جورسليم بوست – (ترجمة بلدي نيوز)
لقد تحولت سياسة إدارة أوباما في سوريا من مهزلة إلى مأساة، والآن تعود مرة أخرى إلى المهزلة، فاقتراح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بالقيام بانتخابات تحت حكم الديكتاتور السوري بشار الأسد، يمثّل تحوّلاً مذهلاً في سياسة الولايات المتحدة المعلنة بأن على "الأسد أن يرحل"، في حين أنها وكمثيلاتها من الانتخابات التي جرت تحت سيطرة الأنظمة الاستبدادية، لن تقوم بتقديم أي ديمقراطية أو حرية!
لقد قدّم كيري هذا الاقتراح خلال اجتماع في الأسبوع الماضي مع شخصيات من المعارضة السورية، حيث قام أحدهم بتسجيل تلك المناقشة دون علم كيري، وعلى الرغم من أن الرئيس باراك أوباما كان قد صرّح مراراً وتكراراً بأن على الأسد التنحي عن السلطة، فقد حثّ كيري المعارضة السورية على التنافس في انتخابات مع الأسد.
وتمّ تسريب الشريط المسجّل لصحيفة نيويورك تايمز، و رفض كيري المحرج التعليق على الأمر، فالانتخابات الهزلية هي تقليد عريق في سوريا في ظل عائلة الأسد، بعد قيام والد بشار -حافظ، بالاستيلاء على السلطة في عام 1970، والذي سيطر بشكل دوري على "انتخابات الشخصية الواحدة" والذي حصل فيها على 99 في المئة من الأصوات.
وعلى غرار الأب، كذلك كان الابن: فبعد موت حافظ في عام 2000، كان بشار هو المرشح الوحيد في السباق لخلافته، فقد استولى على 97.2٪ من الأصوات، وبعد سبع سنوات قام بتنظيم "انتخابات رجل واحد" لمرة أخرى، وهذه المرة ب 97.6٪ من الأصوات، و قال وزير الداخلية السوري حينها بسام مجيد حول الأمر: "إن هذا الإجماع الكبير يظهر النضج السياسي لسوريا وتألّق ديمقراطيتنا ونظام التعدد الحزبي" !!!
وقبل عامين فقط، قام الأسد وكالعادة بتنظيم مسرحية سباق رئاسي آخر، هذه المرة بالإضافة لاثنين من المنافسين الذين وافقت عليهم الحكومة، و فاز الأسد ب 88.7٪ من الأصوات، في حين فاز أقرب منافسيه -حسن نوري ب 4.3٪.
والآن خمّنوا من الذي استنكر السباق الرئاسي متعدد المرشحين تحت ظل حكم بشار الأسد في عام 2014: إنه وزير الخارجية جون كيري بنفسه، إذ وصف الانتخابات السورية حينها "بعديمة المعنى" و "صفر واضح"، فلماذا يا ترى يعتقد كيري بأن انتخابات سورية جديدة تحت ظل الأسد، قد تكون ذات أي معنى أكثر من تلك الأخيرة؟ إن الأمر غامض جداً.
وبالنظر إلى أعداد معارضي الأسد الذين قتلوا أو تم نفيهم، فإنه من الصعب جداً أن نتصور أن أي نتائج لانتخابات جديدة ستتمكن بدقة من تمثيل إرادة الشعب السوري، وينبغي للمرء أن يكون حذراً دائماً حول مقارنة القادة الحاليين أو الأحداث الحالية بالنازية أو الهولوكوست، ولكن قضية الانتخابات السورية تثير الأسئلة التي قد تستدعي وجود التشابه الكبير مع هتلر.
فقد فاز حزب أدولف هتلر النازي بأكثرية 33٪ في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1932، والذي أسفر عن مساومات تشكيل الائتلاف التي أوصل هتلر إلى السلطة في يناير/كانون الثاني.
ولتوحيد وإضفاء الشرعية على حكمه، دعا هتلر لإجراء انتخابات جديدة في يوم 5 مارس/آذار، وفي الأسابيع السابقة للانتخابات، سحب هتلر خارجاً جميع المعارضين (كما يمكن للمرء أن يفترض بأن الأسد قام به تفصيلاً).
وبواسطة إحراق الهيئة التشريعية للرايخ وإلقاء اللوم على الشيوعيين، كما أشار وليام شايرر في كتابه "صعود وسقوط الرايخ الثالث"، "كان هتلر قادراً بضربة واحدة ليس فقط على إسكات خصومه وإلقاء القبض عليهم بشكل قانوني، ولكن عن طريق تلفيق التهديد الشيوعي "رسمياً" كما كان الحال، فقد دفع الملايين من الطبقة الوسطى والفلاحين نحو موجة من الخوف من أنهم ما لم يقوموا بالتصويت لصالح الاشتراكية القومية في الانتخابات المقبلة فبالتالي، فإن البلاشفة سيقومون بالاستيلاء على الحكم".
وقد تميزت تلك الحملة الانتخابية بالاعتقالات الجماعية للشيوعيين والاشتراكيين، وإغلاق صحف المعارضة والاعتداءات العنيفة من قبل قوات "العاصفة" على اجتماعات الأحزاب غير النازية.
وعلى الرغم من تلك الحملة من العنف والترهيب، كان هتلر لا يزال مخفقاً في الحصول على الأغلبية، حائزاً على 43.9٪ فقط من الأصوات، وبحلول الوقت الذي نُظِّمَت فيه الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1933، كان لهتلر السلطة الكاملة، بينما تمّ حظر جميع الأحزاب المعارضة، فقد فاز النازيون ب 92.2٪ من الأصوات، في حين زادوا من رصيدهم إلى 99.9٪ في انتخابات مارس/آذار لعام 1936.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف مليون شخص قتلوا في الحرب في سوريا - حوالي 11٪ من السكان، في حين أن ما يقرب من خمسة ملايين من السوريين أصبحوا خارج البلاد، وهي طريقة أخرى للقول بأن العديد من معارضي الأسد لن يكونوا متواجدين في ذلك التصويت، ناهيك عن حقيقة أن الأسد سيستخدم كل سلاح تحت تصرفه لإمالة الانتخابات لصالحه، وأن حلفاؤه وإيران وروسيا، سيقومون بكل تأكيد بإيجاد السبل لمساعدته، ويمكن للمرء أن يفهم لماذا كانت شخصيات المعارضة السورية التي اجتمعت بكيري "مندهشة" لسماعه يتحدّث عن انتخابات في ظل الأسد، وفقاً لصحيفة التايمز.
وبدايةً مع التدريب الهزليّ للولايات المتحدة لـ 60 مقاتل سوري، إلى التهديد عديم الجدوى بـ "الخط الأحمر" الذي لم يُنَفّذ، إلى سنوات من استئناف هجمات الأسلحة الكيميائية السورية لبلد يفترض بأنه قد وقع على معاهدة تخلّيه عن أسلحته الكيميائية، لقد تحوّلت سياسة إدارة أوباما في سوريا من مهزلة إلى مأساة والآن إلى مهزلة مجدّداً، وهذا يعني بأن المزيد من المآسي قد نشهدها في المستقبل القريب.