو، من سورية _مع التدخلات الأجنبية المتعددة الاطراف، تبدو على نحو متزايد نسخة القرن الـ21 من الحرب الأهلية الإسبانية.
وهذا قد يساعد على تفسير سر لطافة بوتين واتفاقه مع وزير الخارجية الامريكية جون كيري على الدبلوماسية في سوريا، فهي لم تسمى مقبرة الإمبراطوريات من أجل لا شيء.
وبعد إسقاط تركيا لمقاتلة روسية كانت قد تجاهلت التحذيرات المتكررة باختراقها المجال الجوي التركي، (لتقصف الثوار التركمان المناهضين للأسد وليس تنظيم الدولة !) قام بوتين بالرد بتطبيق عقوبات اقتصادية على تركيا، وإلغاء محطة نووية وخط أنابيب غاز "ترك ستريم" الذي كان قيد الإنشاء.
وبذلك يكون قد ضحى بمشاريع اقتصادية بمليارات الدولارات لاقتصاد روسي هو بأمس الحاجة إليها، كما وجه الرئيس الروسي بذلك ضربة لشركة "غاز بروم" والتي كانت تبني خط أنابيب غاز وتحافظ على قبضة روسيا الضعيفة على غاز السوق الأوروبية.
وبعيداً عن الضرر الاقتصادي الذاتي، أعاد بوتين أيضاً فتح مسألة الأمن الاوروبي، والتي اعتقدت الولايات المتحدة وأوروبا أنها مسألة قد اغلقت عام 1991.
إلا أن بوتين عاد للانتهاكات الجوية والبحرية، والتي جعلت السويد تفكر بعضوية حلف شمال الأطلسي ودول البلطيق تطالب بنشر قوات الناتو بشكل دائم، وبالتالي تجدد شباب حلف شمال الأطلسي مع شعور متجدد "بأن له هدف" وتحرك الآن الإنفاق على الدفاعات الأوروبية والذي تراجع لمدة عشر سنوات  باتجاه تصاعدي.
أما في الشرق الأوسط، فيتنافس بوتين الآن مع الولايات المتحدة للحصول على صفة الشيطان الأكبر، وأصبح بوتين يمثل هدفاً لجهاديي السنة في المنطقة بالإضافة للمسلمين الروس في الشيشان وداغستان الذين انضموا لتنظيم "الدولة الإسلامية".
كيف يمكن أن يكون أي من هذا في مصلحة روسيا؟
المفارقة هي أن بوتين كان من الممكن أن يغير مسار القطار الروسي المتجه للتحطم، بأن يوطده بنصر بمكالمة هاتفية واحدة، كيف؟ إذا قام بدعوة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل وقال شيئًا على غرار، دعونا نحل قضية أوكرانيا: وذلك بقبول الأمر الواقع في شبه جزيرة القرم، ضمان أن تكون أوكرانيا محايدة وليست في حلف شمال الأطلسي، والسماح لأوكرانيا وروسيا بعقد اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، مع السماح بدخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوراسي.
بالإضافة إلى الحكم الذاتي لدونباس، وإعادة بناء شرق أوكرانيا عن طريق صندوق البنك المركزي الأوروبي / والروسي المشترك، ورفع جميع العقوبات وعودة العلاقات مع أوكرانيا، وانسحاب جميع القوات العسكرية، والتوقف عن مساعدة المتمردين، والالتزام بعدم استخدام القوة لتغيير الحدود.
وقد لا تعجب هذه الصفقة الولايات المتحدة، إلا أن الأوروبيين سيكونون سعداء للانتهاء من أزمة أوكرانيا فبعد كل شيء، إن شرق أوكرانيا مندمج بالاقتصاد الروسي، ولذلك ففشل أوكرانيا وهدم مناطقها الشرقية لا يبدو في مصلحة الروس.
قد نفهم سلوك بوتين عن طريق التمييز بين المصالح السياسية لبوتين والمصالح الوطنية لروسيا، ففي حين أن السيناريو أعلاه هو في مصلحة روسيا، إلا أن بوتين وفيما يستعد لانتخابات 2018، يعتقد ان أوكرانيا كبلد ديمقراطي ناجح ، على غرار بولندا ستكون مثالاً يهدد شرعية النموذج التعددي السلطوي لبوتين وكذلك لقوة الحرس القديم وحكم القلة النخبة.
إن جعل الروس يرون الأحداث الخارجية وكان الولايات المتحدة الأمريكية تدبر المؤامرات لتقويض تقدم روسيا يوفر عدواً يضفي الشرعية على بوتين ويجعل منه منقذاً لروسيا الأم.
ولذلك، يعمل بوتين على تصوير التغيير الموالي للغرب في أوكرانيا على أنه مؤامرة من الولايات المتحدة لتقويض روسيا بالثورات "الملونة".

وفي الشرق الأوسط، كان يمكن لبوتين أن يشكل تحالفاً حقيقياً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، واستخدام نفوذه لحماية موقف الأسد - على الأقل في المدى القصير، لكنه بدل ذلك تحالف مع إيران، التي لديها جدول أعمال متطابق في سورية، والأرجح انه سينزلق إلى دوامة الفوضى في الشرق الأوسط بدل حل سلمي للفوضى السورية.
ذلك بالضبط ما يحاول بوتين تحقيقه؟ أنا لست متأكدا تماماً، ولكن جميع الحقائق التي ذكرتها تشير إلى أنه تكتيكي وليس استراتيجي، بوتين لديه طريقة تفكير واحدة في الأمور وهو مدفوع بإحساس دموي الفكر للثأر لانهيار الاتحاد السوفياتي وتوسع الناتو، وهو يعرف أن الولايات المتحدة لن تخاطر بنشوب حرب نووية في جورجيا أو أوكرانيا وهي مناطق تراها موسكو ضرورية ولكن الولايات المتحدة لا تعتبرها كذلك.
في الشرق الأوسط، يرى بوتين تراجعاً للإدارة الأمريكية القلقة من تكاليف تدخلها المستمر، وبغض النظر عن العلاقة التي دامت لأكثر من خمسين عاماً مع عائلة الأسد والقواعد البحرية في طرطوس، تخميني هو أن بوتين لن يقاوم الفرصة لمرة واحدة بأن يظهر للعالم روسيا كقوة عظيمة، بإصدار بيان ضد تغيير النظام في سورية، عكس ما تريده الولايات المتحدة، وأن يثبت بأن روسيا وخلافاً للولايات المتحدة تقف وراء أصدقاءها وتدعمهم، وبالإضافة إلى ذلك، فإن موسكو ترغب بتعزيز وجودها في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تشير الاكتشافات الحديثة إلى طفرة الغاز الطبيعي.
ولكن في نهاية اليوم، أين يترك هذا روسيا؟ عندما أسأل أصدقائي الروس أين يعتقد بوتين ستكون روسيا في الخمس أو 10 سنوات القامة، كانوا يضحكون ويقولون: "إنه لا يفكر في المستقبل لأكثر من خمسة أيام".
هذا السلوك الروسي يثير القلق بشكل خاص لأنه من الصعب أن نتبين الدوافع، ونحن لا يمكن أن نجعل الافتراضات الفاعل العقلاني حول بوتين، الذي يجعل صياغة السياسة أكثر صعوبة، والشيء الوحيد الذي نعرفه على وجه اليقين هو أن بوتين حريص على إظهار روسيا للعالم على أنها قوة عظمى وأنه يحترم القوة وينتهز ضعف سياسة الغرب، إنه يدفع للأمام حتى يكون هناك نكسة، فهذا بالطبع هي قصة الـ 400 سنة الماضية من التاريخ الروسي.
إن التعامل مع روسيا يعني التعاون فقط في الأمور التي يرى بوتين بوضوح أنها في مصلحته - كمكافحة الإرهاب، وتغير المناخ، أو الانتشار النووي.
ولكن التحدي هو تجنب منطق العين بالعين الذي ينتهجه بوتين، وأن نوضح له ان الباب مفتوح، وعليه أن يعي أن تحقيق أجندته للقرن الـ 18 يمكن أن تؤدي بروسيا إلى الخراب في القرن 21، والأحرى به التوجه للغرب والدول المطلة على المحيط الهادئ، وتحديث روسيا.
الجانب الآخر من ذلك هو أن على الولايات المتحدة أن تعيد التفكير في كيفية دمج روسيا في الهياكل الأمنية، ولكن لا تحبس أنفاسك في انتظار أي الاحتمالين سيكون، ففي الوقت الراهن، السؤال الخطير والمحير: هو أين سيرسم بوتين خطته التعديلية الروسية في أوروبا؟

 

مقالات متعلقة