بلدي نيوز- (ميرفت محمد)
تطورات عدة تشهدها الساحة السورية منذ أمس الأحد، المعارضة السورية تتقدم عسكريًا على حساب قوات النظام، حيث باتت تسمع أصوات الاشتباكات من مكتب بشار الأسد في قصر الشعب على تلة المزة غربي العاصمة.
يعني هذا الهجوم المباغت على قلب العاصمة دمشق أن المعارضة لا تزال تملك أوراق قوة عسكرية، تمنحها قوة سياسية في الجولة الخامسة من محادثات جنيف، المزمع استئنافها في 23 مارس/آذار الجاري، وعلى أية حال ستلقي هذه المعركة بظلالها على الجولة الجديدة للمحادثات، فبينما أكد رئيس وفد نظام الأسد إلى "أستانا" بشار الجعفري أنه : "سنشارك ولن نبدأ من الصفر في جنيف 5"، كشف النقاب عن خلافات بين النظام وحليفه الروسي وصلت لحد إلغاء دمشق استقبال المبعوث الأممي إلى سوريا (ستيفان دي ميستورا) على خلفية مقابلة صحفية نسبت إليه، وقال فيها أنه "لا يمكن عمل دستور جديد لسوريا في ظل النظام الحالي".
إنجازات سياسية
بعد بدء الهجوم المفاجئ لقوات المعارضة بالأمس، ما زالت المناطق الشرقية في العاصمة دمشق تشهد معارك بين قوات النظام والمعارضة، حيث تحاول المعارضة الاقتراب من قلب المدينة القديمة في دمشق، كما تواصل قوات النظام الرد بالقصف المكثف على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
بالطبع معركة دمشق "لا تعني انتهاء الحل السياسي التفاوضي" كما قال القيادي في "جيش الإسلام" (محمد علوش)، بل تعني امتلاك المعارضة لورقة قوية في هذه المفاوضات، ولذلك يعتبر المحلل والمراقب السياسي (عبو الحسو) أن ما يحدث في دمشق من إنجاز عسكري وإن كان محدودًا حتى الآن يحمل دلالات كبيرة تظهر عجز النظام في إحكام السيطرة على مناطق لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن قصر رأس النظام، ويضيف لـ"بلدي نيوز": "ما بالنا بإمساك زمام الأمور في سوريا هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى ما حدث رسالة إلى من يريد إعادة تأهيل النظام لمحاربة التنظيمات الإرهابية بأنه غير قادر على الدفاع عن نفسه فكيف سيكون فاعلاً في محاربة الإرهاب".
ويدعو (الحسو) المعارضة السورية السياسية للتنسيق مع الفصائل على الأرض وخاصة في دمشق، ويتابع القول: "يجب العمل بتناغم وتنسيق عال لتحقيق إنجازات سياسية متزامنة مع الإنجازات العسكرية ودفع النظام والضغط عليه للسير في المسار السياسي وتقديم تنازلات من قبله للمضي قدماً نحو المرحلة الانتقالية والحل السياسي النهائي".
القوى الدولية والبحث عن حل
في الجولة الرابعة من المفاوضات السورية في جنيف طالبت روسيا والنظام السوري بإدراج بند مكافحة الإرهاب في جدول الأعمال، وهو ما شكل عائقًا في سبيل تحقيق نتائج في هذه المفاوضات، جاء ذلك بينما كان وفد المعارضة يحاول إقناع الروس بالضغط على دمشق للتفاوض على الانتقال السياسي، كما تزامنت هذه الجولة مع إمعان النظام في سياسة التهجير وتفريغ المناطق الخاضعة للمعارضة في محيط دمشق وشن حملة عسكرية على الأحياء الشرقية لدمشق بهدف توسيع الحزام الأمني له.
وبالمرور على ما حدث في الجولة الرابعة من جنيف بمحاولة فرض بند (مكافحة الإرهاب)، يوضح الصحفي السوري (محمد أمين) أن هذا الطرح جاء كمحاولة للتهرب من الاستحقاق الأبرز وهو الانتقال السياسي في مخالفة للقرار 2254، لذلك – وحسب أمين- المعارضة الآن مصرة على إنجاز الانتقال السياسي فهو مفتاح السلال الأخرى، على اعتبار أن ما جرى في شرقي دمشق هو رد على خروقات النظام لاتفاق التهدئة.
ويؤكد (أمين) أن ما جرى في دمشق هو رسالة واضحة مفادها أن المعارضة السورية لا تزال تملك أوراق ضغط على النظام وحلفائه وهي قادرة على خلط الأوراق، مضيفًا لـ"بلدي نيوز": "هناك رسالة أخرى تفيد بأنه لا حل سياسيًا يمكن له الصمود من دون رضا المعارضة، حل يحقق الحد الأدنى من مطالب قوى الثورة والمعارضة".
ويرى (أمين) أن الهجوم يثبت أن النظام بات غير قادر على حماية العاصمة وهو ما سيدفع القوى الإقليمية والدولية للبحث جديًا في حل سياسي مستدام، وتابع القول: "هجوم دمشق أثبت أنه لا حل سياسيًا من دون إزاحة الأسد عن السلطة وأي حلول أخرى لن تصمد".
كسب "نقل السلطة"
لا شك أن التحرك العسكري من قبل المعارضة السورية المسلحة هو أحد أهم الأوراق التي يمكن أن تستخدمها في جولة مفاوضات جنيف 5 المزمع عقدها بعد أيام، إذ هي بمثابة تأكيد على قدرة هذه الفصائل على التحرك وتحقيق بعض المنجزات.
لذلك، يؤكد المحلل السياسي المصري (أسامة الهتيمي) على أن استمرار حالة الحراك العسكري أمر ينفي معه كل ما يقوم به النظام السوري وروسيا وإيران من الترويج لانطباع ضعف قدرة المعارضة، متابعًا: "حصلت المعارضة على قوة تفاوضية كبيرة بشقيها السياسي والعسكري، فتحرك المعارضة تجاه العاصمة السورية دمشق يمنح زخمًا سياسيًا كبيرًا، ذلك أن نظام الأسد لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يفرط في العاصمة".
ويعتبر (الهتيمي) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" أن التحرك العسكري للمعارضة في الكثير من المناطق سيكون له نتائجه الإيجابية، ذلك أن الخسائر المترتبة على المعارك حول العاصمة فادحة وهو ما تكشف عنه معارك جوبر منذ ساعات، ولا يستبعد (الهتيمي) أن تثير كل من دمشق وموسكو قضايا تعرقل المفاوضات أو تتجه بها لمسار آخر غير الذي تريده المعارضة السورية، كما حصل في جولات مفاوضات سابقة في جنيف أو في أستانا، حيث سعى النظام السوري مدعمًا من روسيا بفرض بند خاص بمكافحة الإرهاب لتفادي الحديث عن إزاحته ولكسب تعاطف بعض القوى الإقليمية والدولية.
من جهته، يؤكد مصدر معارض –رفض الكشف عن اسمه- أنه "إذا كان هجوم دمشق هو قرار الفصائل فقط، فسيخلط الأوراق وعلى المفاوضين أن يكسبوا نقطة سياسية وهي نقل السلطة، أما الحديث عن وقف إطلاق نار وهدنة يعني خسارة سياسية للمكسب العسكري الذي تحقق أمس"، مضيفًا لـ"بلدي نيوز": " قد يكون تحرك جبهة الغوطة والقابون عاملًا مؤثرًا في جنيف إذا أخلصت نوايا المفاوضين والمهاجمين، أما إذا كان أمر الهجوم جاء من داعمين خارجيين، فنخشى أن يكون المصير ليس تحريرًا لدمشق بل مدخلًا لإعادة سيطرة نظام الأسد وحلفائه على شرق العاصمة بدعم روسي ورضا تركي خليجي وغض بصر أوروبي وأميركي".