إدلب ما بعد الاقتتال.. احتمالات مُفخّخة - It's Over 9000!

إدلب ما بعد الاقتتال.. احتمالات مُفخّخة

بلدي نيوز – (خاص)

أدى انقلاب الفصائل "الإسلامية" على الجيش الحر, ثم الصراع الدامي بينهما المتمثل في الصدام المسلح بين "حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام"، إلى تمزيق التكتل العسكري المعارض في محافظة إدلب وتنامي الهيئة واتساع دورها ووظيفتها مما جعل المحافظة تواجه تحديا بالغ التعقيد بنتائج ذات سيناريوهات غامضة تشير إلى كارثة إنسانية قبل كل شيء.

توطئة
تعرض هذه الورقة وصفًا موجزًا للتحولات الحرجة التي تشهدها محافظة إدلب بعد الاقتتال الذي أطاح بقوة حركة أحرار الشام وسيطرة "هيئة تحرير الشام" على غالبية المحافظة في ظروف انكسار المعارضة المسلحة خلال العام المنصرم الذي مرت به سورية, وترصد الوضع العام المحلي المرافق للتطورات الجديدة, وتقف عند المشهد الفصائلي للوحدات العسكرية العاملة في المنطقة وموقعها من "هيئة تحرير الشام", ومدى فاعليتها, كما تناقش آفاق القادم من سيناريوهات دولية وإقليمية لها توجهاتها التي تحركها عجلة الأحداث بمواجهة أكثر من مليوني مدني يعيشون في هذا الحيز الجغرافي, ونطوي الورقة بسؤال معمق ما الذي يجب عمله لتجنب الوصول إلى كارثة مفتوحة.
مقدمة
مضت أيام قليلة على أحداث تموز 2017م التي دارت بين "هيئة تحرير الشام", وحركة أحرار الشام, لتبرز آثار الصدمة التي تعرضت لها المنطقة إثر الاقتتال الفصائلي وقضم الهيئة للحركة شيئا فشيئا. بعد أن التزمت الحركة الحياد حيال استراتيجية الغلبة معتقدة أن المصلحة الوطنية والشرعية تقتضي إفشال أية مواجهة مع "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقا) كي لا تدخل مناطق الشمال السوري في حرب استنزاف فتستغل ذلك الميليشيات الشيعية وقوات الأسد بالهجوم على المنطقة, إضافة إلى أن العديد من كوادر الفصائل رفضت رفع السلاح بوجه عناصر الهيئة, ولكن هذه الرؤية وعلى مدار سنوات أثبتت فشلها, وهو ما يشهد عليه واقع الحال, وتؤكده مسارات الأحداث.
تجلَّت مظاهر التذمر في صفوف الناس مع ازدياد توغل الفصائل الكبرى في البنية العسكرية لفصائل المعارضة الأصغر وفي الإدارة المدنية للمنطقة المحررة سواء عن طريق الهيئة الأمنية التي تلاحق المعارضين لسياستها أو الفصائل التي تشكل خطرا وعائقا في طريق تحقيق مشروعها, فطالت الحملة الجيش الحر وبالأخص كتلة الضباط الميدانيين المتوزعين على فصائل الحر, الأمر الذي دفع الكثير من القادة والضباط لمغادرة المنطقة إلى تركيا, أو التزام بيوتهم ثم زادت هذه الموجة إثر القضم التدريجي لفصائل الحر, ولم يقتصر الأمر على الضباط بل شمل العناصر المدربة على أصناف متطورة من الأسلحة.
وقد أحدث القضم الفصائلي الدامي تحولا حرجا في المشهد الفصائلي من خلال الفجوة التي راحت تتسع بين الهيئة وحاضنة الثورة بعد الهيمنة على الإدارة المدنية وتصريف شؤونها وسط ترقب قد يوقف عمل غالبية المنظمات الدولية والإنسانية العاملة في المنطقة المحررة التي تخدم مليوني نازح ومشرد ومقيم لا يملكون أدنى مقومات الحياة.
وبعد مماحكات طويلة بين حركة أحرار الشام و"هيئة تحرير الشام", وتبادل الاتهامات حول أجندات كل منهما, وانشقاقات طالت الحركة باتجاه الهيئة, وتراجع الداعم الخارجي نتيجة الضغوط الدولية والأزمات الحادة التي تعصف بالإقليم. جرى الاقتتال الدامي بين الفصيلين لتنهار حركة أحرار الشام أمام ذهول المراقبين والمتابعين للشأن السوري.
حركة أحرار الشام.. حوامل القوة وأسباب الانهيار
هي أحد أكبر الفصائل المسلحة المعارضة ومن أوائل التكتلات العسكرية التي تشكلت في العام الأول من الثورة  السورية بتوحّد عدة فصائل عسكرية، وتعدّ من أبرز القوى العسكرية الضاربة التي شاركت في عشرات المعارك ضد قوات نظام الأسد, يأتي على رأسها تحرير مطار تفتناز العسكري, وكذلك مساهمتها الكبيرة في تحرير مدينة الرقة, واتبعت دستورا تنظيميا شاملا, أما المقدرات المادية للحركة فهي تنتظم ضمن وحدات عسكرية متكاملة القوة نسبيا, وأغلب أفرادها  من فئة الشباب, يؤمنون بالجهادية السلفية.
انتظمت في ثلاث مناطق رئيسية هي محافظة إدلب, وريف حماة, وسهل الغاب، وامتدت إلى غالبية المناطق السورية, وتتكون قدرات الحركة من الحاضنة الثورية في المناطق المحررة حيث استقطب القادة فئات كثيرة من أبناء منطقتهم في أرياف منطقة سهل الغاب ومعرة النعمان وبنش وجبل الأحص، وقد كشفت تقارير أن أعداد الحركة بلغت 30 ألف مقاتل انتظموا في ألوية أشهرها (لواء بدر, والإيمان, والفاروق وعلي بن أبي طالب), تعرضت في خريف العام 2014م إلى انتكاسة خطيرة إثر المذبحة الجماعية التي طالت الصف الأول من قادتها وعلى رأسهم المؤسس حسان عبود المعروف بأبي عبد الله الحموي.
وبرز مؤخرا تحول تدريجي بفكر الحركة نتيجة المتغيرات الميدانية والسياسية يتماهى مع فكرة الدولة الوطنية بعد تبني علم الثورة وأهدافها.

أسباب انهيار حركة أحرار الشام
يعيش السوريون في محافظة ادلب، اليوم، وكذلك المتابعون للشأن السوري, حالةً من الذهول والاندهاش إزاء ما جرى في الأيام القليلة الماضية، والتي استطاعت فيها "تحرير الشام" ابتلاع أحرار الشام في ثلاثة أيام, بعد توغلهم وسيطرتهم على معظم المحافظة في خطوة مثيرة للجدل بدأت بمواجهات عسكرية محدودة في ريف ادلب الجنوبي، ثم تطورت لتأخذ شكل الحرب العنيفة وتقدمت نحو معقل الأحرار في منطقة الحدود المحصنة عسكريا وهي "جبال سرمدا وبابسقا ومعبر باب الهوى".  
قطعاً، لا يمكن تصديق وجود عامل واحد، دون سواه، يقف خلف ما حدث من هزيمة لحركة أحرار الشام التي تعتبر الفصيل الموازي للهيئة من حيث العدة والعدد, فليس وراء الهزيمة مؤامرة, بل هناك أسباب كثيرة لعل أقواها:
أسباب بنيوية: تتمتع الحركة بهيكل تنظيمي متماسك, تداعى مع ما أصاب الحركة إثر مذبحة قادتها في خريف العام 2014. وعلى رأسهم قائدها العام حسان عبود, إذ تم تعيين المهندس "هاشم الشيخ أبو جابر" قائداً عاماً للحركة التي حققت تطوراً ملموساً على الصعيد العسكري في عهده وأعادت تضميد جراحها بعد الفاجعة بقادتها الأوائل، وهو حائز على شهادة الهندسة الميكانيكية، ونال منصباً عالياً في البحوث العلمية بمدينة حلب، وعمل في حقل الدعوة الإسلامية، وبعد انتهاء ولاية "أبو جابر" ورفضه التمديد لولاية جديدة تم تعيين المهندس مهند المصري "أبو يحيى الحموي"  قائدا عاما لحركة أحرار الشام الإسلامية، وهو من مواليد قلعة المضيق في سهل الغاب بريف حماة الغربي، حاصل على  شهادة في الهندسة المدنية من جامعة اللاذقية وكان أحد المعتقلين سابقا في سجن صيدنايا، وأحد المؤسسين لحركة أحرار الشام وقائدا لكتيبة عمر بن الخطاب، وبعد انتهاء ولاية الحموي تم تعيين المهندس علي العمر "أبو عمار العمر" قائداً عاماً للحركة والذي ينحدر من مدينة تفتناز بريف إدلب الشمالي.
إلا أنه وقبل أقل من عام أعلنت كل من الفصائل التالية "لواء التمكين ولواء عمر الفاروق ولواء أحرار الجبل الوسطاني ولواء أجناد الشريعة ولواء أنصار الساحل وكتيبة أبو طلحة الأنصاري والجناح الكردي وكتائب حمزة بن عبد المطلب في الشمال وكتيبة قوافل الشهداء وكتيبة أحرار حارم وكتيبة شيخ الإسلام وكتيبة الطواقم ولواء المدفعية والصواريخ ولواء المدفعية الرديف ولواء المدرعات" فكّ ارتباطها بالحركة وتشكيل تجمع جديد أطلق عليه اسم "جيش الأحرار"، وكلفت المهندس "هاشم الشيخ" (أبو جابر) قائداً عاماً لها، وأشار متابعون إلى أن هذه الفصائل تشكل الجناح الأقرب إلى "هيئة تحرير الشام" .
جاء العمر القائد الحالي للحركة في ظل تخبط داخلي تعاني منه الحركة وقيام معظم قاداتها بفك الارتباط من أبرزهم "أبو جابر الشيخ القائد العام السابق للحركة، وأبو صالح طحان القائد العسكري، وأبو محمد الصادق، والدكتور أبو عبد الله، وأبو علي الشيخ، وأبو أيوب المهاجر، وأبو خزيمة، وأبو عبدالله الكردي", ولعل هذا السبب الأهم في تشظي الحركة بنيويا وتفككها التدريجي. أسباب سياسية: جاءت نتيجة مخرجات مؤتمر أستانة, واتفاق "خفض التصعيد" في المناطق المحررة, حيث وقع في اجتماع أستانة الأخير خلاف بين الروس والأتراك, فأنقرة اقترحت بداية إرسال مراقبين أتراك إلى مناطق "خفض التصعيد" الأربع. ومثل ذلك اقترحت طهران القيام بهذه المهمة, ثم جرى اقتراح محاصصة إذ تختص تركيا في إدلب والأردن في درعا ويكون الوجود الإيراني في غوطة دمشق، مع التوصل لتفاهم آخر حول ريف حمص. اعترض نظام الأسد على دور أنقرة ورفضت المعارضة وواشنطن دور إيران, فلوحت أنقرة لاحقاً بنقل فصائل درع الفرات إلى ريف إدلب عبر تقديم السلاح والذخيرة من دون غطاء جوي بعد اقتتال "هيئة تحرير الشام وأحرار الشام", وبالفعل أرسلت أكثر من مائة عنصر من ريف حلب إلى حدود إدلب، تزامنا مع سيطرة الهيئة على غالبية مواقع الأحرار, كان الرهان التركي هو الحصول على ضوء روسي والتمهيد بأن يكونوا مراقبين قبل القيام بعملية عسكرية لقتال الهيئة لمنع انتقال المقاتلين الأكراد بدعم روسي من عفرين إلى إدلب, فشعرت الهيئة أن الأحرار يتماهون مع المشروع التركي, فكانت الحملة ضد الأحرار واستئصال شأفتهم.
 أسباب إيديولوجية: تأرجحت حركة أحرار الشام مؤخرا بين مشروعين, الأول إسلامي, والثاني وطني, ولم تزل متمسكة بوثائق نظامها الداخلي ومشروعها الإسلامي الواضح, ونتيجة المتغيرات الدولية والإقليمية طرحت مشروع إدارة موحدة يشمل المناحي السياسية والعسكرية والإدارية, فطبقت القانون العربي الموحد مرجعا للمحاكم التي تشرف عليها.
وتبنت علم الثورة السورية بفتوى شرعية تحت عنوان الخروج من ضيق المنهج إلى سعة الدين, وأطلقت حملة واسعة لرفع العلم في مختلف مدن وبلدات ريف ادلب.
بينما ظلت ترفض علم الثورة لسنوات طويلة, وأحرقه عناصرها في أكثر من مناسبة, واعتبرت تماهيها الأخير مع منطلقات الثورة السورية ابتعادا عن شبهة التطرف والإرهاب والظهور بمظهر الاعتدال بغية التقرب من حاضنة الثورة.  
هذا التأرجح بين مشروعين ليس مجرّد تكتيك اضطراري للحركة, فرضته المتغيرات على الساحة السورية فحسب, إنما هو صراع متباين بين جناحين في الحركة, فجناح يتبنى المشروع الإسلامي الصريح, وآخر أكثر اعتدالا وأقرب إلى منطلقات الثورة, لذلك شهدت الحركة انقسامات بينية أدت إلى تشظيها وتفتيت قوتها العسكرية, مما سهل على الهيئة التغلب عليها بسهولة.

من قرر إنهاء الأحرار.. ولماذا؟
تمتعت الحركة طوال أربعة أعوام من عمر الثورة السورية بحاضنة شعبية واسعة, لمساهمتها المميزة في معارك التحرير ضد نظام الأسد, ولوسطيتها المعتدلة بين الفصائل ذات المنحى الإسلامي, وتوجهاتها نحو هيكلة تنظيمية تشمل الإدارة والعسكر بالاعتماد على تمويل ذاتي من خلال إنشاء مؤسسات خدمية وإدارية, فاستقطبت آلاف الشباب الذين انخرطوا في صفوفها, وحققت نجاحات كبيرة ميدانيا وإداريا وخدميا, حتى باتت أكبر القوى الفاعلة في المناطق المحررة إلى جانب "جبهة النصرة", إلا أن وقوفها على الحياد في الاقتتال الفصائلي بين "النصرة" والجيش الحر, وانخراطها مؤخرا في صراع دام ضد "جند الأقصى" وما خلفه من ضحايا وأسرى من الطرفين, تزامنا مع انحسار قوتها الضاربة وتخليها عن جبهات القتال ضد نظام الأسد وبالأخص في معركة فك الحصار عن حلب وفي معارك ريف حماة الشمالي وإعادة سيطرة نظام الأسد على عدد من البلدات والقرى كمعردس وصوران ومعان وغيرها, وما تلا ذلك من اضطراب في صفوف الحركة وانشقاقات مستمرة, أفقدها جزءاً واسعاً من حاضنتها الشعبية, وبعد محاولة قائدها "أبو عمار العمر" ترميمها, اصطدم بـ"هيئة تحرير الشام" التي لم تسمح للحركة طرح مشاريع منافسة لها, باعتبار أن كلا الطرفين ينظران إلى المناطق المحررة كساحة لتحقيق المشاريع الخاصة بهما, والسيطرة والنفوذ بما يتوافق ومصالحهما, لذلك عند طرح الحركة لمبادرتها, واجهتها الهيئة واتهمتها برفض الاندماج والعمل بمعزل عنها.
يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد إيحاء تركيا بالتدخل العسكري المباشر في محافظة إدلب, وإشراكها الفصائل المعتدلة ومنها أحرار الشام في الحرب على الإرهاب الذي تحتل "جبهة النصرة" العمود الفقري للهيئة مقعدا دائما على لوائحه رغم تغيير اسمها عدة مرات وإعلانها فك ارتباطها مع "القاعدة"، لذلك قررت الهيئة التخلص من الحركة بالطريقة ذاتها التي ابتعلت بها فصائل الجيش الحر وسط صمت إقليمي (مناصر للثورة) أخذ دور المتفرج على ما يجري في المنطقة المحررة المضطربة فصائليا.
استراتيجية الهيئة في السيطرة على معاقل الأحرار
استخدمت الهيئة في مواجهة الأحرار ما يعرف عسكريا بأسلوب التفتيت الاستراتيجي بعد اضطراب تشكيلات الحركة واختلال توزيع وتنظيم قواتها, والسيطرة على طرق إمدادها وتراجعها إلى معاقلها على الحدود السورية التركية في منطقة باب الهوى, وذلك من خلال عدة محاور والتوغل في العمق لإخضاع مناطق نفوذ الأحرار وفصلها عن مدينة إدلب, وأنهكت نقاط استناد الأحرار في سراقب ومحيطها, وفي منطقة "إيكاردا" معقل لواء الإيمان, والزربة معقل لواء أحفاد الرسول, والسيطرة على حارم وسلقين, وتلا ذلك توجيه ضربة قاصمة للحركة المشلولة استراتيجيا عندما أرغمتها على الخروج من معقلها الرئيسي في الجبال المحيطة بمعبر باب الهوى الحدودي, بعدما حرمتها من استخدام قدراتها الهجومية والدفاعية، وهذا ما قلل من عمر المعركة التي لم تستمر سوى ثلاثة أيام.
هذا, وقد انفجر الاقتتال الدامي بعد حادثة مقتل اثنين من تجار السلاح في جبل الزاوية تربطهما علاقات مع الهيئة التي اتهمت الأحرار بالوقوف وراء الحادثة، فوقعت اشتباكات محدودة بينهما أوقفتها تهدئة هشّة لم تصمد أكثر من يومين, وتسارعت مجريات الأحداث إلى أقصى درجاتها لتشمل المناطق المحررة في الشمال السوري, مع استخدام مدفعية متوسطة وثقيلة وعربات مفخخة في المراكز المدنية المكتظة بالسكان أودت بحياة العشرات من المدنيين والعسكريين في كل من بلدة أرمناز, وسراقب, والدانا, والهبيط وفي مدينة ادلب, وشمل الهجوم اقتحام مقرات عسكرية وحصار بلدات وقرى في سياق العمليات العسكرية لطرفي الصراع.

الساحة الإدلبية بعد انهيار الأحرار
دارت رحى المعارك الدامية بين الحركة والهيئة داخل البلدات والقرى المكتظة بالسكان لذلك لم تقتصر الخسائر البشرية على العسكر, فالمدنيون الأبرياء في كل صراع فصائلي عبثي يدفعون فاتورة الدم, اذ ارتقى في الصراع الأخير عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء, بينهم أطفال ونساء، نتيجة تفجير نفذه انتحاريّان بسيارة مفخخة استهدفت مخفراً للشرطة تستخدمه حركة أحرار الشام مقرّاً لها في بلدة أرمناز بريف إدلب، وذلك ظهر يوم الأربعاء في 19 تموز الجاري, وقبلها بيوم واحد سقط رجل وامرأة مدنيّان في بلدة إحسم بجبل الزاوية, وقضى الناشط مصعب عزو في مدينة سراقب, فيما قام عناصر بإطلاق النار في الساحة الرئيسية بمدينة إدلب, فأصيب مدنيّان آخران، أحدهما طفل. وارتفعت حصيلة القتلى داخل المدينة بعد انفجار قرب دوار مديرية الزراعة وسط المدينة، إلى 13 شخصاً, غالبيتهم من عناصر الهيئة.
وفي وسط المحافظة، سيطرت "هيئة تحرير الشام" على مدينة إدلب، وعلى القوة الأمنية, واعتقلت عناصر من "الأحرار" داخل المدينة، بعد اشتباكات أسفرت عن قتلى من الطرفين.
وبعد دخولها مدينة إدلب، أصدرت "الهيئة بياناً أوضحت  فيه اتخاذها "خطوات جريئة لتوحيد الصف الداخلي وتحقيق أهداف الثورة"، وأكدت أنها جزء من الثورة السورية، وإحدى دعائم استقرار المنطقة عبر إسقاط النظام. وأشار البيان إلى ضرورة تأسيس "مشروع سنّي ثوري" بمشاركة جميع أطياف الثورة من الكوادر والنخب السياسية والفصائل العسكرية، وضرورة وجود إدارة مدنية تقوم على خدمة الأهالي، ودعا البيان كافة الفاعلين لاجتماع فوري للوقوف على تحديات المستقبل.
وبالمقابل أصدرت الهيئة السياسية في إدلب بيانا على خلفية الأحداث الجارية شددت فيه على تنفيذ بنود الاتفاق بين الهيئة والأحرار  وخاصة فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى, ووقف الملاحقات الأمنية, وختم البيان المطالبة بتفعيل الإدارة المدنية الحقيقية التي تقوم على أهل الخبرة والاختصاص والبعيدة عن الصبغة الفصائلية, وضرورة التوافق على مشروع ثوري وطني جامع يحقق الأهداف التي خرجت من أجلها ثورة السوريين الأحرار ويلبي طموحاتها.
كما خرجت مظاهرة في سراقب تندد بالاقتتال الفصائلي وتدعو الأطراف المتصارعة إلى الخروج من مدينتهم التي احتفلت قبل أيام باستحقاق ثوري بعد نجاحها في اختيار مجلس محلي منتخب شعبيا.
هكذا يبدو المشهد في محافظة ادلب بعد انهيار حركة أحرار الشام, وسيطرة الهيئة على غالبية المحافظة, ومراكزها الحيوية, لتكون وجها لوجه أمام الشعب الثائر, فإما أن تفرض نفسها لتتحكم بالمنطقة المحررة وفق أجندات خاصة عبر حكم محلي صوري تحت إشرافها, أو تتماهى مع مطالب الشعب بالتوافق على مشروع وطني جامع يحقق أهداف الثورة, والأيام القادمة كفيلة بالجواب.
المشهد الفصائلي بعد أفول حركة أحرار الشام 
بعد تغلب الهيئة على الحركة لم يبق في إدلب سوى فصائل عسكرية صغيرة كـ"جيش إدلب الحر وفيلق الشام", وبقايا فصائل الحركة المنسحبة من معبر باب الهوى إلى سهل الغاب وجبل شحشبو, وهذه المناطق هي جزء من القطاع الأوسط لـ"الحركة"، ويشرف عليه أبو عبدالرحمن الغابي، ويشمل هذا القطاع مناطق الغاب وجبل الزاوية وأريحا.
كما أن القسم الشرقي من جبل الزاوية الخاضع لسيطرة "صقور الشام" وهو أقدم الفصائل العسكرية في محافظة إدلب, يسيطر على بضعة قرى أهمها سرجة مسقط رأس "أبو عيسى الشيخ" قائد الصقور, الذي يختلف مع أمراء الهيئة ووقعت بينهما صدامات دامية في الاقتتال الأخير, وحاولت "تحرير الشام" فرض سيطرتها على المنطقة بعد إعلانها الحرب على "الأحرار"، لكنها فشلت في دخول قرية الرامي، وهي أول خطوط الدفاع من الجهة الغربية لمعاقل الصقور, ومنطقة جبلية حصينة، ستفرض على أي فصيل تكبد خسائر كبيرة قبل السيطرة عليها. وبالتالي فالقرار النهائي تستأثر به الهيئة في القضم اللين للفصائل المتبقية أو احتوائها ضمن مشروع عسكري جامع بعيدا عن استراتيجية الغلبة والاستحواذ وفق مصالح خاصة.

سيناريوهات تنتظر آخر قلاع الثورة
لم تمض أيام قلائل على انهيار حركة أحرار الشام, وسيطرة "هيئة تحرير الشام" على المفاصل الحيوية للمحافظة المحررة حتى بادرت القنوات الإعلامية بنشر أخبار وتحليلات تشي بمحرقة بانتظار المحافظة المحررة, فقد أشار مركز "حميميم" الروسي عبر معرفاته على شبكات التواصل الاجتماعي, بأن مصير إدلب لن يختلف عن مصير الموصل, وهو كناية عن التهديد بالإبادة, وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد عنونت في أحد تقاريرها: لم يأت الأسوأ بعد في سورية, فما شهدته حمص وحلب وغيرهما قد لا يقارن بما ستشهده محافظة إدلب، وفق تقريرها
وقالت الصحيفة إن المحافظة ستشهد المعركة الأكثر دموية إذا مضت قوات نظام الأسد في مخططاتها للسيطرة عليها.
تعتبر محافظة إدلب المنطقة الوحيدة المحررة التي تسيطر عليها حاليا "هيئة تحرير الشام" كقوة ضاربة بالإضافة لعدة فصائل عسكرية أخرى, وباتت تضم أكثر من مليوني شخص نزحوا إليها أو هجروا من منازلهم عبر اتفاقيات رعتها الأمم المتحدة, وعلى حوافها الحدودية تنتشر مئات المخيمات ستكون حياتهم مهددة بالمخاطر في حال تعرضت لعدوان من نظام الأسد وحلفائه أو قيام تحالف دولي ضدها بذريعة "الحرب على الإرهاب".
ولعل سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مفاصل المحافظة المحررة فتحت شهية الروس حول مطالبتها واشنطن فصل الجماعات المصنفة إرهابيا عن تلك المعتدلة المقبولة دوليا, من هنا أشار مركز "حميميم" إلى أن إدلب ستكون مباحة للطيران في مشهد مشابه لتلك المدن العربية السنية (الرقة – الموصل)، وينتظر الروس وحلفاؤهم الظروف المناسبة لتحويل إدلب إلى منطقة سوداء بالكامل، مما يتيح تدميرها بموافقة دولية دون الاكتراث بالمناحي القانونية أو الإنسانية، ولكن هذا المصير المنتظر يتوقف على مدى قابلية "هيئة تحرير الشام" منح المتربصين بإدلب الفرصة لتنفيذ مخططاتهم قيد الدراسة بعد التخلص من جيوب تنظيم "الدولة" في كل من الرقة ودير الزور
مما يستدعي البحث عن خطوة استكمال إعادة هيكلة حقيقية للفصائل في جسم عسكري, وقيام حوارات جدية بين القادة والفعاليات الثورية بعيدا عن استراتيجية الغلبة والاتعاظ من تجربة التشرذم والتشظي التي أضرت بالثورة أولا وبالفصائل ثانيا, وينبغي أن يتجاوز التشكيل الموحد تجارب فاشلة على هذا المستوى, إنما يعني الانصهار الكامل بعدده وعدته وذراعه العسكري ومؤسساته الناظمة, وإداراته المتخصصة. بعيدا عن المرجعية العقائدية المؤدلجة والفكرية للفصائل, وإشراك جمهور الثورة في القرارات من خلال المجالس المحلية المنتخبة شعبيا, واعتماد نظام داخلي يحصر مهام الكيان العسكري في حماية الجبهات والابتعاد عن الأعمال المدنية, وإنتاج جيش وطني, يعتبر القاعدة الشرعية التي تضع نهاية حتمية لميليشيا نظام الأسد, اعتمادا على صيغة وطنية للحفاظ على الجمهورية العربية السورية, بجيش وطني حر, وعلم الاستقلال. 
وبالتالي فإن خيار المشاركة ضمن هذا الإطار هو الضامن لمصلحة الجميع لأنه يحقق الاستقرار في المنطقة المحررة، وهذا الأمر مرهون بتوجه الهيئة لأنها آخر الفرص الثمينة المتبقية بشرط التطبيق الفعلي بعيدا عن الاحتكام لمنطق القوة ومصادرة حق الآخر, وبالنتيجة فالمحافظة بانتظار مصيرين حاسمين, مشاركة جماعية ضمن المشروع الوطني الثوري, أو استنساخ مَوْصَلة إدلب في ظل صراع محموم بين موسكو وواشنطن لاقتسام المنطقة.

مقالات ذات صلة

"حكومة الإنقاذ" ترد على المزاعم الروسية بوجود استخبارات أوكرانية في إدلب

إدلب.. "الهيئة" تعلن القضاء على المتهمين باغتيال "القحطاني"

احتجاجات واسعة بسبب رفع مادة المازوت بريف حلب

إدلب.. عودة المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بإسقاط زعيم "الهيئة"

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي