تركي المصطفى - بلدي نيوز
تتداخل التحديات الجيوسياسية بشكل معقد بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين إيران وسوريا تحت حكم بشار الأسد. فالرسالة التي نقلها علي لاريجاني، مستشار خامنئي وعضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، إلى بشار الأسد، تمثل لحظة حاسمة في تاريخ هذا التحالف الاستراتيجي. كما أنها تسلط الضوء على تغيرات عميقة في الموازين العسكرية والسياسية في المنطقة، في مواجهة الضغوط المتزايدة من إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة. وتظهر تصريحات لاريجاني، المبعوث الإيراني، تطوراً هاماً في العلاقة بين إيران وسوريا. الرسالة التي نقلها تتضمن تأكيداً على موقف إيران الثابت بعدم الانسحاب من سوريا، بل وتوجيه رسالة واضحة بأن إسرائيل لن تستطيع التأثير في هذا الموقف، وأن إيران قادرة على مواصلة الضغط على سوريا وتعزيز وجودها العسكري واللوجستي في الأراضي السورية. كما شدد لاريجاني على أن إيران مستعدة لزيادة مساعداتها العسكرية والاقتصادية لسوريا، مُؤكداً أن موقف روسيا ثابت إلى جانب سوريا وإيران في مواجهة الضغوط الخارجية. ولكن في المقابل، حملت الرسالة ما يمكن أن يُعتبر تهديداً ضمنياً لبشار الأسد. إذ جاء التحذير بأن ما تبقى من خيارات لا يستحق الخسارة أو التنازل، وهو ما يشير إلى أن إيران قد تراجع مواقفها تجاه الأسد في حال تعرضت لضغوط إسرائيلية أكبر. ومن جانب آخر، كانت إسرائيل قد أرسلت رسالة حاسمة إلى بشار الأسد عبر هذا السياق السياسي المعقد، حيث طالبت بوضوح بوقف التعاون الاستخباراتي مع إيران. وتضمنت الرسالة مجموعة من الشروط التي تتعلق بخروج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود اللبنانية، وطرد ميليشيا حزب الله من الأراضي السورية، ومنع تسليحه. واشترطت إسرائيل هذه الإجراءات مقابل الحفاظ على العلاقات الهادئة مع نظام الأسد، وفي الوقت ذاته، تزداد الأزمة الداخلية للأسد مع هذه المطالب الإسرائيلية، فالتعاون الاستخباراتي مع إيران لم يعد كافيًا لإسرائيل، وهو ما يفرض على الأسد اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبله السياسي. وهو الآن يقف أمام خيارين، إما التعاون مع إسرائيل عبر تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، مما يشكل خطراً على تحالفاته مع إيران وميليشيا حزب الله، أو الاستمرار في العلاقات العسكرية مع إيران، وهو ما يعرضه للتهديدات الإسرائيلية المباشرة. لذلك، تسعى إيران إلى تعزيز وجودها العسكري في سوريا، وهو ما قد يضع بشار الأسد في موقف محرج أمام إسرائيل، إذ أن إيران قد تضطر إلى زيادة شحنات السلاح إلى سوريا ولبنان لتأكيد سيطرتها. وستواصل دعمها لبشار الأسد، ولكنها ستضغط عليه لتبني المواقف السياسية بشكل علني، مما قد يضع الأسد في موقف حرج أمام الحلفاء والداعمين الدوليين. وفي حال قرر الأسد السير في الطريق الذي تطرحه إسرائيل، من خلال تقييد النفوذ الإيراني في سوريا، فإن ذلك قد يؤدي إلى تهديد بقاءه السياسي. ومن ناحية أخرى، في حال استمر الأسد في دعم إيران، فإن إسرائيل قد تكثف ضرباتها العسكرية على الأراضي السورية، مما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للأسد. وفي هذه المعادلة المعقدة، يواجه نظام الأسد مستقبلاً غامضاً ومليئاً بالتحديات. فإيران قد تحرج بشار الأسد أمام إسرائيل، في حال لم يتبنّ المواقف التي تطلبها إسرائيل. ومن جانب آخر، إسرائيل تشعر بأن الضغوط العسكرية ضد سوريا قد لا تكون كافية، ما يضطرها إلى زيادة الضغوط على الأسد ليغير سياساته تجاه إيران وميليشيا حزب الله. ومن المتوقع أن يستمر هذا الصراع السياسي والعسكري في التصاعد، مع زيادة الضغوط الدولية على نظام الأسد، خاصة من إسرائيل. لذلك فالأسد اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يضع نفسه في مواجهة مع إسرائيل وحلفائها، أو أن يتنازل عن نفوذه السياسي لصالح إيران وحزب الله. وأيًا كانت الخيارات، فإن الأسد سيجلس على خازوق إيراني أو إسرائيلي.