بلدي نيوز
كتب رئيس اتحاد السوريين في المهجر منشورا في صفحته على فيس بوك ما سماها مخاوف وهواجس تعليقا على ما يجري في سوريا الجديد في ظل التطورات بعد إسقاط نظام بشار الأسد وتعيين حكومة تصريف أعمال لمدة ثلاثة أشهر.
وكتب رئيس اتحاد السوريين في المهجر "ثابت عبارة" منشورا جاء فيه: "عاش السوريون خلال الأيام الثلاثة الماضية نشوة النصر وشهدنا الاحتفالات تعمّ الجغرافيا السورية وتخترقها نحو أماكن تواجد السوريين في الخارج بعد سقوط الطاغية، إلى أن ظهرت صور المسلخ البشري في صيدنايا ومن ثمّ تدمير إسرائيل للبنية التحتية العسكرية للبلاد فتحوّلت الأهازيج إلى صمتٍ يخنق الأنفاس.
حتى الان تبدو الصورة ضبابية ولا يوجد إشارات واضحة عن أي سيناريو سيحصل في المستقبل، وأيّا كان ما سيحصل فمرّده تعنّت النظام البائد وممارساته بحق سوريا والسوريين".
قضايا وتساؤلات
وطرح جملة من القضايا التي تهم السوريين في الوقت الحالي، كما لفت الانتباه لجملة من التساؤلات قبل فوات الأوان حيث قال: "وأمام هذا الواقع سأستغل هذا التوقيت الحرج بالذات للتأكيد على جملة من القضايا وإثارة بعض التساؤلات التي تهمنا جميعاً قبل أن يفوت الأوان!:
• أولاً- الجميع شارك بإسقاط النظام ولا منّة لأحد على أحد في ذلك. من قاتل على الأرض، ومن استشهد في السجون، ومن تغرّب عن وطنه قسراً وحوّلته الظروف إلى ورقة انتخابية في البلدان المستضيفة، ومن رفض حمل السلاح ضد أهله وهاجر إلى أقاصي المعمورة، ومن نزح من منزله وسكن في خيمة، ومن عارض سلمياً ومن شارك في أستانا وجنيف ومن لم يشارك!، ومن سلط الضوء على جرائم النظام وشكل اللوبيات في واشنطن وبروكسل وغيرها وساهم في فرض العقوبات على النظام.. كل هذا الخليط وكل هذه الفوضى والمآسي أدّت إلى سقوط النظام.
• ثانياً- يتم الكشف عن الصفقات الكبرى عادة بعد عشرات السنين أو بالصدفة كما حصل في سايكس بيكو، فهل تسائلنا عن الصفقة التي تمت؟ هل كان قرار هيئة تحرير الشام بالعمل العسكري قراراً مستقلاً ذاتياً؟ إن كان نعم ألم يكن حرياً بها توضيح مشروعها بشكل لا لبس فيه. وإن كان لا، هل سمحت القوى الدولية للسوريين- عن طيب خاطر- بالتحوّل إلى نظام حكم يرتضوه أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
• ثالثاً- هل انتهت الحالة الفصائلية قبل الإقدام على معركة التحرير الكبرى؟ هل جرى تبييض سجون معتقلي الرأي و"المخالفين" في المناطق التي انطلقت منها العملية العسكرية؟ هل كان هناك توافق بين فصائل "الجيش الوطني السوري" المحكوم من قِبل تركيا، وبين هيئة تحرير الشام، قبل إطلاق المعركة؟ وإن كان هناك فلماذا لم يتّحدوا مسبقاً ضمن جيش واحد؟. ولماذا أطلقت فصائل "الجيش الوطني" عملية منفصلة بعد ساعات من "ردع العدوان"؟ ولماذا لم تمتد يد هيئة تحرير الشام إلى دير الزور والحسكة والرقة قبل إعلان تشكيل "حكومة انتقالية لسوريا" بحيث تكون بالفعل تمثل -من حيث المبدأ - كامل الأراضي السورية؟ هل ستكون هذه "الجزئية" بداية لمرحلة التناحر على "المشروعية" ومن ثمّ استئثار كل طرف بجزء من سوريا مستقبلاً بحجة "الشّرعية"؟ هل سنكون أمام إعادة سيناريو مشهد "الحكومتين" في ليبيا؟.
• رابعاً- هل قدّمت هيئة تحرير الشام وذراعها "حكومة الإنقاذ" نموذجاً يمكن الاعتماد عليه في بناء سوريا، كلّ سوريا، أو أقله إدارة المرحلة الانتقالية؟ هل كانت الحريات الأساسية (حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وحرية الفكر..) مكفولة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام سابقاً؟ هل حملت أي امرأة مثلاً حقيبة وزارية في مختلف تشكيلات "الإنقاذ" السابقة؟ هل ضمّت أي تشكيلة وزارية ليبرالياً واحداً؟ لن أقول علمانياً أو درزياً أو مسيحياً لأسباب معروفة! وبالتالي؛ هل وصلت حكومة الإنقاذ ومن يقودها إلى مرحلة النضج والحوكمة والديمقراطية؟ سأجيب عنكم وأقول (لا). وأضيف بأنّ هذا النهج الإقصائي هو ما يزرع الشكوك حول إمكانية تحقيق شمولية أو عدالة في حكم سوريا بكل تنوعها الثقافي والديني. لذا فأمام حكومة الإنقاذ اليوم اختبار حقيقي يتمثل في قدرتها على تجاوز نهجها الإقصائي والانفتاح على كافة أطياف الشعب السوري بمختلف انتماءاتهم الفكرية والدينية والثقافية والسياسية. هذا الاختبار ليس مجرد مطلب أخلاقي أو سياسي، بل هو ضرورة لتحقيق استقرار حقيقي وشامل على المدى القصير والمتوسط.
• خامساً- بالنسبة لمن يحاول احتكار النصر والإيحاء بأنّ الثورة كانت إسلامية الطابع وبالتالي له حرية التصرف بالبلاد والعباد، ألا تعلم أنك بهذه السردية تؤكد مزاعم النظام البائد حين حاول إقناع السوريين والدول القريبة والبعيدة -والتي بالمناسبة تراقب المشهد بدقة- بأنّ الاخر إقصائي وعنصري وغير مؤهل للحكم؟ ألم تكن ثورةً لكرامة الإنسان ولإطلاق الحريات وإنهاء ظاهرة الفساد وتسّلط وتسلبط الأفراد والعائلات؟ ولهؤلاء أقول؛ ألا تقرؤون المشهد الإقليمي والدولي؟ ألا تحلّلون أسباب صعود وازدهار الدول، وأسباب انهيار الجماعات التي كانت حتى وقت قريب جزءاً من المشهد وباتت اليوم من الماضي؟
• سادساً- الثورة السورية ثورة عدالة وليست ثورة انتقام، والسلم الأهلي بالنسبة لي خط أحمر. ولكن استدامة هذا السلم تستدعي تحقيق العدالة والإنصاف، وذلك بمحاكمة المجرمين من كل الأطراف أمام محاكم وطنية مستقلة ونزيهة، ووفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. بالمناسبة؛ أين اختفى جميع وجوه الحقبة السابقة؟ علمنا أن الطاغية وعائلته باتوا في موسكو، ولكن أين ماهر وعلي مملوك وكفاح ملحم وعلي محمود عباس؟ أين اختفى عناصر أجهزة الأمن التي كانت تحصي أنفاس السوريين؟! هل ستكتمل فرحة السوريين وتشفى صدور أولياء دم ضحايا سجن صيدنايا قبل إجراء المحاكمات العادلة؟
• سابعاً- القرارات الدولية تنصّ على سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات غالبا يجب ان تكون من تكنوقراط وخبراء اداريين، تعدّ دستورا جديدا وقانون انتخابات، عندها يحقّ للجولاني وغيره أن يرشّح نفسه وفي حال فاز يمكنه تكليف من يشاء بتشكيل حكومة تحكم البلاد. أما النموذج الحالي فهو "اجتهاد شخصي" من أحمد الشرع، ولا نعلم إلى أيّ طريق سيؤدي! سيسأل البعض غداً "من وكّل الجولاني بتشكيل الحكومة؟ من خوّله بتحديد هذه الآلية؟". أعتقد أنها أسئلة مشروعة.
• ثامناً- إنّ المظلومية وثقافة "الأغلبية" و"الأقلية" ليست أساساً صحيحاً لبناء الأوطان، بل ستكون عائق أمام التطور السياسي والاجتماعي وبالتالي الاقتصادي. فترسيخ الشعور بالمظلومية (السابقة) لدى السنّة السوريين سيعمّق الانغلاق على قيم دينية محافظة وسيحولنا إلى منطق "التوحّش" بدل التحول إلى لغة المصالح والتقاطع مع العالم لتحقيق مكاسب وطنية. هذه الثقافة، التي تعود جذورها لعقود من حكم البعث نتيجة تغلغل "العلويّة السياسية" في مفاصل الدولة، أسهمت في تكريس وعي جامد قائم على الماضي "المجيد"، بدلاً من الانفتاح على المستقبل. بناء الأوطان اليوم يتطلب وعياً سياسياً حديثاً يعترف بالتعددية وينطلق من دولة المواطنة والمصالح، لا من الانتماءات العددية أو الصراعات التاريخية. أتمنى أن نتجاوز سريعاً منطق "الأغلبية" والأقلية" باتجاه منطق المواطن والمؤهلات حيث تكون الكفاءة والعدالة هما الأساس في بناء الوطن.
• تاسعاً- الوجود الكردي في سوريا هو جزء من النسيج الاجتماعي السوري، ويتطلب الحل السياسي العادل الذي يعترف بهوية الكرد كجزء أصيل لا يتجزأ من الشعب السوري. أي حوارات بهذا الخصوص يجب أن تكون بعيدة عن التدخلات الإقليمية والضغوط الخارجية، في المقابل يجب على الأحزاب والهيئات الكردية شمال شرق سوريا إعلان فك الارتباط بأي جماعات عابرة للحدود".
تدمير الدولة قبل الرحيل
وختم السيد ثابت عبارة حديثه بما فعله بشار الأسد قبل رحيله من تدمير لبنية الدولة برفضه للحل وتسليم السلطة بشكل سلس، "لقد أصرّ المجرم بشار الأسد أن يودّع سوريا بجريمة كبرى عندما أمر بحل الجيش بشكل عشوائي، وهو يعلم أنه العمود الفقري لأي دولة. وأيضاً عندما رفض الحل السياسي وتسليم السلطة بشكل قانوني تجنباً للفوضى والانفلات الذي شهدته دمشق ومدن الساحل.
وأراد الطاغية بفعلته هذه أن تعمّ الفوضى أرجاء البلاد كي "نتحسّر على أيامه"، ولكن هيهات! سنبقى نحارب ونقاتل كي نصل إلى سوريا التي نريد، سوريا موحدة، ديمقراطية، تعددية، ومبنية على المواطنة الكاملة".