بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
تتلاحق التحذيرات أو الشائعات من قرب وقوع كارثة إنسانية في المنطقة الشرقية من سوريا، وذلك في حال تسببت المعارك الدائرة الآن على أرض الرقة بانهيار سد الفرات، هذا السد الذي يبلغ طوله ميلين وبارتفاع 400 قدم وخلفه 11 مليار متر مكعب من الماء، حيث يعد أحد أكبر السدود في الشرق الأوسط والوطن العربي.
ورغم التأكيد على أن ما يثيره (تنظيم الدولة) المتشبث بمعقله في سوريا مجرد شائعات، إلا أن تسديد ضربات جوية مكثفة ومركزة على جسم السد، يشكل خطراً كبيراً على السد، خاصة أن الضربات الأمريكية الجوية استهدفت مدخل السد، ثم طالت المعارك ساحة التوزيع المسؤولة عن تزويد السد بالطاقة الكهربائية، ولم تدارك الأعطال الفنية.
وفي قراءة لآخر التطورات على أرض المعركة، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن توقف عملياتها العسكرية في محيط (سد الفرات) من الساعة 1 وحتى الساعة 5 فجر أمس، وذلك بهدف إتاحة الفرصة لدخول فريق المهندسين وتفعيل عمل السد، لذلك يطرح التقرير التالي لـ"بلدي نيوز" تساؤلاً حول إمكانية دخول سد الفرات معركة الرقة؟.
من يفعلها؟
"تبدو المياه ساكنة على طرفي السد مما يعني أن بوابات السد مغلقة مما يشكل خطراً على السد بسبب ارتفاع مستوى المياه"، هكذا عقب المحلل البريطاني (إليوت هيجنز) على الفرق بين صورة حديثة التقطت لسد الفرات بتاريخ 23 آذار/ مارس الحالي، وصورة أخرى التقطت في شهر أيلول/سبتمبر 2014.
أما تقرير الأمم المتحدة الصادر في 15 شباط/ فبراير الماضي، فقد أكد على تعمد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شن غارات قرب السد، وأشار التقرير إلى أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجهت هجومها باتجاه منطقة السد دون أي مراعاة لخطر انهيار السد.
لذلك يرى المحلل السياسي (عبو الحسو) أنه قد تفعلها (استهداف السد) قوات التحالف للتخلص من (تنظيم الدولة)، وهو ما يعني التخلص من سكان المنطقة لأن انهيار السد يعني إغراق مدن الرقة ودير الزور وكل البلدات والقرى الواقعة عليها في سوريا والعراق حتى مدينة الرمادي، ويتابع (الحسو): "لا مصلحة لداعش بإغراق المنطقة لأن ذلك يعني نهايته"، مستدركًا: "لكن قد يهدد التنظيم بفعل ذلك لتخفيف الضغط عليه وكسب تعاطف الشارع معه وخاصة في المناطق التي ستتضرر، وربما قد يكون الترويج لاحتمالية انهيار السد من قبل داعش هي مقدمة لتسليم الرقة لقسد أو حتى للنظام حفاظًا لأرواح الناس واستخدام هذا التبرير للانسحاب والتسليم"، أما فيما يتعلق بموقف النظام فيعقب (الحسو) بالقول لـ"بلدي نيوز": "النظام لا أظن يفعلها لأنه سيفقد ما بقي له في مدينة دير الزور".
ويعتقد (الحسو) أنه "لا مصلحة لأحد بانهيار السد لأنه لا يمكن لأحد أن يتحمل عواقبه لا الحالية ولا المستقبلية"، لكن قد يكون للتحالف خطط لإعادة هندسة المنطقة وتقسيمها وقد تكون كارثة كمثل هذه أداة لذلك لكن ذلك سيكون خطة مجنونة وتهورًا لا يقل كارثية عن إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي"، حسب الحسو.
استنزاف عسكري
لم تكن الشائعة الأولى، فقد شهدت معركة الموصل قبل معركة الرقة شائعة قرب انهيار سد الفرات، وانتشرت الكثير من التحذيرات المشابهة من العراق تحذر من تفجير (تنظيم الدولة) لسد الفرات الذي أشيع أنه لغم بالمتفجرات، وتحدثت الكثير من وسائل الإعلام عن احتمالية انهيار السد وغرق مناطق واسعة، لكن ما حدث في النهاية هو أن التنظيم انسحب من السد.
تعقيبًا على ما سبق، يقول المحلل العسكري (راني جابر): "لم يحدث انهيار السد في العراق على الرغم من شراسة المعركة وضخامتها"، ويتابع القول: "الفكرة من إشاعة أخبار عن انهيار السد أو قربه هو الضغط النفسي على المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها (تنظيم الدولة) بهدف استخدام المدنيين للضغط عليه وتشتيته بمحاولات ضبطهم والسيطرة عليها، وهو ما يعتبر شكلًا من أشكال الاستنزاف العسكري".
ويؤكد (جابر) على أنه من وجهة نظر تقنية بحتة يصعب انهيار السد دفعة واحدة مثلما يحاول الإعلام أن يصور بل في أتعس الأحوال تنهار مقاطع منه بما يساهم في تخفيض ضغط الماء خلفه وما سيحدث هو فيضان محدود للنهر وليس تسونامي ساحق كما يصور الإعلام، ويوضح لـ"بلدي نيوز": "ذلك يدركه النظام والعراقيون، فالنظام ما يزال يزيد من تموين قواته في دير الزور الواقعة على المستر الافتراضي لتسونامي انهيار السد مثلا؟"، ويختم بالقول: "المستفيد من أخبار انهيار السد وحدوثه حقيقة هو النظام والميليشيات الكردية" .
تهجير المكون العربي بالرقة
قالها (تنظيم الدولة) أكثر من مرة، أخذ يدعو عبر مكبرات الصوت المدنيين إلى الخروج من مدينة الرقة، بسبب "قرب انهيار سد الفرات"، أما عبر وكالة (أعماق) التابعة للتنظيم فكتب أن "سد الفرات مهدد بالانهيار في أي لحظة نتيجة الضربات الأميركية، وبسبب الارتفاع الكبير في منسوب المياه".
تزامنت هذه التحذيرات للتنظيم وغيرها مع إطلاق الولايات المتحدة لعمليتها العسكرية ضد التنظيم بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وذلك لاستعادة السيطرة على الرقة، معقل التنظيم في سوريا، بالطبع يهدف (تنظيم الدولة) إلى إعاقة الهجوم الأمريكي عليه لكنه يدرك خطرة استخدام مبنى السد كدرعٍ أو القيام بتلغيمه، كذلك التحالف الدولي يدرك خطورة قصف السد، لكن كلا الأطراف مستمرة في المعركة وهو ما يشكل خطورة حقيقية.
لذلك يقول المحلل السياسي (جميل عمار) إن "سد الفرات ممكن تعطيله ولكن هدم السد غير وارد من قبل الطرفين، لأن ذلك بمثابة الكارثة"، من جانبه، يستبعد الصحافي السوري (بكر القاسم) دخول السد ضمن هذه المعركة، ويقول: "الأمر مجرد تهديد فقط بقصد التهجير للمكون العربي بالرقة"، ويوضح القاسم أنه من الصعب تفجير السد، وفي حال تم النيل منه فستكون الأضرار صغيرة مقارنة بالشائعات التي تثار حول الأمر، ويستشهد (القاسم) بما حدث عندما أشيع أن سد الطبقة قد تم وضع متفجرات به من قبل (تنظيم الدولة) ليظهر لاحقًا عدم صحة ذلك، ويؤكد الإعلامي المتواجد الآن في ريف حلب الشمالي على أن: "إمكانيات داعش محدودة، فلا يوجد لدي التنظيم إمكانية لتفخيخ السد بسبب جسم السد الذي يحتاج زلزال ذو قوة أكثر من 9 على مقياس رختر ليتأثر".
ويستبعد القاسم خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" أن يقوم التحالف الذي تشاركه فيه القوات الأمريكية بضرب السد، وذلك لكون مطار الطبقة هو بمثابة قاعدة أمريكية، ويضيف: "التحالف لن يضرب السد لأن القوات الأمريكية ستنشئ قاعدة ضمنها قريبًا".