بيند بوليتين – (ترجمة بلدي نيوز)
إن سقوط حلب قبل أسابيع فقط من انتهاء ولاية باراك أوباما هو الطابع المناسب لسياسته في الشرق الأوسط والتي تتسم بالتراجع والانسحاب.
فقد أظهرت الصور التي يرثى لها من المدينة المدمرة- التكلفة الحقيقية لتخاذل أوباما، والذي لا يبدو عليه الندم، ففي مؤتمره الصحفي الأخير دافع الرئيس الأمريكي عن تقاعس الولايات المتخذة بأكاذيبه المألوفة : " في سورية كان الخيار إما الوقوف جانباً أو الغزو الهائل الأرض على غرار العراق"!
وهذا هو الخيال القصصي الذي يهدف لخنق أي نقاش يتعلق بسورية، فقبل خمس سنوات كانت الانتفاضة الشعبية في صعود مستمر وما حافظ على توازن تقريبي هو سيطرة النظام السوري على السماء-عند هذه النقطة، لو أعلنت الولايات المتحدة، مع القليل من المخاطر والتكاليف، فرض منطقة حظر جوي في سورية، كما فعلت في كردستان العراق لعشر سنوات بعد حرب الخليج عام 1991، لكانت وبكل سهولة قد دمرت طائرات ومروحيات النظام بالإضافة إلى مطاراته المتهالكة والغير صالحة للاستعمال ، ولكان من شأن ذلك أن يغير المعادلة الاستراتيجية لبقية الحرب ، و ليردع الروس عن إرسال قواتهم الجوية الخاصة وكان عليهم حينها تحدي التفوق الجوي الأمريكي .
ولكن روسيا تدخلت في الصراع وحسمت الامور بقصف الثوار في حلب حتى النهاية، وكان الروس بارعون في ضرب المستشفيات والأهداف المدنية الأخرى، وترك الثوار مع خيار الهلاك أو الاستسلام.
أوباما في تقديره لم يدرك أن دور القوة العظمى في صراع محلي لا يقتصر بالضرورة على التدخل العسكري على الأرض، بل بردع قوة عالمية متنافسة من التدخل بهذا البلد وتغيير مسار الحرب.
فهذا بالضبط ما فعلناه خلال حرب يوم الغفران عام 1973، عندما هددت موسكو بإرسال قوات لدعم مصر، فقام الرئيس نيكسون بمواجهتهم عن طريق رفع حالة التأهب النووي الأميركي لـ ديفكون 3 والذي جعل روسيا تتراجع عن تهديدها .
وحادثة أخرى كانت بسيطة لكنها فعالة بشكل كبير، وذلك بالتهديدات الأمريكية بالانتقام والتي أبقت ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية وتايوان حرة ومستقلة من خلال نصف قرن من الحرب الباردة.
وهذا ما يطلق عليه الردع، غير أن أوباما لم يكن يملك مصداقية لردع أي شيء أو أي شخص، والواقع أن علينا الخجل من سذاجتنا حين كنا نرسل وزير خارجيتنا "جون كيري" ليطارد الروس للتفاوض على وقف إطلاق نار مهين الواحد تلو الآخر!
فالأسد لم يكن أبداً بصديق، ولكن اليوم هو ليس حتى حر، لقد تم تثبيته بشكل فعال في عرشه، ولكن كالدمية في يد إيران وروسيا، وسوريا الآن هي المنصة، قاعدة أمامية لكل هذه الأنظمة الرجعية التي تفرض قوتها في المنطقة.
فإيران تستخدم سوريا لتعزيز سعيها للهيمنة على الشرق الأوسط العربي، وروسيا تستخدم قواعد جوية وبحرية لتستأسد على الدول العربية السنية، وتحرمها من النفوذ الأميركي.
وقد عقد وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا اجتماعاً في موسكو هذا الاسبوع لبدء البت في مصير سورية، ولأول مرة منذ أربعة عقود، لم تكن الولايات المتحدة، القوة التي كانت مهيمنة في المنطقة، موجودة أو ذات صلة .
ومع سقوط حلب وتناثر الثوار، لدينا طريق طويل لإعادة بناء النفوذ الأمريكي الذي أُهدر على مدى السنوات الثماني الماضية !