بلدي نيوز - (نجم الدين النجم)
بعد سيطرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية، عمودها الفقري، على مدينة الطبقة، تتجه الأنظار إلى مدينة الرقة عاصمة التنظيم، ومركز تخطيط عملياته، واستقطاب مقاتليه المهاجرين.
عقب النهاية الدراماتيكية لسيطرة ميليشيات "قسد" على مدينة الطبقة الصغيرة، الواقعة بريف الرقة الغربي، والتي انتهت بانسحاب عناصر التنظيم، من الأحياء التي يسيطرون عليها في المدينة، باتجاه الرقة، بعد مفاوضات بين الطرفين، تُطرح الأسئلة حول الكيفية التي ستدير بها الولايات المتحدة الأمريكية، معركة السيطرة على مدينة الرقة، خصوصاً أن لهذه المعركة رمزية كبيرة، لدى الدول التي تُحارب الإرهاب، وبالتحديد تركيا حليف الولايات المتحدة في حلف الناتو، وصاحبة النفوذ الواسع في سوريا، والأهم من ذلك فهي الدولة التي تُعادي بشدة الوحدات الكردية، وتعتبرها كياناً لا ينفصل، عن حزب العمال الكردستاني، والذي تعده تركيا حزباً إرهابياً.
بعد طلبات متكررة من المسؤولين الأتراك، خلال الفترة الأخيرة، للولايات المتحدة الأمريكية، بالاستغناء عن ميليشيات "قسد"، والاعتماد على القوى الثورية المعارضة، التي تدعمها تركيا، والتي لا تحظى بثقة الأمريكيين، أصرت واشنطن على التنسيق مع "قسد"، بل وزادت من دعمها العسكري واللوجستي، لهذه القوات، بعد تولي دونالد ترمب دفة القيادة، ومن جانبها أصرت أنقرة على موقفها، وتجلى هذا الإصرار أكثر، بغارات جوية للطائرات الحربية التركية، على مواقع "ب ي د" في الشمال السوري، تزامنت هذه الضربات مع انتشار مكثف لدبابات ومدرعات تركية على الحدود المقابلة لمدينة تل أبيض، بريف الرقة الشمالي، والتي تسيطر عليها الوحدات الكردية.
من جهة أُخرى، تُحاصَر الاستراتيجية الأمريكية، في محاربة التنظيم، بجدار آخر، وهو رفض المكون العربي، الذي يشكل الأغلبية الساحقة في مدينة الرقة ومحيطها، لميليشيات "قسد" والتي بدورها عملت من خلال تصرفاتها، على تنمية هذا الرفض وهذه المخاوف، من خلال المبالغة بتغيير أسماء المدن والبلدات العربية، ونشر صور قائد الحزب "عبد الله أوجلان" بالإضافة إلى نشر رايات "ي ب ك" و "ب ي د"، واعتقالات بالجملة وتهجير ممنهج لأهالي المنطقة من قراهم وبلداتهم، مناقضة "قسد" بهذه الأفعال شعاراتها وخطاباتها القائلة بأنها قوات سورية الديمقراطية، تحمل مشروعاً سورياً خالصاً.
ويرى الباحث والناشط السياسي "أحمد الحلبي" أن "هنالك قصراً في النظر لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فهي ترى أن ميليشيات قسد، سورية الهوى والانتماء، وأنها تجمع بين المكونات جميعاً، لكن هذا بعيد عن الواقع، وغير صحيح بالنسبة لمن يعرف المنطقة جيداً".
ويرى الحلبي أن الولايات المتحدة الأمريكية، ستكمل في هذا النهج ولن تأخذ مخاوف المكون العربي، ولا مخاوف تركيا بعين الاعتبار، قائلاً: "أميركا تعتبر ميليشيات قسد شريكاً عسكرياً لا بديل عنه أبداً في محاربة التنظيم، خصوصاً بعد الانتهاء من مدينة الطبقة، ولكن يبدو أيضأ أن دونالد ترامب لديه استراتيجية ما، لإرضاء الجانب التركي، بينما من غير المعروف حتى الآن كيف ستعمل أمريكا على طمأنة الأغلبية السكانية العربية في مدينة الرقة".
من جانبه، يقول الناشط السياسي "أيهم الأحمد" أن "الولايات المتحدة مصممة على الانفراد بمعركة الرقة، بدعمها لميليشيات قسد، وهذا ما رأيناه بوضوح سابقاً، عندما منعت القوات التركية قوات درع الفرات المدعومة من تركيا، بالتقدم باتجاه شرق الفرات".
ويرى "الأحمد" أن "أميركا لا تثق بالمجموعات التي تدربها تركيا، خصوصاً أن ذات هذه المجموعات كانت تسيطر على الرقة، قبل تنظيم الدولة، كما أن أميركا ترغب بترسيخ وجودها في الشمال السوري، عبر لعب دور الشرطي بين تركيا والوحدات الكردية، وبذلك تكون أميركا مرجعية لكلا الطرفين في أي قضية خلافية".
واستطرد الأحمد "المكون العربي لا يستطيع أحد أن يتجاهله، فهو صاحب الأرض، لكن الولايات المتحدة ستبقى تُجامل الوحدات الكردية، إلى حين الانتهاء من السيطرة على الرقة وطرد تنظيم داعش منها، ومن المرجح بعد هذه المرحلة ان تبدأ مرحلة جديدة، سيكون فيها المكون العربي هو الضامن لحفظ استقرار المنطقة، التي أصبحت ضمن نفوذ الولايات المتحدة، وربما سنشهد حلاً للأحزاب الكردية المرفوضة من تركيا، وتشكيل أحزاب جديدة لحفظ حقوق المكون الكردي، لأن الميليشيات حولت المطالب المشروعة، إلى توتر كبير سيتحول إلى فوضى شيئاً فشيئاً، وهذا ما لن ترضى عنه الإدارة الأمريكية".