بلدي نيوز – (زهرة محمد)
انتشر اللاجئون السوريون خلال السنوات الست الماضية في أصقاع المعمورة، ووصلوا مناطق لم يخيل لأحد منهم ربما أنه سيعيش فيها، فمن القطب الشمالي شمالاً، إلى بعد خطوات من القطب الجنوبي، توزع السوريون على امتداد قارات العالم القديم منها والجديد.
أعداد كبيرة من السوريين اتجهت شمالاً إلى الدول الأوربية وأمريكا، ولكن قلت منهم عاكست اتجاه موجة الهجرة واتجهت جنوباً نحو القارة السمراء.
طريق نحو أوروبا
قلة من السوريين اتجهوا مجبرين إلى دول أفريقيا (غير العربية)، كمالي وتشاد والكونغو وجنوب أفريقيا، هرباً من الاضطهاد والقتل المنظم الذي ينفذه النظام وداعموه بحق السوريين، وقلة منهم من خرج بماله أو علمه أو مهارته للعمل بعد أن تقطعت بهم الأسباب في سوريا بسبب حرب النظام.
البعض من السوريين اعتبر دول شمال أفريقيا طريقا آمناً وسهلاً نسبياً إلى مبتغاهم ومقصدهم الأساسي وهو أوروبا، هرباً من بصمة دبلن وخاصة خلال الأعوام الأولى للتغريبة السورية.
فيسافر السوريون عبر (مالي) والتي تعبر الأقرب والمحاذية للحدود الجزائرية والمغربية، وهناك قد يقطعون الصحراء في طريق غير شرعي وصولاً إلى الجزائر عبر صحرائها، خاصة بعد منع السوريين من دخول الجزائر من دون التأشيرة كغيرها من البلدان العربية، وهناك طرق للهجرة السرية باتجاه الجزائر انطلاقاً من باماكو تكلف نحو 500 $ للشخص، ويمكن من هناك ركوب سيارة مع المهرّب، الذي يعبر بهم من مدينة (تمنراست) جنوب الجزائر.
وفي هذه المدينة، هناك جمعيات تقدم المساعدة للاجئين، بعد هذا يمكن للسوريين العبور مع مهربين يوصلون اللاجئين إلى مدينة تلمسان شمال الجزائر، عند الحدود مع المغرب.
ورغم أن الطريق قد تكون مليئة بالعقبات والمخاطر، إلا أن اللاجئين يعتبرون أن هذه الطريق هي الحل الأٌقرب والأمثل لهم، بعد إغلاق العديد من الطرق في وجوههم.
لاجئون في أفريقيا!
يعتبر اللاجئون السوريون في دول اللجوء، معنيين بشكل مباشر في هذه الأوقات بكل ما يجري من توترات سياسية وصراعات في الدول التي يعيشون فيها، وكما حدث في محاولة انقلاب الجيش في تركيا، والتي رافقتها حالة من التوجس والخيفة من نجاحه من قبل اللاجئين السوريين على مصيرهم، وارتياحهم الشديد بمجرد إعلان فشله، فهذا ما يجري في مختلف الدول التي تجري فيها أحداث وتحركات سياسية أو عسكرية محورية.
فدول أفريقية أرض خصبة للخلافات والصراعات والحروب مثل رواندا ومالي والكونغو، والتي تحوي بعض اللاجئين السورين المتخوفين فيها مما يحدث مؤخراً من تطورات عسكرية وسياسية، والتي نجمت عن تأخير الرئيس الكونغولي للانتخابات الرئاسية، ما دفع بموجة من الاحتجاجات التي قابلها بعنف لا يختلف عن نظام الأسد، مع عدم اهتمام وسائل الإعلام بهم وعدم مطالبة الأطراف السياسية القادرة على مد يد العون لهم فيما يجري، وعدم التدخل لإنقاذ أرواحهم، والتي باتت على المحك مع ما يجري مؤخراً، حيث يتصاعد العنف بين الجيش والرئيس وبين الشعب بشكل متسارع وهناك الكثير من التقارير عن الكثير من الضحايا في العنف هناك، ومع تزايد المظاهرات المطالبة بالإطاحة بالرئيس الكونغولي، يزداد عنف الجيش وتزداد التقارير عن المزيد من القتلى، حيث شهدت الكونغو العديد من أحداث العنف والحروب خلال تاريخها.
ويبدو أن موجة جديدة من العنف قد بدأت بعد أن ارتفع عدد القتلى خلال مظاهرات في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، ضد للرئيس جوزيف كابيلا إلى 50 قتيلاً.
حيث ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن المعارضة في الكونغو تتهم قوات الأمن باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين، الذين كانوا يطالبون بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية.
الموجة الجديدة من الاضطرابات التي بدأت في الكونغو قد تحول السوريين هناك إلى هدف، أو قد يسلمون للنظام الذي من الممكن أن يستغل الاحداث.
فحسب نداء انتشر على صفحات مواقع التوصل الاجتماعي، لأحد السوريين الموجودين في الكونغو، فإن أكثر من 5000 سوري مهددون بسبب الوضع الأمني في الكونغو، بدون أي ضمانات لحمايتهم وكفالتهم حتى من قبل المفوضية السامية للاجئين، وعدم تدخل المنظمات الإغاثية لمساعدتهم في الوصول لنقطة آمنة.
الجحيم!
على الرغم من غناها الكبير بالخيرات والموارد والثروات المعدنية، إلا أنه لا يعرف الكثير من السوريين موقع الكونغو على الخارطة، فهي دولة فقيرة من دول أفريقيا الوسطى، والتي تحمل الكثير من إرث الصراعات والنزاعات الداخلية، وتأثرت بالصراعات والنزاعات الخارجية، وقد يتذكر السوريون عنها اسم أحد رؤسائها (موبوتو سيسي سيكو) الذي حكمها لثلاثة عقود والذي يعرف عنه جشعه ودمويته، (حتى أنه كانت تطلق عليه شائعات أنه يأكل لحم الأطفال)، والتي شهدت اضطرابات وحالة من عدم الاستقرار والكوارث الاقتصادية والانسانية الناتجة عن السياسة والحروب والانقلابات والنزوح واللجوء الداخلي والخارجي، وموجات النازحين إليها من دول الجوار وغيرها، والتي بدأت منذ استقلالها حتى الوقت الراهن، والتي خاضت فيها حربين أساسيتين (حرب الكونغو الأولى والثانية) إضافة للعشرات من الحروب والنزاعات والانقلابات التي لم تهدأ في البلاد.
والتي يضاف إليها مجموعة كبيرة من المشاكل الصحية والتعليمية، والاقتصادية التي تجعل من الكونغو جحيماً حقيقياً لكل طالب للجوء، وتؤكد أن الوضع في سوريا أتعس بكثير من وضع الكونغو، ومستوى الممارسات الوحشية للجيش والميليشيات فيها يتجاوز حدود الآدمية، ويمثل قمة البربرية، من قتل للاجئين وعمليات اغتصاب جماعي حتى للأطفال والعجائز.
إضافة لطبيعة المجتمع الكونغولي المقسم دينياً وعرقياً وقبلياً واجتماعياً، والتي تجعل من المستحيل العيش فيه، أو العثور على صيغة للتعامل معه، حيث يعرف عن الكونغو مشاهد الجثث المتروكة للتعفن في الهواء بعد المجازر والمعارك التي تتجدد باستمرار، والمجندين الأطفال، وقضايا اغتصاب جنود الأمم المتحدة للأطفال والنساء.
حصيلة الحروب والمجاعة والمشاكل في الكونغو كانت قرابة ستة ملايين قتيل حتى عام 2008 فقط، والتي تعتبر أكبر خسائر بشرية في حرب منذ الحرب العالمية الثانية، ما يعني أن السوريين الذين وصلوا للكونغو قد يكونون الأتعس حظاً على الإطلاق بين السوريين، في ظل التجاهل التام لهم رسمياً وإنسانياً.