بلدي نيوز - راني جابر (المحلل العسكري لموقع بلدي نيوز)
اغتيال القيادات والعناصر الفاعلة في فصائل الثوار هو السمة المميزة للأشهر الثلاثة الماضية من عمر الثورة السورية، لكنها كانت الورقة التي استخدمها النظام بقوة خلال حربه كلها ضد الشعب، فمن اغتيال "حجي مارع" إلى مجزرة قيادات أحرار الشام، كانت قيادات الفصائل دائماً هدفاً لأذرع الأسد ومن سانده، وفي كلتا الحالتين كانت عملية الاغتيال مقدمة لأمر جلل تكشفت خيوطه لاحقاً.
لكن الطريقة التي اغتيل بها زهران علوش والقياديين الأربعة المرافقين له، لها عدة دلائل وإشارات، أولها الخرق الأمني الذي أدى لمعرفة مكانه بدقة في لحظة معينة، والثاني هو الرغبة بعملية تعويض لمؤيدي النظام، فالقنطار قتل بقنبلة موجهة أطلقتها طائرة اسرائيلية، واغتيال علوش بهذه الطريقة يعطي إمكانية لقوات النظام للقول أنها "ردت" على اغتيال القنطار باغتيال علوش، وهذا ما حذا بالنظام للإعلان عبر الكثير من الصفحات الموالية له عن مسؤوليته عن العملية.
امتصاص الصدمة
اختيار قائد جديد بدلاً لزهران علوش حدث بسلاسة على ما يبدو، ولا يوجد أي مظاهر حتى اللحظة لحدوث تشققات في بدن "جيش الإسلام"، ولا يعتقد أن الساعات أو الأيام القليلة القادمة ستحمل أي أمور مشابهة.
ما سيحرم النظام من استغلال الفرصة والضغط عسكرياً ضد مناطق يسيطر عليها "جيش الاسلام" لأخذها، أو احداث اختراقات هامة على إحدى الجبهات، للاستفادة من حالة الارتباك التي تحدث عند تبديل القيادات، وخاصة أن الشخصية التي حلت محل زهران علوش هو شخصية مرتبطة بشكل مباشر بزهران وبالقيادات الميدانية، ما سيخفف لحد كبير من آثار الضربة وتغيير القيادة.
موقع مميز
يرتبط اسم زهران علوش بجيش الإسلام، الفصيل الثوري الذي نما تدريجياً خلال الثورة، وتعود أهمية جيش الإسلام لأسباب كثيرة، أولها كون منطقة نشاطه هي منطقة العاصمة دمشق وغوطتها، والتي تعتبر المنطقة الأهم من وجهة نظر معنوية للنظام وخروجها من يده يعني سقوطه سياسياً بشكل أو بآخر، حتى لو استطاع متابعة القتال على جبهات أخرى.
حيث يملك جيش الإسلام القدرة العسكرية والبشرية المؤهلة للتسبب بزعزعة أسس النظام في دمشق بشكل كامل.
فالقوة العسكرية من تعداد جنود، ودبابات وقدرات صاروخية ومدفعية، تعطي له إمكانية توجيه ضربات موجعة وقد تكون قاصمة للنظام في العديد من المناطق، وبخاصة في قلب العاصمة دمشق.
فجميع المقرات الأمنية والمراكز الحساسة للنظام تقع في مدى مدفعيته وصواريخه، ويستطيع تعطيل الحياة تماماً في جميع التجمعات الطائفية (الإيرانية وغيرها) في دمشق، فضلاً عن استهداف جميع المعسكرات والقواعد العسكرية للنظام ومقراته الأمنية.
لكن تكاد تنحصر مشاركات جيش الإسلام خلال العام الماضي بالمعارك الدفاعية ضد النظام والميليشيات "الشيعية"، مع عدد محدود من المعارك ذات الطابع الهجومي، فمقدرات جيش الإسلام استخدمت بالحد الأدنى هجومياً ولم تستثمر بشكل مناسب، فيمكن القول أنه اعتمد استراتيجية دفاعية بشكل أساسي، لكنها ليست الخيار الأنسب في الحالة السورية.
فحملة جيش الإسلام الصاروخية التي أطلقت خلالها عدة رشقات صاروخية ضد مراكز النظام، كان من الممكن أن تتسبب بتصدع حقيقي في بنية النظام لو استمرت لزمن كافي.
قد يؤدي تغيير رأس الهرم في جيش الإسلام إلى تغير ما في استراتيجيته وأولوياته، وحتى على مستوى التكتيكات وبخاصة إذا قرر تنفيذ عمليات هجومية للثأر لقائده الذي اغتالته طائرات داعمي النظام.
حالة ارتباك
لا يعرف إذا ما كانت روسيا قد أبلغت النظام بعملية الاغتيال، فلا شك أن نظام الأسد وميليشياته داخل العاصمة في حالة ارتباك وترقب سببها عدم وضوح الطريقة التي يمكن أن يرد به جيش الإسلام على اغتيال قائده، وخصوصاً بعد حالة الهدوء الحذرة التي اعقبت اغتياله، ولذلك سيبقى نظام الأسد بحالة من الحذر والترقب، خصوصاً أن القيادة الجديدة يجب أن تفتتح عملها بعملية ضد النظام، وهذا ما توعدت به القيادة الجديدة للنظام.
الرد قد يتجاوز حملة صاروخية ضد قوات النظام في العاصمة دمشق، وقد يصل لعمليات اغتيال لقيادات مهمة في النظام أو الميليشيات "الشيعية" المرافقة لها، أو ربما هجوم على منطقة ما وانتزاعها من النظام.
الروس وضعف التنسيق
معارك الساحل السوري أثبتت وجود ثغرات في التنسيق بين الطائرات الروسية وميليشيات النظام على الأرض، هذه الثغرات نجم عنها قصف لعدة مواقع للنظام والتي قد تنتج عنها مشاكل كبيرة في حال حدث هجوم واسع النطاق من قبل جيش الإسلام تجاه مناطق في العاصمة دمشق ووصلت خطوط انتشار قوات الطرفين لمسافات متقاربة، عندها فلن يكون الطيران الروسي مفيداً، خاصةً بسبب ضعف التنسيق بين الطائرات الروسية وقوات النظام، لتبقى الابواب مفتوحة أمام "جيش الإسلام" على مصراعيها في آلية وتوقيت الرد مترافقة مع حالة الانتظار القاتل التي يعيشها نظام الأسد.