بلدي نيوز - (نجم الدين النجم)
ينتهج التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على محافظة الرقة، برفقة حلفائه على الأرض ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، استراتيجية تدميرية خلال سعيها للسيطرة على المناطق التي تقع في قبضة تنظيم "الدولة"، فالقصف الجوي والمدفعي المكثف يسبقان أي محاولة للسيطرة، ما أدى إلى ارتقاء المئات من المدنيين خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن دمار هائل أصاب البنية التحتية والممتلكات والأبنية السكنية.
وبعد أن أتمت "قسد" سيطرتها على أرياف الرقة المترامية بعد أن أوقعت بين المدنيين وفي ممتلكاتهم خسائر كبيرة في المدن والبلدات والقرى، بدأت مرحلة السيطرة على مركز المدينة الممتلئ بالسكان المدنيين، وواصلت هذه الميليشيات ومعها التحالف الدولي النهج ذاته، بالقصف الجوي والمدفعي المكثف والعشوائي على أحياء مدينة الرقة، قبل الشروع في اقتحامها، ما أدى إلى استشهاد أكثر من مئة مدني خلال الأيام القليلة الماضية في مركز المدينة وحده، واستكمال تدمير البنى التحتية المتهالكة أصلاً، بسبب قصف الطيران الروسي والتابع للنظام والطيران التابع للتحالف للمدينة في الأشهر والسنوات الماضية، فتحول "غضب الفرات" -الاسم الذي أطلقته ميليشيات "قسد" على معركة السيطرة على الرقة- إلى حقد على الفرات وسكان ضفافه من المدنيين.
غارات جوية يومية تستهدف أحياء مدينة الرقة، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي عشوائي مصدره قاعدة الجلبية بريف الرقة الشمالي، وهي أشبه بقاعدة عسكرية مشتركة بين الميليشيات والقوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة.
سقوط المدنيين كخسائر "جانبية" بشكل كبير خلال معارك الرقة وما يتلوها مهد له وزير الدفاع الأميركي "جيمس ماتيس"، في مقابلة له مع قناة (سي بي إس)، الأحد الماضي، قائلاً إنه "لا مفر من سقوط ضحايا مدنيين"، فيما سمّاه الحرب على "الإرهاب" في كل من سورية والعراق.
وأضاف ماتيس في حديثه أن "هؤلاء الضحايا يقعون في مثل هذا النوع من الأوضاع"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية "بذلت كل ما في وسعها إنسانياً لتفادي ذلك، ولم تتغير قواعد شن الغارات الجوية التي تحدد الإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها، لتفادي سقوط ضحايا مدنيين".
وحول هذا الموضوع يقول الباحث السياسي "نواف الركاد" في حديث خاص لبلدي نيوز إنه "يبدو وللأسف الشديد بأن سيناريو غروزني الذي عُمّم على حمص ودير الزور وحلب والكثير من المدن والبلدات السورية، صار مغرياً أيضاً للتحالف الدولي، الذي استسهل التدمير كحلقة من مسلسل التدمير الطويل لعلّه يضيع في طيّات الزمن، فما قبله وما قد يعقبه سينسي السوريين فظاعة هذه الممارسات، أو على الأقل هكذا يظنون".
مضيفاً "ورغم معرفة التحالف الدولي بصعوبة مواجهة هذه الميليشيا لتنظيم الدولة، فقد قرروا تكرار سيناريو عين العرب في الرقة، ولا شك أن الطريقة كانت ستكون مختلفة فيما لو دخلت قوات درع الفرات المدعومة من تركيا لهذه المعارك".
وحول خيارات تنظيم "الدولة" في هذه المرحلة في معركة السيطرة على الرقة يرى "الركاد" إن "التنظيم لم يعد لديه خيارات وحلول، ولا طريق أمامه إلا الانزواء نحو الصحراء السورية والعراقية، لكن هزيمته في الرقة قد لا تكون سريعة، وربما يطول انتظارها أيضاً عكس ما هو مُشاع حول اتفاقات بين الطرفين للانسحاب"، مؤكداً أنه "إذا هُزم التنظيم بسرعة في الرقة، أكبر معاقله في سوريا، فإن ذلك سيشكل ضربة قاضية على مشروعه، وسيخسر بهذه الهزيمة الكثير من أتباعه وأنصاره، وهذه الخسائر المعنوية ستكون أقل فيما لو طال أمد المعركة في المدينة".
من جانبه يرى الناشط "أيهم الأحمد" إن ما يجري في الرقة اليوم من قصف وحشي وقتل للمدنيين وتدمير للبنى التحتية، هو "ضمن سيناريو معد له مسبقاً، وليس محض صدفة" مشيراً إلى أن "الخطة التي وضعتها إدارة الرئيس السابق أوباما للسيطرة على الرقة وطرد التنظيم منها، مشت وفقها إدارة الرئيس ترامب، مع رفع القيود كاملة، عن قواعد القصف وتجنب استهداف المدنيين".
وأشار الأحمد إلى أن "النهج التدميري هو ضمن سياسة أمريكية مستقبلية، لإعادة الإعمار، فالرقة أصبحت تتمتع بأهمية كبيرة بسبب موقعها الاستراتيجي في الشمال السوري، حيث تتقاطع فيها جميع الأطماع الإيرانية والروسية والأمريكية، فضلاً عن أطماع الميليشيات الانفصالية، وأميركا تريد احتكار هذه المنطقة لها وحدها، وتدميرها ومن ثم إعادة إعمارها والاعمار هنا يعني الامتلاك مستقبلاً، وبسط النفوذ والسيطرة".