foreignpolicy - (ترجمة بلدي نيوز)
وجد المفتّشون الدوليون فجوات في تصريحات النظام السوري بشأن الأسلحة الكيميائية، مما يثير القلق من أن الأسد قد أخفى بعضاً من عوامل الحرب الأعنف والأشدّ فتكاً، فعندما كشفت سوريا عن برنامجها القديم السريّ للأسلحة الكيميائية في ديسمبر كانون الأول من عام 2013، قدّمت لمفتّشي الأسلحة الدوليين قصة كان من الصعب تصديقها: أحد المرافق الأساسية للأسلحة الكيميائية لنظام الأسد- والذي كان مختبراً يقع تحت الأرض في ضواحي العاصمة دمشق، والذي تم تصميمه لملء صواريخ السكود بعامل الأعصاب القاتل، لم يكن أبداً في الواقع قد أنتج غاز السارين.
لقد قرّر المفتّشون بأنّ عليهم التحقّق من الأمر بأنفسهم، في ثلاث زيارات لهم إلى الموقع، والمعروف باسم "حفير 1"، ويعتقد خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن بالنظام السوري يكذب حول مدى تطور مخزونه السري من الأسلحة الكيميائية.
فقد كشفت العيّنات التي تم جمعها من الموقع وجوداً لا لبس فيه لغاز السارين في المعدّات المستخدمة لخلط عوامل الحرب المحظورة وصبّها في الصواريخ التي تعود للحقبة السوفيتية من طراز سكود أو توشكا الباليستية التكتيكية، كما أنها كشفت آثاراً لمواد سابقة أكثر فتكاً من غازات الأعصاب VX، ولم يعترف النظام السوري في البداية باستخدام ذلك الموقع، بينما تمّ الكشف عن المزيد من الآثار لغاز السارين في وحدتي إيداع متنقّلة مركونة فوق سطح الأرض في ذلك المجمّع.
وقد كانت هنالك عدة ضغوط مورست مراراً وتكراراً للحصول على إجابات على مرّ السنتين والنصف الأخيرتين، كما عرض مسؤولون سوريون سلسلة من التطورات، والتي غالباً ما كانت متناقضة، تلك التفسيرات التي عمّقت فقط من شكوك المفتشين، كما أعلنت دمشق أيضاً تدميرها لجميع السجلات الأصلية تقريباً والتي تفصّل تطويرها للأسلحة الكيميائية، مما يجعل من المستحيل التحقق من مزاعم تطوّر مخزون الأسلحة الكيميائيّة في سوريا.
وفي اجتماع عقد في لاهاي مع مسؤولين من النظام السوري في أبريل 2016، كشف مفتشو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن أوراقهم، وكانت العيّنات التي تم جمعها في "حفير 1" "تحتوي على مؤشرات لغاز السارين و VX، مما يشير إلى أن الأسلحة الكيميائية قد تمّ إنتاجها وتسليحها في هذا المرفق"، وذلك وفقاً لحساب التبادل في تقرير سري للغاية لفريق التقييم في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حيث كان تقرير يتألف من 75 صفحة.
إن عمليات التفتيش في "حفير 1" - والتي لم يعلن عن تفاصيلها بشكل علني، كانت جزءاً من جهد واسع لجهاز مراقبة الأسلحة الكيميائية لتحديد ما إذا كانت سوريا قد التزمت حقاً بتعهدها الذي قطعته قبل ثلاث سنوات لإيقافها برنامجها المصمم منذ عقود لإنتاج كميات كبيرة من غاز الخردل والسارين، سومان، VX، وعناصر قاتلة أخرى، وذلك تحت إشراف دولي، ولكن هنالك سبب للشعور بالقلق المتزايد من أن النظام السوري لم يكن ملتزماً بذلك الاتفاق.
إذ وفي حين أن سوريا قامت بتدمير الغالبية العظمى من برنامج الأسلحة المعلنة، من المختبرات ومعدات الإنتاج الحيوية وحرق أكثر من 1300 طن من سلائف الأسلحة الكيميائية، يخشى مسؤولون أمريكيون وأوروبيون بأن بالنظام السوري قد احتفظ باحتياطي محدود، فيما ينفي النظام السوري بشكل متكرر أنه صنع في أي وقت مضى أسلحة غاز الأعصاب، وذلك في مواجهة أدلّة كثيرة تثبت عكس ذلك، والتي عزّزت فقط الشكوك بأن دمشق احتفظت ببعض الأسلحة الكيميائية باعتبارها الملاذ الأخير في الأمان للنظام ضد أي تهديد عسكري للمعارضة.
ويأتي هذا التمحيص المكثف على برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا في الحين الذي تُتَّهم فيه قوات النظام مرة أخرى بلعب "الألعاب القذرة"، وذلك بعد أن وعد بالتخلي عن استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة كجزء من اتفاق عام 2013، إذ لا يزال نظام بشار الأسد يمتلك ترسانة - غاز الكلور الكيميائي، كما أكد فريق من خبراء الأمم المتحدة في هذا الشهر بأن بالنظام السوري استخدم غاز الكلور في هجمات على بلدات معارضة لمرتين على الأقل، ومن المتوقّع أن يُحكم قريباً حول ما إذا كان النظام السوري مسؤولاً عن ثلاث هجمات أخرى بالكلور.
ويخشى مسؤولون غربيون من أن روسيا، الداعم العسكري الرئيسي للنظام السوري والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، من المتوقع أن تقف مرة أخرى في وجه أي جهد يذكر لمعاقبة أو الضغط على نظام الأسد.
ففي وقت سابق وتحديداً في 21 أغسطس من عام 2013، قامت قوات نظام الأسد بإطلاق وابل ممّا لا يقل عن اثني عشر صاروخاً من الحقبة السوفياتية، 140MM 330MM وصواريخ المدفعية المملوءة بغاز السارين، على ضاحية الغوطة في دمشق، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، وفقاً لتقديرات الولايات المتحدة، حيث كانت واشنطن حينها على شفا تدخل عسكري في سوريا، وكان هذا الهجوم هو أكبر استخدام للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين منذ عام 1988.
وتقول الولايات المتحدة وفرنسا، وغيرهم من المراقبين الخارجيين بأن الأدلة تشير مباشرة إلى نظام الأسد، كما أنه قد استخدم صواريخاً مماثلة في عدة هجمات تقليدية سابقة على قوى المعارضة، كما أن النظام وحده في سوريا قادر على إنتاج مئات اللترات من غاز السارين الذي تم استخدامه خلال الهجوم، كما أن الصواريخ التي استخدمت في شرق الغوطة لم تُستخدم فقط سوى من قبل النظام، إذ لم يسبق أن شوهدت آلية الصواريخ تلك مستخدمة على الإطلاق من قبل أي قوى معارضة لنظام الأسد.
كما يقترح بعض الخبراء بأن بصمات النظام في هجمات كتلك التي حدثت في الغوطة يفسّر استمرار مراوغة الحكومة بشأن نطاق برنامج الأسلحة الكيميائية الخاص بها.
"من الواضح أنهم يحاولون تجنّب المسؤولية عن ذلك الهجوم"، يقول غريغوري كوبلنتز، مدير برنامج الدراسات العليا للدفاع البيولوجي في جامعة جورج ميسون، كما أضاف بأن "عرض منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول وجود تلك الذخائر لدى النظام هو دليل قاطع، حيث أن وجود تلك الذخائر ارتبط بشكل واضح بهجوم غاز الأعصاب على السكان المدنيين."
وفي عام 2014، أنشأت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فريقاً لتقييم واستكشاف أمر وجود دلائل على صنع الأسلحة الكيميائية في سوريا، وأخذ المفتشون عينات من التربة والخرسانة والمعادن الخردة في شبكة من نحو 28 مختبراً عسكرياً وصناعياً ومرافق بحوث في جميع أنحاء البلاد وحققوا بعض النجاح، فقد وجد الباحثون آثاراً لعوامل الحرب الكيميائية في المختبرات التي تديرها مركز أبحاث حكومية في برزة وجمرايّة، ولم يقم النظام السوري بالإعلان عن وجود أي مواقع لتصنيع الأسلحة الكيميائية، ولكن المفتشون أجبروا النظام على الاعتراف بخطط لتسليح "الريسين"، ورغم أن دمشق أنكرت في البداية وجود مثل تلك المواد ولكنها سرعان ما اعترفت بأنها جرّبت صنع أسلحة الريسين على الفئران، ولكنها تخلت عن ذلك المشروع محوّلة إياه إلى برنامج بحوث طبية.
وبالإضافة إلى ذلك، أقر النظام السوري في وقت لاحق عن إنشائه لمنشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية تحت الأرض تدعى "السيد"، حوالي 25 ميلاً إلى الغرب من مدينة حمص، كان من المفترض أن يتم هنالك مزج المكونات الرئيسية لغاز السارين - ديفلورايد ميثيل فوسفونيل، والمعروف أيضاً باسم DF، والأيسوبروبانول، وصبها في ذخائر ولكن النظام السوري قال بأنه كان مشروعاً مؤقتاً تم الانتهاء منه بكل نهائي، وفي يوم 27 مارس من عام 2015، زار المفتشون الدوليون منشأة "السيد" لمعرفة ذلك، وجمعوا عيّنات من التربة التي وجدوا فيها آثاراً للمكونات الرئيسية للسارين، مما يدل على أن "المرفق من المرجح أنه يستخدم لتسليح السارين و VX".
لقد حاول النظام السوي لاحقاً استخدم حيلة مراوغة أخرى، في أيار 2016، عندما أبلغ مسؤولون في النظام السوري للمفتشين بأنهم قد علموا للتو عن تجربة بالغة السرية حصلت في عام 2005، للجمع ما بين مكوّن السارين و VX في انفجار واحد، وقالوا بأن رئيس قسم الأسلحة الكيميائية السورية قام بإجراء اختبار برأس حربي لصاروخ، ولكن فإن كل ما أنتج كان اندلاعاً لمكونات سائلة وتسرب كبير وسحب في السماء، ولربما كان هذا هو السبب في وجود عينات الدلائل الكيميائية، كما اقترح نظام الأسد!
ولكن مسؤولي النظام المراوغين لم يقدموا حتى أية وثائق أصلية قد تصف ذلك الاختبار المزعوم، كما قالوا بأن تلك الرؤوس كانت قد دمرّت في وقت لاحق، مما يجعل التحقق من تلك القصة المزعومة أمراً مستحيلاً!