بلدي نيوز – (نور مارتيني)
اجتماعات ومداولات كثيرة تجري في مختلف المحافل الدولية، كلّها تتمحور حول المستجدات في سوريا، خاصة بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق مؤتمر الدول العشرين، والذي أعقبه البدء بتطبيق بنود الاتفاق الأمريكي - الروسي.
هذا الاتفاق الذي مهّد الطريق لمرحلة إحراق حلب، تحت مسمى "الحل السياسي" و"إدخال مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة"؛ الاتفاق الذي أطلق عليه اسم "فودكا- بيتزا" كان عنواناً لمرحلة جديدة، بدأت خلالها ملامح المحاصصات تظهر بشكل سافر.
فبالتزامن مع الاتفاق والمفاوضات لإدخال مساعدات إنسانية، كانت تركيا تتحضّر لخوض معركة "درع الفرات" انطلاقاً من مدينة "جرابلس" الحدودية، والتي طرد منها تنظيم "داعش" بعد قرابة ثلاث سنوات من السيطرة على المدينة، فيما بدأت بعض التسريبات تتحدث عن تحضيرات "قوات سوريا الديمقراطية" بالتنسيق مع الروس والنظام السوري، لاستعادة حلب، انطلاقاً من منبج.
غير أن روسيا، التي أصبحت اللاعب الأساسي في سوريا، بعد إقصاء إيران، وعقد صفقة مع تركيا –على ما يبدو- مقابل تقويض الحلم الأمريكي بالتواجد في المنطقة، من خلال نسف حلم إقامة دويلة "روج آفا" أو ما يعرف بـ"غرب كردستان"، وهو ما يدلّل عليه استقدام روسيا لمنظومة صواريخ "إس 300" والتي تستخدمها لأول مرة خارج الأراضي الروسية، إلى سوريا، وهو ما لم يكن ليتم لولا وجود اتفاق روسي تركي بهذا الخصوص، على الأغلب.
بالمقابل، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية يوم أمس عن عقد اجتماع تحضره كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وألمانيا بشأن سوريا، يأتي الإعلان عن هذا الاجتماع بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن اعتزامها توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري.
حول الغاية من هذا الاجتماع، يدلي د. يحيى العريضي مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، بتصريح لـ"بلدي نيوز"، يقول: "تعود السوريون على الوعود تأتيهم من كل حدب وصوب؛ وكثير منها تحوّل إلى هباء منثور. إن كان هناك ما سيحدث، فهو لخدمة أجندات القوى المنخرطة في المسالة السورية، وليس قلقاً على دم السوريين أو الحرج من تدمير بلدهم أو حصارهم".
ويرى د. العريضي أن "بوتين أراد استغلال ما تبقى من أيام أوباما، ورخاوة موقفه تجاه المسألة السورية وإنجاز أكبر ما يمكن من وضع اليد في سورية لإلزام الإدارة الأمريكية القادمة بالواقع المتشكل في سوريا، وبدوره أوباما يدرك تفلت بوتين وضغط الشركاء الأوربيين على إدارة أوباما".. لافتاً إلى أنه "في الوقت ذاته يريد ربما أن يعزز موقف حزبه الديموقراطي في الانتخابات القادمة، ويرفع عن كاهله هذا الهجوم لعدم قيامه بشيء تجاه الكارثة السورية التي يلحق إدارته وحزبه اللوم والتقريع بسببها".
ويخلص مستشار الهيئة العليا للمفاوضات "د.يحيى العريضي" إلى أنه "من هنا قد يتمخض إجراء ما مباشر أو غير مباشر. وغير المباشر ربما يكون الأرجح ويتمثل بدعم نوعي لمقاومة الإجرام الروسي وإجرام النظام. وهذا الاجتماع في برلين يأتي في هذا السياق".
في سياق منفصل، يرى الصحفي السوري "عدنان عبد الرزاق" أنه يرجح لجوء الكونغرس إلى "سيناريو تفعيل العقوبات ضد موسكو، وربما توحيد رأي العقوبات مع الاتحاد الأوروبي.. أو تفعيل قصة إسقاط الطائرة الماليزية أو التحريك عبر الوكالة، إن بأوكرانيا أو عبر بعض الدول الإقليمية لضرب اﻷسد أو بعض المصالح الروسية بسوريا".
ويوضح "عبد الرزاق" أن الضغط على روسيا قد يتم "بتسليح نوعي للمعارضة السورية دون مضاد جوي طبعا"، ويعزو السبب إلى أن "الظرف الروسي أكثر جهوزية من الأمريكي، فالروس لديهم مبرر مزدوج للتدخل: ركنه الأول طلب الأسد من روسيا التدخل، وهو الرئيس المعترف به أممياً، والثاني ذريعة مكافحة الإرهاب".
كلّ ما يجري اليوم على أرض سوريا، لا يتعدى كونه صفقات سياسية، وتصفية حسابات عالقة بين الدول الفاعلة في المنطقة، الغاية منها استنزاف الآخر، أما الشعب السوري فلم يعد موجوداً ضمن حساباته، حيث إن القرار السياسي بات بيد من يقدّم له الرغيف، أو يقدّم له هدنة إنسانية تنقذ أرواح السوريين من الموت الذي يحيط بهم من كل حدب وصوب.