علقت وزارة الخارجية الأمريكية على تصريحات أردوغان، مؤكدة أن واشنطن أبلغت حليفتها أنقرة بموقفها من إقامة محادثات مع النظام السوري، مؤكدة “ضرورة اتخاذ خطوات لتحسين وضع حقوق الإنسان والوضع الأمني لجميع السوريين”. وقال نائب المتحدث الرئيس للوزارة، فيدانت باتيل، في 2 من تموز الحالي، إن موقف الولايات المتحدة واضح، ولن تطبع العلاقات مع الأسد في غياب تقدم حقيقي نحو حل سياسي لـ”الصراع الأساسي”.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، استبعد أن تتحرك واشنطن للحد من مسار التقارب بين النظام السوري وتركيا، ويعود ذلك لوجود حالة من البرود الأمريكي في التعامل مع مسارات التطبيع مع الأسد، والدليل على ذلك أن واشنطن قامت بنوع من الاعتراض اللفظي فقط على التطبيع العربي مع الأسد، واكتفت بفرض عقوبات على النظام السوري، والتصريح أنها لا تشجّع هذا التطبيع. وأضاف العبد الله لعنب بلدي، “حتى داخليًا، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم يكن متحمسًا لقانون مناهضة التطبيع مع الأسد، حيث ضغط على الكونجرس لإزالة هذا القانون من موازنة وزارة الدفاع”.
وكان “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، وهو مظلة انضوت تحتها عشر منظمات أمريكية مختصة بالشأن السوري، قدّم مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وتم تمريره بأغلبية ساحقة، لكن الرئيس بايدن عرقله في نهاية نيسان الماضي. بدوره، شدد الخبير التركي في السياسات الخارجية والأمنية عمر أوزكيزيلجيك، على أن برود السياسة الأمريكية تجاه سوريا، شجع تركيا على السعي للتطبيع مع الأسد، وقال، إن أنقرة كانت لديها توقعات أن واشنطن بعد هزيمة تنظيم “الدولة”، أو خلال مناقشة الانسحاب الأمريكي من سوريا، ستُغيّر سياستها وتتخلى عن دعم “وحدات حماية الشعب”، لكن أمريكا لم تفعل ذلك. وأضاف أوزكيزيلجيك، أن الولايات المتحدة لم تقدم أي محفز أو خارطة طريق أو خيار سياسي أو تعاون مشترك مع تركيا لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، أو وقف دعمها لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لذا سارت أنقرة نحو التعاون مع روسيا، التي تقول للجانب التركي إن التطبيع مع الأسد سيمهد الطريق لعودة اللاجئين، رغم أن التجربة الأردنية واللبنانية أثبتتا عكس ذلك، والتطبيع مع الأسد لم يساعد في عودة اللاجئين.
ومنذ عام 2014، اعتمدت واشنطن على “وحدات حماية الشعب”، وهي الجماعة الرئيسة ضمن “قسد”، لمحاربة تنظيم “الدولة”، إلا أن أنقرة اعترضت على هذه الشراكة منذ البداية، كون “قسد” هي أحد فروع حزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه بـ”الإرهابي”، ما أثّر على طبيعة العلاقات الأمريكية- التركية.ورغم المطالبات التركية المتكررة لواشنطن بوقف دعمها لـ “قسد”، فإن الولايات المتحدة استمرت بدعم “الوحدات الكردية”، ما جعل أنقرة تتجه نحو مسار التطبيع مع الأسد، إذ أعلنت أن أحد أسباب مضيها في هذا التقارب، هو التعاون مع دمشق للقضاء على الإرهاب داخل سوريا، في إشارة إلى “قسد”.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية متضررة من مشروع التطبيع التركي- السوري، لأنه سيكون على حساب حليفتها “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، وسيعني مزيدًا من الانخراط التركي إلى جانب النظام وحليفتيه روسيا وإيران، في الضغط على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. وأضاف علوش، أن “الضرر الذي قد يلحقه التقارب التركي- السوري بمصالح واشنطن، سيجعل الأخيرة تسعى لعرقلة هذا التطبيع، لكن الواضح أن الولايات المتحدة لا تمتلك أدوات الضغط الكافية على تركيا لثنيها عن المضي قدمًا في هذا المسار، إلا إذا اقتنعت بالحاجة لتقديم بعض الإغراءات لتركيا في ملف الوحدات الكردية مقابل دفعها نحو التخلي عن التطبيع مع الأسد”.
وأشار علوش إلى أن “قسد” لم تعد أداة ضغط قوية بيد أمريكا على تركيا، لأن الأخيرة ليست بحاجة لمسار التطبيع مع الأسد فقط من أجل ملف “الوحدات الكردية”، بل هناك قناعة تركية متزايدة بأن الصراع في سوريا أصبح يشكل عبئًا كبيرًا على تركيا، خاصة بالنسبة لملف اللاجئين. وتابع، “هناك قناعة تركية أيضًا بأن واشنطن لم تعد قادرة على الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا لفترة طويلة، فهناك انتخابات رئاسية أمريكية بعد ثلاثة أشهر، وعودة محتملة لترامب قد تؤدي إلى تسريع الانسحاب الأمريكي من سوريا، وبالتالي كل تلك الاعتبارات تجعل تركيا تسلك مسار التطبيع مع الأسد، وتحاول تعميق انخراطها إلى جانب روسيا وإيران بعملية إنهاء الصراع في سوريا”.
وفي الوقت الذي تجد فيه أمريكا نفسها بلا أوراق ضغط قوية على تركيا لثنيها عن مسار التقارب مع الأسد، فإن أنقرة تعتبر أن نفوذها القو في حلف “الناتو” يمنحها ورقة ضغط قوية على أمريكا، لمنع الأخيرة من التدخل في مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة. وتعليقًا على ذلك، يرى محمد العبد الله أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تركيا لخلق بعض التوازنات داخل حلف “الناتو” في إطار تعاطيه مع حرب أوكرانيا، لذا يمكن ملاحظة أنه خلال العام والنصف الماضي، حرصت الولايات المتحدة على عدم إزعاج تركيا، التي كان لها دور أساسي بدخول فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي، “لذلك لا أعتقد أن واشنطن ستخسر أوراقًا سياسية مع أنقرة، من أجل الحد من التقارب مع الأسد”.
عنب بلدي