كيف خان اليساريّون الثورة السورية؟ - It's Over 9000!

كيف خان اليساريّون الثورة السورية؟

وورد فيو – (ترجمة بلدي نيوز)

"إذا ما كان هنالك بلد يستحق الاغتصاب، إنها أفغانستان"، كذلك قال الصحفي اليساري ألكساندر كوكبيرن في يناير/كانون الثاني من عام 1980، وذلك قبل بدء العمليات السوفيتية العسكرية الكبرى في أفغانستان، لقد كانت الحكومة الأفغانية حينها قد سجنت وأعدمت عشرات الآلاف من معارضيها، مثيرة حتى قلق مؤيديها السوفييتيين، والذي جلب غزوهم المباشر للبلاد المزيد من الأهوال منذ عام 1979 حتى عام 1989، قُتل فيها ما يقرب من 1.5 مليون مدني أفغاني، خمسة ملايين أصبحوا لاجئين، وشرّد داخلياً مليونين آخرين.
وعلى الرغم من المجازر، فقد صفّق عدد من اليساريين الغربيين للإجراءات السوفيتية، واصفين الحكومة الجديدة بالإصلاحيّين "طيبي القلب"، والذين كرّسوا جهودهم "للإصلاح الاجتماعي العميق"، كذلك أُيِّد الغزو من قبل أعضاء "اليسار القديم"، مثل الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن الشخصيات المؤثرة في "اليسار الجديد" أمثال أنجيلا ديفيس، دانيال لازار، وفريد هاليداي.
إن التقلبات الأخيرة للحرب السورية ميّزت الكثير من اليساريين بفراغ أخلاقي مماثل، فبالنسبة للكثيرين منهم فإن نظام الأسد هو الحصن قديم العهد للاشتراكية والعلمانية والتحديث ومعاداة الإمبريالية، في بحر من الدول المدعومة من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج العربي، ولكن أسطورة التوجه اليساري لعائلة الأسد جرى تفكيكها بشكل مقنع من قبل المؤلفين السوريين روبن ياسين قصاب، وليلى الشامي في كتابهم: إحراق البلد، والذي يفصّل جذور الانتفاضة السورية.
إن الكتّاب يروون قائمة طويلة من الإنجازات المشكوك فيها لحافظ الأسد، والتي قامت بزعزعة اليسار: أولها ... خيانة منظمة التحرير الفلسطينية، قبول المساعدات من دول الخليج، الانضمام إلى تحالف الولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991، في حين كانت أوراق بشار الأسد الاشتراكية، أقل إقناعاً بشأن ميوله اليسارية فقد شارك الأسد الأصغر الولايات المتحدة "بحربها على الإرهاب"، تحرير الخدمات المصرفية والتجارية، وفتح البلاد للتنقيب عن النفط للولايات المتحدة وأوروبا، ليصبح الأمر بعيداً كل البعد عن كون عائلة الأسد مائلة للاشتراكية، ياسين قصاب والشامي يصفا سوريا الأسد بكونها دولة "فاشية" ذات "مصالح خاصة".
ومن الصعب الآن أن نرى كيف يمكن للمرء الحفاظ على رؤيته لسوريا الأسد كصديقة لليسار ، إذ أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للمرء أن يدعم هذا الرأي هو إذا ما كان يتبنى إطار تحليل السياسة الدولية الذي عفا عليه الزمان "الكتلة الشرقية هي الجيدة، والكتلة الغربية هي السيئة".

وإن هذا هو بالضبط ما فعله الكثير من اليساريين، فقد أدى عدم قدرتهم على النظر خارج عدسة الحرب الباردة ليصبح الكثير منهم المدافعين الأساسيين عن جرائم الأسد.
-ابتلاع الدعايات الروسية-الأسدية:

يميل المدافعون عن الأسد لاحتضان أي تقارير تلائم رواية النظام، وكان المثال الأكثر خزياً هو رد فعلهم على الهجوم الكيميائي لنظام الأسد على الغوطة الدمشقية، والذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين، عدد كبير منهم من الأطفال، حيث اتجهت أصابع الاتهام إلى قوات الأسد من قبل وسائل الإعلام الغربية والحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، كذلك ذكرت بعثة تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بأن الأسلحة المستخدمة تبيّن كونها تعود لمخزون الأسلحة الكيميائية لدى نظام الأسد، والصواريخ روسية الصنع، والأراضي التي يسيطر عليها النظام، كانت بمجملها سمات مميزة لعملية نظام الأسد.

ولكن العديد من اليساريين، مثل المؤرخ طارق العلي والصحفي روبرت فيسك، جادلوا بأن تلك الأدلة كانت تصب في مصلحة نظريات المؤامرة الملفقة، وقبلوا فقط بالدعاية الروسية: روسيا اليوم (RT) -الشبكة المفضلة للمدافعين عن الأسد، والتي اتهمت جبهة النصرة بتنفيذ الهجوم من خلال استخدامها للمواد المهربة من تركيا، متجاهلة حقيقة أن كل الخبراء الدوليين أشاروا إلى أن نوعية السارين كانت تشير إلى مخزونات الأسد.
وحققت نظريات المؤامرة الأخرى طريقها إلى الأوساط اليسارية عبر الصحفي سيمور هيرش، والذي شكك في مسؤولية النظام السوري استناداً إلى شهادة مسؤول سابق مجهول في وزارة الدفاع الأمريكية، ومع ذلك فقد وجدت رواية هيرش ذات المصدر المجهول قبولاً وترويجاً بين أوساط الصحفيين اليساريين، بما في ذلك فيسك، وباتريك كوكبرن (شقيق الكساندر كوكبيرن)، وبيتر لي.
ويكاد يكون هناك دائماً إنكار يساري لجرائم النظام السوري بحيث يجادلون ضد أي التدخل الأمريكي متذرّعين بذلك، فإذا ما كانت ادعاءات استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية باطلة، فإن مبرر الولايات المتحدة للتدخل العسكري ضده سينهار.
-وماذا عن؟
عبارة "وماذا عن" عادة ما تتبع أي سرد لجرائم دولة غربية، عندما أدينت إسرائيل في الجامعات أو المحافل العالمية، كان المدافعون عن إسرائيل دوماً جاهزين في الدفاع عنها بإدراج عدد من الدول الذين يملكون عنها سجلات أسوأ نسبيا إزاء حقوق الإنسان، ماذا عن مصر؟ ماذا عن سوريا؟ ماذا عن السعودية؟ بطبيعة الحال، فإن هذا ليس سوى محض إلهاء وليس بأي حال من الأحوال تبرئة لجرائم إسرائيل، ولكن عدداً كبيراً من اليساريين اقترضوا هذا التكتيك كلما نوقشت جرائم الأسد في سوريا.
إن إدانة الأسد أو تصرفات الروس في سوريا تبدو بأنها قامت أيضاً بإثارة اتهامات بالنفاق وإعادة السرد للمجازر الإسرائيلية الوحشية التي قامت بارتكابها في غزة أو الغزو الأمريكي للعراق، في الواقع ينبغي أن تدان هذه الجرائم، ولكن اليساريين الأسديين يستخدمونها لحرمان السوريين من أي مساحة لمناقشة قمع الشعب السوري من قبل نظام الأسد.
ومؤخراً قامت بعض وكالات الإعلام الغربية بنقل عبارة "سياسة بوش الخارجية"، "السياسة الخارجية لأوباما"، "السياسة الخارجية لترامب"، و "السياسة الخارجية كلينتون" مرفقة بصورة مروعة للطفل السوري عمران، تلك الرسالة المؤثرة والتي تصف واقع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي ستكون ضحيتها من الأطفال بغض النظر عمن هو في السلطة.
لقد ارتكبت قوات النظام ما يقرب من 96% من جميع الضحايا المدنيين السوريين، ولكن الكثير من اليساريين يصبون تركيزاً غير مبرر على التحالف الغربي، ووصفه بأنه "القوة الحقيقية التي تقوض أي إمكانية لوقف إطلاق النار الكامل في سوريا"، في حين أن آخرين كالصحفي باتريك كوكبرن، يحافظون على قولهم بأنه في حين عانى بعض السوريين على أيدي نظام الأسد، فقد عانى أنصار النظام والعلويين على أيدي الثوار، في الوقع فإن ما يبدو أن يكون بياناً محايداً هو ليس كذلك مطلقاً، إنه يتجاهل النطاق الأكبر بكثير والوسائل المدمرة من فظائع الأسد مقارنة بالتي قام الثوار بارتكابها.
إن من غير الدقيق بشكل جسيم مناقشة الصراع من حيث المعاناة بكونه صارعاً متساوياً على "الجانبين" عندما يكون أحد تلك الجوانب يقتل الآخر بمعدل 10 إلى 1، كما حدث في حملة القصف الإسرائيلية لعام 2014 على قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 مدني فلسطيني و 13 مدنياً إسرائيلياً، إذ أن جهود تصوير الفلسطينيين والإسرائيليين على الجانبين على قدم المساواة هو "تطبيع" لا إنساني، لأن مثل هذا التأطير يمحو حقيقة أن أحد الطرفين هو الظالم، والآخر هو المظلوم.
-الاستشراق والإسلاموفوبيا
إن الكثير من اليساريين يروجون للشعب السوري الذي يقتل على أيدي قوات الأسد بكونهم إرهابيين وإسلاميين متشددين، آجامو بركة- نائب المرشح الرئاسي من حزب الخضر، يتجاهل أي تمييز ما بين الجماعات الإسلامية، مدّعياً بأن "مشكلة للشعب السوري هي أن هؤلاء المعتدلين الذين يقوم الغرب بدعمه هم سلفيون وهابيون يرفضون الديمقراطية النيابية ويدعمون فرض الشريعة في سوريا".
إن بياناً كهذا يحمل كل بصمات الإسلاموفوبيا اليمينية في الولايات المتحدة الإسلاموفوبيا- الخلط بين السلفية، والذين يكون أتباعها غير سياسيين إلى حد كبير، مع تطرف تنظيم الدولة والقاعدة، منكرين حق تقرير المصير لشعب على أساس معتقداته الدينية، واستخدام مفردة "الشريعة" باعتبارها شعاراً مخيفاً لتبرير القمع الذي تمارسه الدولة، إذا ما استبدل أحد ما كلمات بركة في خطاب دونالد ترامب، فلا يمكن لأحد تقريباً أن يلاحظ أي فرق.
إن المحللين التابعين للجماعات الناشطة اليسارية يعانون أيضاً من الإسلاموفوبيا، تايلور غويل والذي قام بنشر عموده في مجموعته المناهضة للحرب (تصرفوا الآن من أجل وقف الحرب وإنهاء العنصرية)، يحتفل بهجمات النظام السوري على حلب وعلى "الجماعات السنية الإرهابية المتطرفة مثل تنظيم الدولة، جبهة النصرة التابعة للقاعدة والجيش السوري الحر"، إن ما يغيب عن علمه هو أن كلاً من هذه المجموعات لا تشبه الأخرى، إذ أنه يجهل الفرق ما بين الجماعات المعارضة في سوريا ذات الأيديولوجيات المختلفة جذرياً.
إن الموقف المناهض للإسلاميين من قبل اليسار المؤيد للأسد ليس جاهلاً فحسب، بل هو أيضاً منافق، ففي حين أن بركة يشير إلى الطابع الإسلامي للمعارضة السورية، فإنه يدين بشدة دعم الولايات المتحدة لانقلاب السيسي ضد محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر.
-ما بين التداخلات
إن مئات من المدنيين قد قتلوا بالفعل في الضربات الجوية للتحالف، والتي لم توجه أي منها نحو النظام السوري، والذي يدفع للتشكيك بشأن سياسة "تغيير النظام" في سوريا، في حين جعلت الأهداف المتنافسة في سوريا من سياسة إدارة أوباما غير فعالة وغير متماسكة على حد سواء.
إن اليساريين الأسديين يدعمون فكرة التدخل، ولكن فقط طالما أنه يأتي من قبل روسيا، ستيفن كينزر يذهب به الحد إلى أن يشكر علناً روسيا على ذلك الأمر، في حين أن المعلقين مثله يبررون التدخل الروسي على أساس كونه طلب من قبل النظام السوري، (أشك فيما سيقوله هؤلاء اليساريين نفسهم بشأن التدخل الأمريكي في فيتنام، على الرغم من أنه كان طلباً من الحكومة الفيتنامية الجنوبية).
-ضحايا كثيرون
إلى جانب تأطير وجهة نظرهم نحو الحرب الباردة، والخوف من الإسلام، فإن موقف اليساريين إزاء سوريا يعود لعامل آخر: بكونهم لا يصغون إلى السوريين الحقيقيين.
يكتب ياسين قصاب والشامي في كتابهم بشأن الثورة... في وقت مبكر حين اقتلعت الشرطة أظافر الأطفال، وتم تفريق الاعتصامات بالذخيرة الحية، بينما احتلت المستشفيات من قبل الجنود الذين قاموا باعتقال الجرحى أو قتلهم، كل هذا حدث قبل أن تطلق المعارضة رصاصة واحدة.
كذلك يشمل كتاب ستيفن ستار حول الثورة السورية على مقابلات مع أشخاص من مختلف طبقات المجتمع المدني السوري، حيث يصف بكتابه صعوبة عمل متطوعي الهلال الأحمر خاصة أثناء عبورهم لنقاط تفتيش النظام وهم يقومون بإسعاف الجرحى بعد كل احتجاج، كذلك يضيف موجزاً عن السياق التاريخي والاجتماعي للثورة، ورؤيته في أن المسيرات العامة الكبيرة لدعم نظام الأسد كانت مفروضة من الدولة وتتألف في معظمها من "أطفال المدارس، موظفي الدولة"، و "المجندين الشباب".
إن تناقض اليسار مع رأي الغالبية العظمى من السوريين يشير إلى حقيقة خطأ اليساريين في دعم الديكتاتورية، إن السوريين يرفضون لأسباب مفهومة أولئك الذين ينكرون حقهم في تقرير المصير،
وفي حين أن دفاع اليساريين وتأييدهم للأسد ليس المسؤول المباشر عن المعاناة في سوريا، ولكنه يخنق أي نشاط محتمل يمكن له أن يقوم ببعض التغييرات على الهوامش، كما إنه يعيق من الحقيقة ويروج لنفاق وتضليل، وقبل كل شيء فإنه يزيد الجرح نزفاً لما يحتمل أن يكون عدة أجيال.
-سكوت لوكاس أستاذ السياسة الدولية في جامعة بيرمنغهام ومحرر ورئيس موقع EA worldView

مقالات ذات صلة

روسيا تنشئ تسع نقاط مراقبة بمحافظتي درعا والقنيطرة

باحث بمعهد واشنطن يدعو "قسد" لمراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية

روسيا تكشف عن أربع دول عربية عرضت استقبال اللجنة الدستورية بشأن سوريا

"حكومة الإنقاذ" ترد على المزاعم الروسية بوجود استخبارات أوكرانية في إدلب

روسيا تبدي استعدادها للتفاوض مع ترمب بشأن سوريا

بدء اجتماعات مؤتمر أستانا 22 في كازاخستان