بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
تعتبر الرقة محورا رئيسيا في زحمة الصراع الجاري في سورية, والتي انطلقت معركتها مصحوبة بضخ إعلامي غير مسبوق, حيث صورها إعلام تنظيم "الدولة" على أنها عاصمة الخلافة, وقبلة المتطهرين الباحثين عن الخلود الأبدي, في حين ركز عليها الإعلام العالمي بوصفها مركزا للإرهاب الدولي, ومقرا للخطط العسكرية التي تهدد العالم, وبين الصورتين تقف أطراف الصراع مدفوعة بشبق الدم, تدغدعها نزعات دينية وقومجية ممزوجة بنكهات القتل لأجل القتل, وإن اختلفت الوسائل بالسيف تارة, وأخرى باليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض, وبالقصف المدفعي على أحياء المدينة الداخلية البعيدة عن جبهات القتال, دون أن تثير تنديدا أو رفضا من أحد ما دام الضحية عربيا سنيا.
مدخل
تناقش هذه الورقة سعي قوات سورية الديمقراطية "قسد" وعمادها ميليشيا حزب ( pyd) الكردي بمساندة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن إلى دحر تنظيم "الدولة" من الرقة وتدميرها فوق رؤوس أهلها تحت مبررات محاربة الإرهاب.
تستعرض الورقة في سياق هذه المناقشة، الأهمية التاريخية والديموغرافية لمدينة الرقة, وتوضح الأهمية التي تمثلها المدينة لطرفي الصراع في أبعادها المختلفة، والخطط العسكرية المتبعة, واستراتيجية التحالف الدولي للسيطرة عليها.
تنظر الورقة، برؤية استشرافية معمقة إلى مصير المدينة، في ظل التجاذبات الدولية والإقليمية, وهو مصير ينتظر باقي أمصار وادي الفرات وسورية كاملة.
مقدمة
اختار تنظيم "الدولة" مدينة الرقة عاصمة له طيلة السنوات الثلاث الماضية بعد انتزاعها من فصائل الجيش السوري الحر عام 2014م, وحولها إلى دعامة اقتصادية رئيسة لخزينة حربه، ومركزا لتجميع قواته وانطلاقها إلى كافة جبهات القتال والتفت إليها التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن, وكذلك نظام الأسد والروس بالقصف العشوائي الذي أزهق أرواح آلاف المدنيين, واستدعى حشد الآلاف من القوات الكردية وتقدمها برا بغطاء جوي أميركي, وبالمثل يحشد التنظيم قواته استعدادا للدفاع عن نفسه في المدينة, التي تحولت إلى بركان ثائر في معركة غير متكافئة في القوة بين المهاجم والمدافع وفي تكتيك الهجوم مقابل تكتيك الدفاع, حيث تتقدم "قوات سورية الديمقراطية" وعمادها "الوحدات الكردية" عبر ثلاثة محاور, مع إحكام السيطرة النارية على المحور الجنوبي للمدينة حيث مجرى نهر الفرات محققة بالتنسيق مع الطيران المتحالف معها نتائج كبيرة حيث خسر التنظيم بعض الأحياء الطرفية من المدينة الآيلة للسقوط.
حيال هذا المشهد القائم لابد من استحضار استراتيجيات السباق إلى المدينة قبل أشهر ليست ببعيدة, فالميليشيات الإيرانية ومعها قوات الأسد ظلت طوال سنين مثار جدل حول عدم قتال تنظيم "الدولة" وهربها أمامه في كل مراحل الصدام على الرغم من أهمية الرقة وما تشكل من تأثير مهم في المجال السوري, ورسمت قوسا ناريا أمام تقدم فصائل الجيش السوري الحر في عملية "درع الفرات" بعد تحرير مدينة الباب, فأوقفت بالتنسيق مع الانفصاليين الأكراد تقدمه باتجاه الرقة لحسابات إقليمية ودولية.
أخيراً، تحتدم المعركة النهائية للسيطرة على مدينة الرقة، عاصمة "دولة الخلافة" في سوريا. وسط أخبار مصدرها الروس تتحدث عن حصول اتفاق التنظيم مع قوات الأكراد الانفصالية لانسحاب التنظيم بلا قتال باتجاه البادية السورية جنوباً، وهذا أمر مستبعد بالنظر إلى رمزية المدينة, رغم السوابق الأخرى التي أخلى التنظيم فيها مواقعه حين تدركه الهزيمة المحتومة.
الأهمية الجيوإستراتيحية للرقة
ارتبط تاريخ مدينة الرقة، بموجات الغزو الأجنبي حديثه وقديمه وهو ارتباط يشمل مدن وبلدات وادي الفرات من البوكمال نزولا إلى جرابلس صعودا.
خلال الحرب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان شهدت أطرافها الشرقية في سهل صفين كبرى معارك الاقتتال الإسلامي, لتزدهر في العصر العباسي بعد أن حولها الخليفة هارون الرشيد إلى عاصمة لدولته باسم "الرافقة", ثم اندثرت بعد الغزو المغولي, ليعود إعمارها مجددا في العهد العثماني أواخر القرن التاسع عشر للميلاد. وباتت مدينة الرقة مركز محافظة تحتل ثالث أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة.
يسكن الرقة عشائرعربية تنتمي بمعظمها إلى عشيرة العفادلة, بالإضافة إلى عدة عشائر كالبياطرة والعجيل والنعيم والولدة, وتعتبر زراعة القطن والقمح مورداً رئيسياً لدخل السكان لوجود سد الفرات أكبر السدود السورية ولاتساع المساحات الصالحة للزراعة.
تجاوز عدد سكان الرقة قبل اندلاع الثورة السورية عتبة المليون شخص، ومن أشهر حواضرها إلى جانب مركز المحافظة، الطبقة، وتل أبيض وسلوك والمنصورة وعين عيسى والسبخة.
ومع انطلاق الثورة السورية 2011م, تمكنت فصائل الجيش الحر من تحرير المدينة ليأتي تنظيم "الدولة" ويفرض سيطرته عليها عام 2014م, لتتحول إلى ميدان تحشيد وانطلاق لمقاتلي التنظيم.
استراتيجيا, تحتل مدينة الرقة موقعًا جغرافيًّا متوسطًا بين مدن وبلدات وادي الفرات ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
يمكن وصفها بأنها الجزء الأكثر أهمية وتأثيرًا في الخاصرة التركية من الجزء الجنوبي, عبر منطقة تل أبيض الفاصلة بين منطقتي عين العرب والجزيرة السورية, مما أعطاها حدودا طويلة مشاطرة لتركيا, وما يتبع ذلك من أهمية استراتيجية, حيث يوجد سد الفرات وسهوله الزراعية المترامية على ضفتي النهر وفروعه ووجود بعض منابع النفط في طرفها الجنوبي أكسبها مزايا اقتصادية لها أهميتها في كافة الظروف.
كما تشكل الرقة أهمية استراتيجية, باعتبارها إحدى أهم نقاط الوصل والفصل الجغرافي بين محافظتي منطقة الجزيرة "دير الزور والحسكة"‘ وحلب, وبين البادية السورية في شطرها الجنوبي ومنطقة الحدود مع تركيا شمالا, إضافة إلى كونها عقدة مواصلات لامتلاكها شبكة من الطرق البرية الرئيسية والفرعية, والجسور الرابطة بين ضفتي نهر الفرات.
عسكريا: أدرك التحالف الدولي الأهمية الاستراتيجية لهذه الطرق والجسور, فعمد إلى تدمير جسر الرقة الرئيسي, والجسور الفرعية, كما سيطرت الميليشيات الإيرانية على الطريق الواصل بين مدينة حلب, وبلدة دبسي عفنان وتوغلت في بادية أنباج جنوب غرب الرقة, وزحفت "الوحدات الكردية" الانفصالية باتجاه المدينة فسيطرت على طريق الجزيرة الرابط بين الرقة ودير الزور, وعلى منافذها وطرقاتها الفرعية الأخرى مما أدى إلى التحكم بإمدادات تنظيم "الدولة" والسيطرة عليها فعزلت المدينة وأطبقت الحصار عليها وعملت على تفكيك تماسكها, مما أدى إلى اضطراب المقاتلين والقادة في ظل غياب بدائل أخرى.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن تنظيم "الدولة" ركز على تحصين محيط المدينة باستخدام القنوات المحيطة بالرقة, وزاد من الخزانات الإسمنتية ليستخدم النفط الخام "الفيول" بهدف تحييد الطيران عن أهدافه, كما أعد قوات من نخبته عبر خطوط دفاع متتالية تحضيرا لمعركة ربما تطول نظرا لأهمية الرقة لدى التنظيم الذي يعتبرها عاصمته في الإقليم السوري.
" قسد" التنافر القومي ميدانيا
تكشف الخطط العسكرية الرامية للسيطرة على مدينة الرقة عن اختلافات متباعدة داخل كل فريق, وإن كان المشهد العام يظهر توافقا, كما أن سير المعارك يعطي انطباعا عن تكتيك وخطط تستدعي الوقوف على تفاصيلها بما يفسر نتائج هذه المعركة المرتقبة.
ولابد من الوقوف عند القوات المختلفة, والميليشيات المتباينة, ومنها:
قوات "قسد" المسلحة: تشكيل قتالي قيادته كردية, تضم تحالفا من المقاتلين الأكراد وأقلية من العرب وتحظى بدعم الولايات المتحدة سيطرت على منبج غربي نهر الفرات وتعمل على وصل منطقتي عفرين وعين العرب "كوباني" عبر مناطق جرابلس ومنبج والباب قبل أن تجهض عملية "درع الفرات" مشروعها الانفصالي, وسبق للقوات الكردية أن قاتلت إلى جانب قوات نظام الأسد ضد الجيش السوري الحر, تدخل معركة الرقة بأهداف متباينة, وأهمها:
- ميليشيا pyd الكردية المستولدة من تنظيم pkk المصنف على لوائح الإرهاب, ارتكب مجازر كثيرة ذات بعد عرقي, واحتل مناطق سورية واسعة بدعم الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا. ويعتبر العمود الفقري لقوات "قسد".
- قوات النخبة: فصيل عسكري مسلح يعود معظم منسبيه لقبيلة شمر, يتلقى دعما وتدريبا من الولايات المتحدة, يقوده أحمد الجربا الذي شغل منصب رئيس ائتلاف قوى الثورة في العام 2014م.
- ميليشيا صقور الرقة: تشيكل عسكري أسسه نظام الأسد بالاشتراك مع الميليشيات الكردية الانفصالية من بعثيين وموالين للنظام إثر سيطرة "قسد" على تل أبيض في حزيران/يونيو 2015، لسحب البساط من تحت الجيش الحر مُمثلاً بلواء ثوار الرقة.
بالإضافة إلى فصائل مختلفة تنضوي تحت لواء "وحدات حماية" الأكراد مثل (جيش الثوار- جبهة الأكراد- لواء الشمال الديمقراطي- قوات العشائر- لواء مغاوير حمص- لواء التحرير- لواء السلاجقة- قوات الصناديد- المجلس العسكري السرياني- مجلس منبج العسكري- مجلس ديرالزور العسكري) مع غياب أسماء لواء ثوار الرقة ولواء أحرار الرقة عن المشاركة, وهما المعنيان بتحرير مدينتهم.
تكتيك المعركة
مثلت المناطق الواقعة في الخطوط الأمامية لمقاتلي التنظيم في مسكنة والطبقة ورقة سمرة وقرى نهر البليخ عمقا تكتيكيا ارتبط مصير الرقة بمجريات المعارك في هذه المناطق الدفاعية عن المدينة, "العاصمة", وعن العمق الإستراتيجي المتمثل بدير الزور وما بعدها من مدن كالميادين والبوكمال وغيرها من مناطق وادي الفرات ذات الأهمية الاقتصادية, والثقل السكاني والعسكري، التي يعتمد عليها التنظيم.
وبعد أن تمكن الانفصاليون الأكراد من الاستيلاء على طرق الإمداد والبلدات المتقدمة تشرذمت الأنساق الخلفية لقوات التنظيم وازداد وضعها سوءا وضاقت مساحة الأرض تحت أقدام مقاتليه, وباتت مناطق العمق الإستراتيجي مهددة تماما.
المشهد العسكري للمعركة
كثف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن من طلعاته الجوية التي تستهدف مدينة الرقة منذ مطلع نيسان/ أبريل الماضي بهدف إحكام السيطرة على طرق إمداد التنظيم وتحركاته من خلال تأمين الضفة اليمنى من النهر باتجاه الرقة أمام قوات "قسد" البرية المهاجمة علاوة على تدميره الجسور الرئيسية والفرعية الواصلة بين الرقة ومناطق سيطرة التنظيم.
إلى ذلك، برزت الألغام التي زرعها التنظيم والكمائن المفاجئة كإجراء دفاعي لإعاقة تقدم قوات التحالف باتجاه المدينة, مما دفع التحالف بزج قوات من نخبة المارينز البرية إلى المحور الشمالي الشرقي من المدينة, ومن بين هؤلاء متخصصون في حرب المدن والمهام الخاصة، واتبع التحالف استراتيجية عسكرية أربكت تشكيلات "الدولة" وأجبرتها على تغيير خططها مما أخل بتوزيع وتنظيم قواته فتراجع إلى خطوط خلفية أكثر تحصينا, فيما تقتحم قوات التحالف المدينة من عدة محاور:
الأول: محور المشلب من الجهة الشرقية: شن التحالف هجمات على تجمعات التنظيم في حي المشلب الذي تقطنه عشيرة العفادلة وشيوخها من آل الهويدي وتوغلت في عمق الحي لفصلها عن المدينة وتأمين الطرق المؤدية إلى باب بغداد والأحياء الطرفية الشرقية من المدينة بهدف تقريب المسافة من قلب المدينة.
الثاني: محور الفرقة 17: هي المنطقة الأكثر تحصينا, استهدفها طيران التحالف بأسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب, والقنابل الفوسفورية بشكل مكثف, لإنهاك نقاط الاستناد التي تعتمد عليها دفاعات تنظيم "الدولة" من خلال اتباع استراتيجية الأرض المحروقة على طول محور تقدم قوات التحالف البرية. ومع اقتراب قوات التحالف الدولي من أسوار المدينة فإن 4 آلاف مقاتل من تنظيم "الدولة" يبدون مقاومة على طول خط الجبهة الممتد على شكل قوس من قرية السحل في الجنوب الغربي إلى حي المشلب شرقي المدينة مع انكشاف القوات المهاجمة في ضواحي المدينة نتيجة تباعد البيوت العربية, ويلعب ضعف الثقة بين قيادات وتشكيلات "قسد" دورا مهما في حسم المعركة.
مع اقتراب قوات التحالف الدولي من مدينة الرقة تزايد التدخل البري للقوات الأميركية والبريطانية على الأرض، وتوجهت قوات من المارينز، لدعم "قسد" في الجهتين الشرقية والغربية. وقامت قوات خاصة أميركية بعملية إنزال على سطوح الأبنية في مساكن "ساريكو" شمالي المدينة، ما ساهم بالسيطرة على أجزاء قريبة من "الفرقة 17" المحصنة، بإسناد من المدفعية البريطانية, الأمر الذي دفع بالتنظيم إلى نشر قناصة على سطوح الأبنية المجاورة،
لذلك، يُنظر إلى السيطرة على الرقة على أنها معركة ذات بُعد سياسي قد يترتب على خسارتها أو الفوز بها نتائج وخيمة تلقي بظلالها على أطراف الصراع.
أهمية المعركة في سياق التنافس الجيوسياسي
لا يمكن إغفال البُعد الجيوسياسي لمعركة الرقة التي تتجاوز قضية التخلص من التنظيم إلى أهداف أخرى متصلة بتنافس إقليمي ودولي مثل إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة على النفوذ في هذه المنطقة الحيوية, وما يواجهه الأمن القومي التركي من تهديدات على طول الشريط الحدودي مع سورية بعدما باتت تحت نفوذ وسيطرة قوات الأكراد الانفصاليين, واستمرار إيران في التمدد والتوسع بهدف استكمال مشروعها المعروف في السيطرة على أكبر مساحة من سورية, وذلك بدعم روسي توفره للميليشيات الإيرانية, لكن الولايات المتحدة كانت الأسبق لذلك من خلال استراتيجيتها في التحرك لتصبح غالبية منطقة وادي الفرات الغني بالنفط تحت سيطرتها عن طريق عملائها ومرتزقتها.
المعركة في بعدها الأخلاقي والإنساني
يمكن توصيف إمكانية السيطرة على مدينة الرقة من قبل التحالف الدولي وقوات الأكراد الانفصالية بالعملية السهلة لوجود عدد كبير من الحوافز يأتي على رأسها التفوق عسكريًّا وسياسيًّا، وعوامل أخرى يفترض أن تكون أحد أهم المعوقات التي تؤجل تدمير المدينة التي يقطنها ما يقارب 200 ألف مدني, وبإمكان القوات المهاجمة اعتماد خطة عسكرية تعمل على إيجاد مخرج آمن للمدنيين, لكن طيران التحالف الدولي أمطر المدينة بوابل من صواريخ طيرانه ومدفعيته ما أّدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين، وإحداث دمار كبير في البنية التحتية والممتلكات الخاصة, وحده يوم السبت قضى 43 مدنيا بينهم أطفال ونساء لقوا مصرعهم جراء غارة جوية نفذها طيران التحالف الدولي على حي الجميلي. واعترف التحالف الدولي وفق القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط بمقتل 484 مدنياً على الأقل منذ صيف ٬2014 وأوضحت القيادة أنهم قتلوا بشكل غير مقصود.
ولكن الحصيلة في الواقع هي أكبر بنحو 10 مرات وتناهز 4600 مدنياً قتلوا منذ العام 2014م. ومنذ مطلع شهر حزيران الجاري باتت ضربات التحالف أكثر دموية وعشوائية.
وبما أن قوات الأكراد الانفصالية الموسومة بالإرهاب باتت على مشارف المدينة المحاصرة فإن عواقب وخيمة بانتظار السكان المدنيين بسبب وقوع المدينة في مركز حضري ذي كثافة سكانية عالية، فضلا عن استهداف مدفعية المهاجمين وطيران التحالف لمنطقة النهر المحاذية للرقة من جهتها الجنوبية, مما زاد الوضع سوءا وسط غياب تام للمبادئ والأعراف والقوانين الدولية التي تحمي المدنيين وتحيدهم في الصراعات العسكرية. ولا يبالي المتصارعون بعدد الضحايا ما داموا عربا سنة, وبإمكان قوات التحالف الدولي اتخاذ تدابير أولية لمواجهة هذه المعضلة بخوض المواجهة بأسلوب التفتيت الإستراتيجي.
الرقة والمصير الغامض
يبدو أن استراتيجية التحالف الدولي ستحسم المعركة لصالحها آجلا أو عاجلا, غير أن البعد السياسي للمعركة يتفاعل بشكل مطرد مع الحملة الإعلامية المرافقة, أكثر من العمليات العسكرية القائمة, ويطرح سؤالا كبيرا من سيحكم المدينة بعد دحر التنظيم؟
تكشف التركيبة العسكرية لقوات "قسد" المشاركة في معركة الرقة الرامية للسيطرة على المدينة عن اختلافات متباعدة داخل كل فريق, وإن كان المشهد العام يظهر توافقا.
فالتنافر القومي بين الحلفاء, وإقصاء فصائل ثوار الرقة عن المشاركة في عملية التحرير, يعطي للميليشيات الكردية فرصة الاحتلال الكامل للمدينة العربية, والاستئثار بحكمها مع إضفاء شكلي لإشراك بعض عملائهم من العرب في إدارة شؤونها المحلية, فإن وافقت واشنطن على خطط الميليشيات الكردية, فسنشهد صداما داميا وضاريا بين العرب والمحتلين الجدد أكثر دموية من الصدام ضد تنظيم "الدولة" رغم الفظائع التي ارتكبها بحق الأهالي طيلة سني سيطرته على المدينة. والأتراك الذين رفضوا المشاركة في معركة الرقة لاعتراضهم على الميليشيات الكردية التي يصفونها بالإرهاب, يضعون في حساباتهم إعلان حرب ضد وحدات حماية الأكراد الذين يسعون إلى التمدد وتوسيع نفوذ سيطرتهم جغرافيا.
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن مهمة وحدات حماية الأكراد ستنتهي بطرد التنظيم, ولن تتمركز في المدينة التي سيتم تسليم إدارتها لأبناء محافظة الرقة العرب المنقسمين ما بين عملاء للأكراد ومعارضين مؤيدين للائتلاف السوري.
وكانت وحدات حماية الأكراد, الأسبق في تصورها لمستقبل حكم مدينة الرقة, فقد أعلنت في شهر أبريل/ نيسان الماضي عن تشكيل ما يسمى بمجلس الرقة المدني في مدينة عين عيسى ويضم في عضويته 10 أشخاص, كرديين اثنين وثمانية عرب ورئاسة مشتركة بين المهندسة الكردية ليلى مصطفى, ومحمود شواخ البرسان, ولاقى هذا الإعلان اعتراضا من المعارضة السورية, والمعنيين بشؤون الرقة لأن للأكراد سوابق احتلال مرفوضة في مدن عربية أخرى فرضوا سيطرتهم عليها كمنبج وبعض قرى ريف حلب الشمالي, من هنا يتجلى مشهد مدينة الرقة في انعدام الثقة بوحدات حماية الأكراد من قبل الأغلبية العربية في المدينة, والقبول بهم حالة زائفة محكومة بسلطة الأمر الواقع وبالتالي فإن مصير حكم الرقة بعد دحر تنظيم "الدولة" يبقى في حيز المجهول.