أوكيجنال بلانيت – (ترجمة بلدي نيوز)
أدّت كارثة هذا العام من الدورة الانتخابية، لقيام البعض في أوساط اليسار بالبحث عن ملاذ مع حزب الخضر بمرشحته الرئاسية جيل شتاين، إن الليبراليّة الجديدة هيلاري كلينتون، إن كانت تسعى للأفضل أو للأسوأ، فإنها مقيتة بالنسبة للكثير من اليساريين كالقومي المتطرّف دونالد ترامب.
لقد أدارت شتاين منصّة حقوق الإنسان، والمساواة السياسية والعرقية، ومعاداة الإمبريالية، بينما كان من المخيّب للآمال بالنسبة لي أن أرى زميلها في منصب نائب الرئاسة، آجامو بركة وهو يكتب افتتاحية تدعم المستبدّ السوري بشار الأسد، و ما هو أسوأ من ذلك، أن بركة لم يكن وحده في هذا الاتّجاه: إذ أن هنالك تاريخاً طويلاً من اليساريين الذين دعموا الأنظمة القمعيّة، ببساطة لافتراضهم بأنها كانت "معادية للإمبريالية"، بالنسبة لليساريين وإذا أرادوا أن يكونوا أمميّين حقّاً، وأرادوا دعم الحقوق الإنسانيّة لجميع الشعوب، فهم في أمسّ الحاجة لدحض هذه الظاهرة مرة واحدة وإلى الأبد.
الأسد ليس معادياً للإمبريالية
أولاً، دعونا نتحدث عن مقالة بركة، ونبدّد الفكرة القائلة بأن بشار الأسد هو بطريقة ما أو بأخرى "مناهض للإمبريالية"، فلقد كانت لدى بركة في مقالته اثنان من النقاط الرئيسية، أولّها أن الانتخابات السورية الأخيرة، والتي فاز بها الأسد وحزب "بعثه" بسهولة، يمثّل "التصويت الذي اهتمّ بالكرامة السورية وتقرير المصير أكثر من اهتمامه بأيّ من المرشحين على ورقة الاقتراع"، إن خطأ بركة الواضح هنا هو أن كلمة "مرشحين" كانت "جمعاً" وعلى الرغم من أنه قد يكون هنالك مرشحون آخرون إلى جانب الأسد والبعثيين، يمكننا القول ببساطة بأن النظام سيقدم انتصار الأسد أيّاً كانت الظروف، ولذلك فإن فكرة قيام "الشعب السوري" للخروج والتصويت سرعان ما تتقوض.
ثانياً، بأنّ المعارضة السورية تتكوّن بشكل كامل تقريباً من الجذور الإسلامية، في الواقع لا يمكن للمرء أن ينكر وجود جماعات إسلامية مثل جبهة النصرة في القوى المناهضة للأسد في سوريا، ولكن هذا يعيد تركيز النقاش بعيداً عن الأسد، والذي لا يزال ديكتاتوراً، ولا يزال من مؤيّدي القمع الشامل والقتل الجماعي، إن ذلك المنطق يظهر بكونه لا يتجاوز مستوى منطق المدارس الابتدائية في "أن الأسد يقاتل الأشرار، لذلك فإنه شخص جيد" إن بركة يطبّق هذا المنطق بحيث يُظهر فيه الأسد بشكل لا يرتكز مطلقاً على أي من اهتماماته حول حقوق الإنسان، أو الفهم الدقيق للعلاقات الدولية.
وحتى لو كان بركة على صحّة حول مضمون المعارضة السورية، فإلى أي مدى يا ترى قد يكون الأسد معارضاً فعلياً للإمبريالية؟ في الواقع وفي الكثير من الأحيان فقد انحاز الأسد بنفسه مع المصالح الصينية والروسية، والتي تديرها أنظمة قمعية بنفس قدر الهيمنة الأمريكية، ولكن الأهم من ذلك فإنه قد تعاون مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب منتهكاً حقوق الإنسان، كما في حالة قضيّة (ماهر عرار)، السوريّ المشتبه بتورطه بقضايا متعلّقة بالإرهاب، والذي قبض عليه مسؤولون أمريكيون قبل أن يرسلوه إلى سوريا للتعذيب وانتزاع الاعترافات منه، بمعنى من المعاني، فقد صدّرت الولايات المتحدة انتهاكاتها لحقوق الإنسان لنظام الأسد!.
ولكن الأسد في نفس الوقت هو ذلك الشخص الذي يقول عنه بركة بأنه "معارض لجهود الدول الإمبرياليّة" والذي ينبغي لنا أن "نقف متضامنين معه، وذلك بغضّ النظر عن كيفية رؤية التناقضات الداخلية لتلك الأمة/الدولة"، في هذا السياق فإن "التناقضات الداخلية" هي طريقة أخرى لوصف مسألة" قتل أكثر من نصف مليون مدني، أكثر من ألف منهم باستخدام الأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً".
إن نشر ذلك الوهم بأن الأسد هو بطريقة أو بأخرى معادي للولايات المتحدة أمر مثير للسخرية، فإن "سوريا الأسد" هي نظام "عديم الأعداء"، قد يعارض أحيانا ويتعاون أحياناً مع القوى الإمبريالية وفقاً لمصالحه، وقد يكون هنالك في معسكر "بركة" من قد يميل إلى عرض حزب الأسد "العربي الاشتراكيّ" كحزب يساري، كما يمكن أن يفاجأ بأن يعلم أنه ومنذ إجراء الإصلاحات المؤيّدة لقطّاع الاعمال في عام 2004، فإن الرأسماليين السوريين أصبحوا العمود الفقريّ لدعم الأسد، إن فكرة هذا المزيج من عدم المساواة الاقتصادية والقمع الحكومي هو ما يجب أن يسعى اليسار لنشره كسخرية وألعوبة يستخدمها نظام الأسد، إذ أنّ دعم الأسد فقط بسبب "اشتراكيّته" هو أقرب إلى دعم هتلر بسبب أن حزبه كان يحتوي في اسمه على وصف "اشتراكيّ".
موقف اليسار الغريب في السياسة الخارجية
ولكن وبشكل عام، فإنّ اليسار الغربيّ لا يزال يجد نفسه على الدوام في موقف حرج في السياسة الخارجية: كمواطنين غربيين، فإنهم ينتمون إلى بلدان كثيراً ما أخضعت بقية العالم، في حين أن المقاومة لهذا الإخضاع من الواضح بأنها أمر لا بدّ منه لكلّ المعنيّين بكوكب أفضل، ولكن من الذي يجب أن تقف معه عندما يكون أولئك المعارضين للإمبريالية الغربية في كثير من الأحيان أشرار كما هو حال الإمبرياليين بأنفسهم؟
ليس هنالك من إجابة مثاليّة على هذا السؤال، وهذا هو السّبب في أنّ اليسار الغربيّ لا يوجد لديه أي جواب حول كيفية حلّ الأزمة السورية، والتي قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص.
لقد وجد بعض المثقّفين المتعجرفين وسيلة سهلة للخروج من هذه المعضلة: وسيلة متأصّلة بشكل جذريّ "ضد الغرب"، لصالح أي قوة كانت من الممكن أن تعارضه، إن هذا الطريق السهل للخروج من تلك المعضلة هو السبب في تولّي (تيليسور) الموقف المحيّر في الدفاع عن العقيد القذافي كرجل جيد في الحرب الليبية، كما أنه كان السبب في كتابة أشلي سميث في كونتربونش، بأن اليساريين الرجعيين كانوا يقفون مع سحق روسيا الثورة الهنغارية في عام 1956، وربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 والتضامن في بولندا في عام 1981، وتأييدهم (لماو) في الصين عندما قام بتدمير حياة العمال والفلاحين واضطّهاد سكان التّبت في احتلالها لعقود طويلة، وكذلك دفاع اليسار عن أنظمة مثل (روبرت موجابي) في زمبابوي بكونه معادياً للإمبرياليّة، على الرغم من حملته التي لا هوادة فيها على كل من عارضه.
وحتى اليوم، وفي الحين التي تكون فيه جميع دول العالم "رأسماليّة" بشكل واضح فإن هؤلاء اليساريين يقومون بدعم الأنظمة القمعية بكونها "معادية للإمبريالية"، لطالما كانت ولو "شكليّاً" معارضة للولايات المتحدة بشكل ما أو بآخر، متذرّعين بالمنطق الخاطئ بأنّ "عدو عدوي هو صديقي"، في حين تمّ التنديد بالنضالات الشعبية من أجل الديمقراطية كعمل من أعمال الإمبريالية الأمريكية إذا ما كانت تحتجّ على أي نظام دكتاتوريّ.
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، فإن الإشارة إلى أن الغرب منافق، وبأن الولايات المتحدة وشركاؤها لا يقفون في الواقع من أجل الحرية، هو نهاية للجدل وطريقة أخرى لوضع مكافحة الغرب في أي نزعة مكلفة في اليسار، كما فعلت صحيفة الغارديان في عام 2015 عند مناقشة محاولة اقتلاع الرئيس السوداني المتهم بجرائم الإبادة الجماعية من جنوب أفريقيا: إذا ما كان مجرمو حروبكم الغربيين البيض يتجولون بحرية، لذلك فإننا نحتفظ بحقّنا بتجوال مجرمينا بحرية كذلك".، لقد أطلقت الغارديان على نحو صحيح على مثل هذا المنطق في التفكير بأنه "إخفاق واضح في إيذاء الذات"، فقط لمجرّد أن المشاريع الإمبريالية للولايات المتحدة زائفة، منافقة، وفظيعة، لا يعني بأن أولئك الذين يدّعون دعمهم للقضاء عليها، قد تحولوا بطريقة سحرية إلى أبطال المناهضة للإمبريالية.
دعم الكفاح من أجل الحريّة والعدالة والمساواة، أيّاً كان مصدرها
أنا لا أقول أيّ شيء من هذا القبيل للدفاع عن حملة بوش الابن، أو أيّ من المغامرات الغربية الأخرى غير الحكيمة خارج الحدود، إذ أنني أرفض الحجج المشابهة لحجج كريستوفر هيتشنز اليساري، والتي قادته بطريقة ملتوية لدعم الحرب على العراق، إن المدافعين والمحافظين الجدد أمثال هيتشنز واليساريين الرجعيين أمثال آجامو بركة غير قادرين على التعبير بطريقة سويّة حقاً، في حين أن أملهم ضئيل في فعل ذلك في المستقبل، إننا بحاجة حقيقيّة إلى سياسة خارجية أمميّة لا تكون موالية إلى أفراد يحاربون الغرب، ولكن إلى أفراد يدعمون الحرية والعدالة والمساواة، إنني أرفض الدعم الضمنيّ لفلاديمير بوتين، أو هوغو تشافيز، أو أياً من الطغاة أو الإرهابيين الذين قد يدعمهم اليسار الرجعيّ "برومانسية" لمقاومة الإمبريالية الغربية، وأقول لزملائي اليساريين، يجب علينا الاقتداء بأحد أكثر الشخصيات المناهضة للإمبرياليّة الغربيّة في التاريخ الحديث -مالكوم إكس: "أنا مع الحقيقة، بغضّ النّظر عمّن يقولها، أنا مع العدالة، بغضّ النظر عمن يقف معها أو ضدّها".
-آدم ليفين- كاتب في السياسة والإعلام، وعضو في مجلس إدارة جمعية الأمم المتحدة في سانت لويس.