بلدي نيوز- (المحرر العسكري)
أكد أكثر من مصدر من هيئة تحرير الشام صحة خبر الاتفاق القاضي بعملية "تبادل" للمناطق والسكان بين كفريا والفوعة في إدلب ومضايا والزبداني في محيط العاصمة دمشق، حيث تحدث عدة أشخاص بينهم (المحيسني) نفسه عن صحة الاتفاق، وأنه جاء بوساطة قطرية وبطلب ايراني.
عملية "تبادل" كفريا والفوعة مع مضايا والزبداني تعبر عن الكثير من الأمور التي تحدث وراء الستار، وتتحدث عن الوضع الحقيقي للقوى العسكرية على الأرض، فايران التي دخلت حلب بدعم روسي، تبدو الآن عاجزة عن الوصول إلى البلدتين اللتين لا تتوقف عن إرسال الأسلحة لهما جواً يومياً، ويبدو أنها لا تمتلك خطط حقيقية وواقعية وممكنة التنفيذ لفتح مسار أو ممر باتجاههما، فهي عالقة في عدة معارك في العراق ووسط سوريا وشمالها تستنزفها للحد الأقصى.
فعملية الوصول لكفريا والفوعة تبدو مرهقة ومكلفة جداً لإيران، التي تتعرض ميليشياتها لاستنزاف شديد في العراق، وفي معارك حماة وريف حمص الشرقي وصولاً إلى تدمر، وهي غير قادرة على المدى المنظور على فعل أي شيء للوصول إلى هذه المنطقة، فهي بحاجة لفتح معركة تحتاج فيها إلى ما لا يقل عن 30 ألف عنصر للوصول إليها، مع معدل خسائر كبير، فهي ستقاتل في مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وفيها كثافة عالية للثوار مرتفعي التدريب، حيث كانت آخر معارك إيران للوصول إلى البلدتين هي معارك العيس قبل حوالي العام، والتي انتهت بالفشل الذريع، وانسحبت إيران على إثرها من المعركة، لتترك البلدتين في حماية اتفاق "المدن الاربعة"، فهي تبتز الثوار بأرواح مدنيي مضايا والزبداني المحاصرين، ما سمح ببقاء البلدتين سليمتين إلى حين.
كذلك لا يبدو أن هاتين البلدتين ضمن اهتمامات الروس، أو أن الروس يتعمدون عدم دعم ايران في ما يتعلق بهاتين البلدتين، فروسيا تسعى لاستنزاف ايران، بهدف الضغط عليها لتقليص حصتها من "الكعكة السورية"، فوصول إيران إلى هاتين البلدتين يعني أنها قد تسعى لتطويق نطاق سيطرة الروس على المتوسط وتحديده بمناطق سكنية فيها أغلبية شيعية تابعة لإيران، ما يعني أحقية إيران في السيطرة عليها واستثمارها، ما يعتبر تهديداً للنفوذ الروسي الذي يعتمد على وصول الميليشيات الكردية الانفصالية إلى البحر المتوسط (والذي لم يعد يفصلهم عنه سوى إدلب)، حيث يمكن القول أن هاتين البلدتين هما جزء من طريق الهجوم باتجاه إدلب (بالنسبة للميليشيات الكردية الانفصالية)، والتي تحدثت سابقاً عن نيتها السيطرة عليها، ما يعني أن البلدتين ستكونان ضمن منطقة مسيطر عليها كردياً بدعم روسي، ما قد يتسبب بالإحراج لإيران أمام اتباعها في سوريا، في حال عجزها عن فرض سلطتها على البلدتين (الأمر الذي لن يقبله الأكراد).
من جهة أخرى، تحتوي البلدتان على كتلة بشرية شيعية متشددة موالية لإيران بشكل مسعور، وهي تعتبر قوة "معطلة" ومجمدة، ولا يوجد فائدة منها في الظروف الحالية، فلا إمكانية لعمليات عسكرية لفك الحصار عنها، ما يجعل إخراجها من البلدتين أكثر فائدة لاستراتيجية إيران في المنطقة، وبخاصة أنها تحتوي قرابة 30 الف شخص (حسب بعض التقديرات)، ما يجعل من الممكن الحصول على ألاف المجندين الجدد في الميليشيا الايرانية الشيعية التي تنشط في سوريا، ما يجعل من خروج هذه القوة من كفريا والفوعة تعويضا مهما لإيران عن خسائرها في المنطقة، وتساهم في تمديد أمد عملياتها في سوريا إلى حين، خصوصاً أن هذه العناصر كانت تتلقى تدريبات مكثفة داخل البلدتين على الأعمال العسكرية والارهابية، والتي امتدت خلال "الحصار" (ذو الخمس نجوم)، حيث كانت طائرات النظام تسقط لكفريا والفوعا كل ما تحتاجه (حتى المكياج والملابس الداخلية النسائية)، والتي لا يمكن القول أنها من ضمن اهتمامات منطقة تعيش حالة من الجوع بسبب الحصار، إضافة للأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر التي كانت تصل بالمظلات بشكل يومي، ما جعل البلدتين بمثابة قلعة محصنة ومجهزة لمعركة طويلة، مدعومة بعناصر مقاتلين عقائديين من ميليشيات متشددة إرهابية، يعتبرون معركتهم معركة عقائدية ضد السنة السوريين الذين يمثلون امتداداً للأمويين "قتلة الحسين" (حسب عقائدهم).
من وجهة نظر أخرى، يمكن أن يستفيد الثوار من بلدتي كفريا والفوعة في أمر مهم هو الدفاع عن مدينة إدلب ضد الهجوم المحتمل للميليشيات الكردية، والذي يمكن أن يحدث بالاستفادة من التحصينات والاستحكامات الهندسية التي نفذت في كفريا والفوعة خلال أعوام من الحصار (يجب أن يشمل الاتفاق تسليم الأسلحة والذخائر في المدينة أسوة بالمناطق التي سلمها الثوار، والحفاظ على الاستحكامات الهندسية).
اتفاق كفريا الفوعة – الزبداني مضايا هو اتفاق مهم من حيث الشكل والمضمون لجميع الأطراف المتصارعة في سوريا، وله تأثيرات سلبية وإيجابية على جميعها، ما يجعل منه عملية معقدة ومتشابكة، قد تكون من ضمن التشابكات في العلاقات والضربات المتبادلة بين الحلفاء المجتمعين ضد الشعب السوري، والذي يسعى جميعهم للسيطرة على أكبر ما يمكن من الكعكة السورية.