بلدي نيوز –(متابعات)
كتب الكاتب والمحلل السياسي التركي، (محمد زاهد جول) مقالاً له بصحيفة الشرق القطرية، بعنوان " هل تُخلخل تركيا التحالف الروسي الإيراني في سوريا"، قال فيه: " إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدرك تورطه في الحرب السورية، ودعمه لنظام بشار الأسد خاصة بعد تجاهله لنصائح تركيا، ما جعله يبدأ في مراجعة حساباته في الفترة الأخيرة، وإعادة تقييم حلفائه في المنطقة، إضافة إلى قبوله للمصالحة مع أردوغان لتفهمه الواضح إن أنقرة تملك إنقاذ روسيا من زيادة خساراتها الكثيرة في سوريا".
وأشار (غول) إلى أن العلاقات التركية الروسية مستقرة ومفيدة للبلدين جداً، بحيث لا تستطيع إحداهما الاستغناء عن الأخرى في مجالات عديدة في مقدمتها أمن المنطقة السياسي، وسوق الطاقة والزراعة والسياحية والصناعة وغيرها، موضحاً أن "تركيا تصل حاجتها إلى النفط والغاز الروسي نسبة 70ـ90% من استهلاكها السنوي، وهذه حاجة لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة، ومستوى التبادل التجاري اليوم يصل نحو 30مليار، يتم العمل حالياً أن يصل إلى 100مليار في السنوات القليلة القادمة، فقيادة تركيا وروسيا مضطرتان إلى زيادة أوجه التعاون والحد من نقاط الاختلاف بينهما إرضاء لشعوبهما، وإلا خسر كل واحد منهما شعبيته في الانتخابات أيضاً".
ويلفت (غول) النظر إلى أن حالة الاختلاف بين روسيا وتركيا في السنة الماضية نقطة عابرة لا يمكن أن تبقى ولا أن تتوسع، وأن يتم معالجة الاختلاف بأسرع ما يمكن، والبحث عن جوانب الاختلاف وأسبابه، وهذا ما يفسر حرص الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان بعقد ثلاثة اجتماعات قمة بينهما خلال الأشهر الماضية لمعالجة ما حصل، ووضع أسس جديدة للعلاقة بين البلدين، ومن المعلوم أن المسألة السورية هي نقطة الاختلاف الأساسية بين تركيا وروسيا في السنوات الماضية، معتبراً إن الطرف الأساسي الذي يتم عليه الاختلاف هو نظام الأسد، وأن تفهم روسيا لوجهة النظر التركية سوف تؤدي حتماً لزيادة التعاون بينهما، وسوف تنهي الأزمة السورية بطريقة ترضي الشعب السوري والدولة الروسية وتركيا.
ويرى جول إن "القيادة الروسية في السابق رجحت الأخذ بالرؤية الإيرانية أولاً، وخدعها التشجيع الأمريكي للتورط العسكري في سوريا ثانياً، وخدع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قيادة الأركان الروسية وبوتين بأن عملية عسكرية روسية سريعة وخلال ثلاث أو أربع أشهر سوف تقضي على المعارضة السورية المسلحة كلياً، ولا شك أن روسيا لها مصالحها في تجربة هذه المحاولة، ولكن فشل المحاولة بعد أكثر من سنة فرض على روسيا أن تعيد النظر ليس في العملية العسكرية في سوريا فقط، وإنما أن تعيد النظر في حلفائها في المنطقة بما فيها إيران".
وحسب "جول" فإن بوتين يبحث "عن حلول تخرجه من سوريا غير مهزوم، وإن لم ينتصر، وحيث إن إيران لا تستطيع مساعدته في ذلك، فإن بوتين اضطر إلى مصالحة أردوغان، وإعادة علاقة روسيا مع تركيا إلى أحسن مما كانت، لأن تركيا وحدها هي التي تملك إنقاذ روسيا أو حفظ ماء وجهها في سوريا على الأقل، وإلا تواصلت الخسارة عليها خارجيا وداخليا".
وفي المقابل يقول "جول": إن تركيا تنظر إلى المعادلات العسكرية في سوريا بواقعية حقيقية، وليس إلى مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية فقط، كما يظن البعض، فتركيا ولا كل الدول العربية معها لا تستطيع الدخول في حرب مع روسيا عسكريا، فتوازن القوى العسكرية متفاوتة جداً، بالرغم من أنه ليس مطلبا تركيا ولا عربيا ولا إسلاميا الدخول في حرب عالمية مع روسيا الاتحادية، لأن ذلك خسارة محققة للمسلمين والأتراك والعرب في هذه الظروف العسكرية، فضلاً عن أنه مدعاة لسرور الغرب وأمريكا وإسرائيل، ولذلك فإن زيادة التوتر مع روسيا في سوريا ليس مصلحة تركية ولا عربية ولا إسلامية، وبالتالي فإن الحكمة السياسية تتطلب دفع الشر الروسي عن سوريا في أقرب وقت ممكن، لأن روسيا لن تنقلب في مواقفها بين عشية وضحاها.
ويشدد (جول) على أن إقناع روسيا بالعدول عن مواقفها الخاطئة والإجرامية في سوريا خير من الدخول معها في صراع سياسي أو عسكري، وهو ما حاولت السعودية وقطر والبحرين والأردن والكويت وغيرها سلوكه مع روسيا في السنوات القليلة الماضية، بالرغم من موقف روسيا في دعم نظام الأسد، لأن الحل الآخر غير ممكن أيضاً، بل يعد ضرباً من الانتحار.
ويشير (غول) إلى أن روسيا أخطأت بموقفها العسكري في سوريا، الذي شاركت فيه إيران والعراق ونظام الأسد، لأنه محور عقيم أولاً، فلا يمكن أن يحقق النجاح إطلاقاً، لأنه ضد هوية أهل المنطقة الحضاري، وضد مصالحها، وهو محور حاقد وإجرامي، فلا مصلحة لروسيا أن تكون في محور عدائي ضد المسلمين وخمس سكانها من المسلمين.
ويؤكد (جول) إن "إيران مهما قاتلت في سوريا لن تنتصر ولو بعد عقود، وهي تحارب في سوريا لأحقاد تاريخية وخدع أمريكية، فأمريكا هي التي شجعت إيران لاحتلال العراق معها، وشجعتها لاحتلال سوريا واليمن، لأن أمريكا تخطط للحروب الدائمة في العالم الإسلامي، وهذا يعني أن محور إيران هو أقرب إلى أمريكا من قربه إلى روسيا، فلا مصلحة لروسيا أن تبقي تحالفها مع إيران بديلا عن تحالفها مع تركيا والدول العربية والإسلامية".
ويعتبر "جول" أن تغير المواقف الروسية من تركيا والسعي للمصالحة معها، وتقديم إغراءات المصالحة لتركيا مثل توقيع خط السيل التركي، وزيادة التعاون الاقتصادي هو دليل على تخلل التحالف الروسي الإيراني، بل بلغ التفاهم التركي الروسي حد التعاون في المجالات العسكرية التصنيعية والتكنولوجية، بل وصل حد الإغراء الروسي أطماع تركيا أن تصبح دولة نووية، لإنتاج الطاقة النووية السلمية، وهو ما تم توقيع الاتفاقيات بشأنه في هذه الزيارة.
ويوضح (جول) أن التخلخل في التحالف الإيراني الروسي يمكن قراءته من جملة الاتفاقيات التي وقعت في زيارة بوتين إلى إسطنبول يوم 10 تشرين الأول الجاري بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي 23 للطاقة، فحجم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين مؤشر على تحالف تركي روسي جديد، وما يؤكد امتعاض إيران من هذا التحول الروسي نحو تركيا هو تغيب الحكومة الإيرانية وربيبتها الحكومة العراقية عن المؤتمر، علماً بأنه مؤتمر دولي.
ويشدد "جول" على أن مواصلة مقاومة الشعب السوري في مقاومة الاحتلال الإيراني والروسي سيكون العامل القوي والحاسم بيد الحكومة التركية لإقناع روسيا بأنها دخلت طريقا مسدوداً، وعليها التراجع عنه، بل والعمل لمصالحة الشعب السوري، والتخلي عن الزعامة القاتلة والفاشلة، فالشعوب أبقى من الرؤساء الدكتاتوريين والسفاحين.