بلدي نيوز- (تركي المصطفى)
منذ 31 يوليو، والحديث يدور حول إمكانية رد الفعل الإيراني المحتمل تجاه إسرائيل، إثر حادثة اغتيال إسماعيل هنية في مجمع سعد آباد المحصن بطهران مما كان له عظيم الأثر على القيادة الإيرانية. حيث أظهرت حادثة الاغتيال مدى التهديد الذي تواجهه إيران من قبل إسرائيل، مما دفع بالمرشد خامنئي بتوعد إسرائيل "بعقاب شديد وأن الثأر لاغتيال هنية واجب على إيران"، وبعد مرور ثلاثة أسابيع على حادثة الاغتيال، اقتصر الرد الإيراني على التصريحات النارية لخامنئي وبعض قادة ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، فيما تجنح الدبلوماسية الإيرانية إلى الامتثال لمساعي الحل السياسي والتعامل بحذر مع الردود المستقبلية. والدعوة للتمهل في الرد، وتفادي الاستفزازات التي قد تؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه. وهو ما يعبر عن حقيقة الاستراتيجية التي تعتمدها إيران في اتخاذ قراراتها فيما يتعلق بإسرائيل، حيث أن الرد المتسرع قد يؤدي إلى تداعيات غير محسوبة وضغوط دولية أو عسكرية تفشل مشروعها في المنطقة العربية، ووفقًا للمعطيات الراهنة، يمكن تصور رد الفعل الإيراني، ضمن ثلاثة سياقات، هما: التصعيد العلني والرد السري والرد عبر الوكلاء، فالتصعيد العلني يعني تنفيذ هجوم عسكري مباشر على أهداف إسرائيلية، لكنه يحمل مخاطر تصعيد قد تشمل الولايات المتحدة وحلفائها وهذا ليس خيارها. والرد السري يتمثل بتنفيذ عمليات سرية تستهدف مصالح إسرائيلية في الخارج، وهو أسلوب ناجح استخدمته إيران سابقاً. وأما الرد عبر وكلائها، فيتضمن استخدام ميليشياتها في المنطقة العربية مثل ميليشيا حزب الله والميليشيات العراقية وميليشيا الحوثي ونظام الأسد، وهو الحل الأسهل لإيران ما دامت الدماء ليست إيرانية، فالتجربة الإيرانية على مدى العقدين الأخيرين في توظيف الشيعة العرب أثبتت قدرتها التخريبية في المنطقة العربية، فيما كانت قدرتها على المواجهة المباشرة في حرب الخليج الأولى 1980- 1987، ضئيلة بل خرجت خاسرة أمام العراق، لذلك ستختار الابتعاد عن المواجهة المباشرة لاستكمال عملية تخريب المنطقة العربية وضرب قدراتها البشرية والاقتصادية، وهو أكثر السيناريوهات احتمالا في وقوعه. مما يسمح لإيران بالابتعاد عن الصراع المباشر. ومع كل ما سبق فإيران تأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل المحتملة من الدول المجاورة والقوى العظمى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة. وتسعى لتجنب خطوات قد تؤدي إلى عزلة دولية أو فقدان دعم حلفائها الرئيسيين. واستجابة لذلك، تفضل عدم الرد الفوري لإبقاء إسرائيل في حالة من القلق والتوتر وهذا ما صرح به وكيل إيران في لبنان حسن نصر الله في خطابه الأخير، وفي سياق ذلك تعتمد إيران في منافستها إسرائيل على المنطقة، نظرية "القضاء على الضفدع" وهي موروث ثقافي استراتيجي فارسي كما يؤكد على ذلك د. محمد محسن أبو النور (مؤسس ورئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية "أفايب")، ويرتكز هذا الموروث على تراكم الخبرات السياسية عبر الأجيال والقرون، مما يمنحها عمقًا تاريخيًا وسياسيًا مميزًا. وتعتمد النظرية على كيفية تصرف الضفدع عندما يتم وضعه في إناء مملوء بالماء، ثم يتم تسخين الماء تدريجياً. وبحسب النظرية، فإن الضفدع لا يلاحظ زيادة الحرارة التدريجية حتى يصل الماء إلى درجة الغليان، وعندها يصبح الهروب مستحيلاً، وهذه النظرية تمثل الطريقة التي يمكن بها لإيران تنفيذ سياسات أو استراتيجيات تدريجية لتحقيق أهداف بعيدة الأمد دون إثارة ردود فعل قوية من الأطراف المستهدفة من خلال توسيع نفوذها، بتقوية شبكة ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان. مما يجعل التصدي لهذه الميليشيات أكثر صعوبة مع مرور الوقت. كما تخلق تأثيرات غير مباشرة على خصومها عبر تعزيز وجودها العسكري والسياسي ببطء، مما يعزز قدراتها على التأثير في التنافس مع إسرائيل دون التصعيد المباشر. لذلك تستخدم إيران استراتيجية "التطويق" لخلق بيئة غير مستقرة حول إسرائيل، مما يؤثر على أمنها ويزيد من الضغوط عليها ويخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي، ويؤثر على استقرار حكومة نتنياهو ويدفعها إلى اتخاذ خطوات متشددة. لذلك لن تختار إيران الرد العلني، لأنه سيعزز من موقف إسرائيل كمبرر لمزيد من الهجمات المكثفة، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في القدرات العسكرية الإيرانية. وقد يؤدي إلى تعزيز العقوبات الدولية على إيران، مما يضعف الاقتصاد الإيراني ويؤثر على قدراتها العسكرية. وقد يؤدي إلى فقدان الدعم الدولي، ويضع إيران تحت ضغوط دبلوماسية وقانونية من المجتمع الدولي. لذلك تلجأ إلى سياسة "الألف طعنة" وهي استراتيجية عسكرية قديمة تعتمد على الإضعاف التدريجي للعدو من خلال ضربات صغيرة ومتكررة. وتتبنى إيران هذه السياسة بتنفيذ ضربات صغيرة عبر وكلائها الإقليميين بدلاً من مواجهة إسرائيل في حرب شاملة. من خلال الإضعاف التدريجي لإسرائيل، وإثارة الشكوك الداخلية، وإعادة توجيه التحالفات الدولية.
وبالنتيجة فإيران تعتمد على استراتيجية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل الإقليمية والدولية في ردها على إسرائيل. مما يعكس العقلية الفارسية الهادفة إلى حماية مصالحها وتحقيق أهدافها طويلة الأمد في المنطقة العربية. فيما استراتيجيتها في التنافس مع إسرائيل تتراوح بين ألية "القضاء على الضفدع" وسياسة "الألف طعنة" التي تعكس النهج الإيراني في التعامل مع الأزمات، مما يعزز قدرتها على ممارسة النفوذ وتعميق تأثيرها الإقليمي.